هانوفر بستانُ الله

عبداللطيف الحسيني

“أعيشُ في الجحيم وأكتبُه، وأنتم تقرؤونه”
قلتُ لأخي عبدالرحمن أريدُ أن أقضي ساعةً في عامودا بهانوفر بعيداً عن السماء الأولى و مقيماً تحت سمائِها في نفس الآن. كيف تستقيم هذه الحالة؟، فعامودا تبعدُ عنّي ثلاثةَ آلاف كيلو متر، لكنّها معي بكلّ تفاصيلها، بدءاً بالنهر الذي كنتُ أقطعُه قفزاً لأكونَ كالغزال في الضفّة الأخرى، لكن هذا النهرَ الذي أراه في هانوفر لا يشبه نهري، فعلى جوانبه تتمدّدُ الفتياتُ عارياتٍ… نعم عارياتٍ.. ضاحكاتٍ.. مستغرباتٍ من أمثالي المتلصّصين الذين لم يَرَوا الدنيا بعريها. 
قلتُ لأجعل هذا المدى المخضّر المتدفّق بالألوان إحدى ضواحي عامودا حيث كنتُ أدرسُ في كتاب مدرّسيّ وتخفقُ شمسُ تموزَ فوقَ رأسي، وحينَ أعودُ للبيت أراني أكثرَ سُمرةً تشبهُ سمرةَ الغجر. “أتذكّر.. حين دخلتُ بلغاريا هارباً من تركيا فَرِحَ أهلُها بي.. مبتسمين.. مرحّبين بي… ولو أني لا أعرفُهم ولا أعرفُ لغتَهم. سألَ أحدُ أصدقائي: أ تدري لِمَ يبتسمون معك؟…. أجبتُه  لا، صفعَني جوابُه: أنت تشبهُ هؤلاء الغجر الذين يظنّون أنك منهم”.
أشار أخي إلى ساحةٍ فيها مقاعد تشعُّ نظافةً،في الساحة على امتداد البصر أشجارٌ عملاقةٌ..خضراءُ طَوَالَ العام تتسلّقُ ظلالُها جوانبَها طَوَالَ اليوم،قلتُ ليكن مجلسُنا على العشب كما كنتُ في عامودا حيث تختبيءُ الأفاعي بينَ الأعشاب، أتذكّرُ.. قبلَ أربعين عاماً مرّت أفعى على يدي بينما كنتُ جالساً على العشب أقرأُ في كتابٍ مدرسيّ يتحدّثُ عن الحركة التصحيحية.
وكأنّ تلك الليالي التي أنفقتُ من عمري.. مع الأحبّة كانت كلُّها عُرسا.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…