مفرداتنا الكردية في اللسان العربي «3»

 

ياسر إلياس

ماذا سيحصل للأدب العربي لو حذفنا كلمتي(بستان ، نرجس )الكرديتين من جميع القصائد و الأشعار و الأبيات و الروايات و القصص التي اشتملت عليها .
لو فتح إنسان نافذة داره في صباح يومٍ مشرق جميل ليطل منها على فناء داره حيث بستان الورد من غير أن تكون مشاعره 
و عواطفه و روحه و أنفاسه معقودة على الفضاء الدلالي الأثير الساحر لكلمة نرجس و بستان 
كيف ستكون حياته؟ 
ولوجاً من هذا الباب أعرج على كلمة (جورب) جمعه جوارب و هو ما يلبسه الإنسان في قدميه .
جاء في لسان العرب لابن منظور وسواه من معاجم العربية (الجورَبُ) : لِفافة الرِّجل ، معرَّب ٌ . انتهى كلام ابن منظور و هي 
كلمة كردية صميمة جاءت من 
Gor  و gorî
گور ، گوري حاوية ، وعاء 
و (pî , پي )بمعنى قدم 
و كردنا يقولون اختصاراً (gore)
گوره.
جاء في القرآن ( و نمارق مصفوفة و زرابيّ مبثوثة) و في حديث هندٍ بنت عتبة :
نحنُ    بنات   طارق
نمشي على النمارق
إن   تقبلوا      نعانق 
أو    تدبروا    نفارق
فراق     غير    وامق
و قال رؤبة: 
أعِدُّ أخطالاً له و نَرمقا 
و النرمق و النمرق : سجاد ، و سادة 
قال الليث الكناني : النرمق : معرب . 
وهي الوسائد و الفُرش و الطنافس
و ماكان موشى ملوناً باهظ الثمن 
معربة على قول جمهرة اللغويين العرب 
مع اختلاف و خلاف في تبيان و بيان كنهها
ما سنوضحه عما قليل .. 
يقول الخليل الفراهيدي في العين 
هي من نرمق : الثياب اللينة من نرم الفارسية  أي لين ، و ليس في كلام العرب كلمة أولها (نر ) بنون أصلية.
أصول هاتين الكلمتين كردية بالقطع 
نمرق و نمرقة عربت عن (نرمقز )
و نرمكژ ، nermeqez
و nermekej
و نرم nerm بالكردية هو الناعم الملمس ،الأملس ولهذا الجذر اللغوي نظائر و اشتقاقات
بالعشرات :
nermandin -nermandî -nermbûn -nerme -nermenîşk -nermhajok-nermijandin -Nermîn-Nermok 
وغيرها الكثير.
و qez, و kej ، كژ ،قز ،  هو الحرير  و هي كلمة كردية صميمة.
و هذه الكلمات بشحمها و لحمها و مبناها و معناها و صوتها و صورتها لا تزال دارجة مستخدمة عند الكرد للتعبير عن كل فراش 
أو أريكة أو وسادة وثيرة ناعمة فاخرة
و لا يستخدمها العرب البتة إذا استثنينا ورودها على ألسنتهم في تلاوة القرآن من غير أن يكون لهم أي علم أو دراية أو خلفية شعورية بظلالها الدلالية السيميائية كما هو الحال لدى الكرد .
و زرابي جمع زُربيَّة ، كردية صميمة 
من زير ، zêr , بمعنى الذهب أو zer بمعنى الأصفر .
و آب ، ab , و هو الماء 
و المقصود ماء الذهب 
لأن المنسوج من ألياف ذهبيّة أو أنه نسيج ناعم موشى بخيوط ذهبية . 
 
هذا يقودني إلى كلمة Hevrîşim
( هَڤريشم ) الكردية التي أعيا تعريبها العرب فكانت 
إبريسم : التي قصدوا بها الحرير.
جاء في معجم المعاني الجامع : إبريسم 
لفظٌ معرب و هو أجود أنواع الحرير .
و جاء في لسان العرب لابن منظور : و الإبريسم: معرَّب و فيه ثلاث لغات ، و العربُ تخلط فيما ليس من كلامها و قال :
ليس في كلام العرب : إفعيلل مثل إهليلج 
و إبريسم و كذلك الفرِند و الديباج و الراقود  و الشهريز و الآجر و النيروز و الزنجبيل و منهم من يقول : أبْرَيْسَم بالفتح و منهم من يكسر .
و قال الفيروز آبادي:  الإبريسم هو الحرير : معرب . و قال غيره هو القزُّ النيء و الحرير هو الإبريسم المطبوخ .
قال الجواليقي  :
الأَبْرَيْسَم: أعجمي معرب بفتح الألف و الراء.
قال بعضهم: إِبْرَيْسم بكسر الألف وفتح الراء. وترجمته بالعربية: الذي يذهب صُعُداً.
قال ذو الرُّمة:
كأنّما اعْتَمَّتْ ذُرَى الأَجْبَالِ  ٭٭٭ بِالقَزِّ والإِبْرَيْسَمِ الهَلْهَالِ
و في تأثيل هذه الكلمة ذات الأصل الكردي يتوضح سرٌّ من أسرار عبقرية الأمة الكردية و لغتها العظيمة عبر التسمية التي أطلقوها على نسيج يرقة دودة القز الملقبة بملكة الأنسجة بلا منازع ؛ و يكمن السر من وراء ذلك في 
مسمى (الأبريسم ،
هڤرَيشِم 
Hevrîşim
و تلفظ أيضاً : Hewrîşim
باللهجة الصورانية
و التي كانت في الأصل :: 
Hev، هَڤ ، تعني بالكردية : معاً ، سوية،متصل بلا انقطاع
وrîs, رِيس، و التي تعني بالكردية ، النسيج المغزول 
و şim, شِم: التي تعني بالكردية اللعاب الشمعي الخارج من جوف اليرقة .
و هذا الاسم الجامع المانع يضم بين جناحية تعريفاً وافياً بنسيج خيوط هذا الكائن العجيب الخارق لأنه يغزل خيطاً متصلاً غير منقطع بطول مابين ٣٠٠-الى ٩٠٠متر ، متين ، و جميل ، و خفيف ، كثفته الكلمةالكردية بدالٍ لغوي واحد.
 
جاء في معاجم العربية
مِيزاب ، و مزراب و ، مرزاب 
جمع مَيازيبُ: مِزْراب؛ قناة أو ماسورة عموديّة يجري فيها الماء منصرفًا من أسطح الدُّور أو المواضع العالية، فينسكب على الأرض بعيدًا عن جدرانها.
مزراب : كلمة كردية صميمة و هي حصيلة ثلاث كلمات : 
ميز ، mîz : صرف ، تصريف، إدرار 
ري ، rê ، قناة ، طرقة 
آب : ab , ماء 
و ترجمتها الحرفية في الكردية 
قناة تصريف المياه 
و اللغة الثانية : ميزاب 
Mîzab 
حصيلة كلمتين و ترجمتها الحرفية في الكردية : صرافة الماء .
وغني عن الذكر أن العرب توسعوا فيها 
و اشتقوا منها الفعل : زرب يزرب فهو زارب 
الخ و كل ذلك للتعبير عن حركة الماء من الأعلى للأسفل و أصبح يدل فيما بعد لكل ما تسرب منه الماء سافلاً أو عالياً .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…