ديريك وحلم العودة المستدام

وليد حاج عبدالقادر / دبي

بعض من وهن الذاكرة
خاص لموقع ولاتي مه
  
في الواقع واستكمالا لبعض مما استقر في قاع الذاكرة وفضفضت بعضها على فترات متقطعة ، والتي آمل في جمعها قريبا بكتاب صغير ، وبخاصة في بعض من المواضيع ، وللأمان وحتى لا نضيع جهود بعض من الأصدقاء الأحياء منهم والأموات ، وكما هو في تدوين هكذا مفاصل ، ونتيجة لفعل الذاكرة لا أكثر وشدها بمدها ، لابد من وجود تداخلات لفترات زمنية تستوجبها بقدر ما تفرضها المتشابهات من الأحداث ، وهنا ، وبعيدا عن الإنشاء ، وفي عودة مختزلة لمرحلة انتقالنا من ديريك للإستقرار في قامشلو صيف 1972 ، 
هذه المرحلة وببداياتها القاسية التي وسمت وترسخت في ذهنيتي وبت في واقع الحال ، مشدودا وبعنف سايكولوجي بديريك البيئة والمحيط والحالة الشعبية و .. كطائر غادر عشه وبات همه الوحيد على الرغم من تعدد الأعشاش وجمالها ببيئاتها ، إلا أن العش الأساس بقي هو المرتجى ، فلا غرو أن تبقى ديريك ملاذي،  واحساسي العميق بأن قامشلو بأبهتها وفخامتها أشبه بفندق أقيم فيها مؤقتا وهاجس عودتي إلى البيت أرقا وحنينية .. وطغى هذا الأمر علي طويلا حتى أنني بعد زواجي ورفض النظام تعييني في عدة مسابقات لانتقاء المدرسين وبكليشة ثابتة ( خطر على امن الدولة ) وللعلم واحدة من تلك المسابقات التي كنت قد تقدمت اليها كانت أثناء خدمتي في اعقد سلاح صاروخي سوري / قطاه الدفاع الجوي ، واتذكر حينها بأنني نزلت مع صديق من راجو وهو كردي كان ولكنه ماكان ينكر عضويته في حزب البعث وأظن أن اسمه كان محمد نجيب ، وراجعنا مديرية التربية بدرعا ، وقامت موظفة فيها بالتدقيق بإسمي وفالت لي : للأسف لا اسم لك بين المقبولين  انتظرني قليلا لأخبركعن الأسباب .. تناولت جد ولا آخرا ، وما لبثت أن قالت وهي تحمله في وجهي والبدلةالعسكرية التي ارتديها و .. نطقت أخيرا وهي غير مصدقة : أيعقل م اكتبوه هنا ؟ أجبت انا ونجيب : وما المكتوب ؟ قالت ( عدم الموافقة كونه خطر على أمن الدولة ) أجبت فورا : نعم هناك انا خطر على أمن الدولة وهنا انا بطل الدولة . وفي العودة الى بداية انتقالنا،  ومن جديد بقي هاجس العودة وأمل أن يغير الوالد رأيه يسايرني ومع الأيام انطباع ان البقاء قد أصبح تحصيل حاصل ، ومع رفض النظام لي في تلك المسابقات بقي خيار أن انتقل وزوجتي للعيش في ديريك من أشد الأمنيات ، حتى أنني عرضت على الوالد رحمه الله ، أن أفتح نادي – بيبيفوت – وبلياردو إضافة إلى مكتبة صغيرة للكتب ، أضف إلى ذلك أن زوجتي هي قابلة قانونية ووقتها لم تكن هناك قابلات كرديات فيها ، ولكن الوالد رفض ذلك ، وفي آخر مسعى تدخل العم الراحل حاج عبدالهادي ميرو في المسألة وأذكر أن الوالد سمح لي فقط للذهاب واستطلاع الأمر على الواقع و .. كانت فترة دعوتي للخدمة الإلزامية قد دنت ، ولتتوه المسألة أيضا في خضم مجريات المستقبل الغامض ومتحولاتها.  وفي العموم ، كان من الطبيعي ومجرد انتقالنا إلى قامشلو ان يكون توجهنا او علاقاتنا بداهة منحصرة مع ذوي بيئة ديريك ومن تجمعنا بهم علاقات اجتماعية وصداقات مسبقة ، واستقرينا في منزل مستأجر للراحل فقه عثمان ، وكان لوجود دار الراحل حاج دياب ميرو بالقرب منا وعلاقتنا السابقة خاصة الراحل سهيل دياب ميرو وتقاربنا العمري والمرحلة الدراسية وحيث أنهم كانوا انتقلوا إلى قامشلو قبلنا وكان لديه شبكة أصدقاء واسعة وأغلبهم من محيط القيادة المرحلية وفيما بعد البارتي،  وكوني من ذات البيئة الإنتماء ، طبيعي ان يكون هو بوابتي للإنخراط والتعارف مع المحيط ، وما كان قد مضى الشهر الأول ، وقبيل افتتاح المدارس ، تعرفت على اوساط البارتي ووجوهها الشبابية المعروفة مثل احمد جميل وأخوه محمد صالح واحمد سليما اخ د. غربي سليمان وبالمناسبة كان احمد وغربي من معتقلي سينما دمشق مع لفيف آخر ومن خلالهم انتسبت الى فريق لكرة القدم انخرطت فعليا فيما يمكن تسميتها بالجو السياسي وعليها كانت غالبية الشباب الذين تعرفت عليهم ، شيئا فشيئا أخذت التدرج من مرحلة المؤيد بحكم العائلة إلى ما يمكن تسميتها بالفعلي وإن تأخر الإنخراط الغعلي إلى ما قبل ابتداء العام الدراسي 1972 / 1973 
بدت له المدينة برونقها وكأنه يتسكع في شوارعها للمرة الأولى فلا يلبث ان يقف امام كل منعطف ، شارة ، طرز بناء متداخل وكمن بيده مطرقة يدق بها مسمارا او لربما / ميموري / فيثبت فيها متواليات المنظر !! .. ويحي !! هي لحظات تأمل لا تقل ؟! .. نعم ماكانت المرة الأولى ولربما هي مئات المرات وفي كل واحدة منها تخالها ستكون الأخيرة ! .. في كل ركن بسمة ، ضحكة ، دمعة ، لابل هي صرخة ولربما غضب ، انفعال ، توتر يندهش منها حتى مصارين البطن تتقلص وانت في حيرة اي منعطف عليك ان تتسكعها وأي طاولة .. لا لا أي كرسي ؟! .. إلهي : ما أصعب ان تتوحد مع المكان والمكان يتقمصك في كلية وتتشبث بك ذاكرتك الى تلك البركة التي اخذ يحفر فيها عمقا / صالحي بير كول / و .. تتذكر لون دلوه لا أسودا كان وذلكم الحبل خلته / وريس / أو بقايا / مرشك / من صناعة علالة ملا مرشو والبئر يتعمق في الزاوية المشتركة بين / بخجة قدري / و/ بخجة محميدي شمي / والأطفال نزق كانوا يهندسون في كل شيء .. هنا البئر وذاك الموقع هي البركة وهذا الممر يصر / شاهينو / أن يبقيها مائلا صوب شجرة التوت المطلة على الجم ومنها / بخجي كجك / .. إذن هو قادم ذاك اليوم ونحن نرتاح من هجيج وصياح ناجي / باڤي حموي كاني كركي / وبركة العم عبدالرحمن ! .. مساكين كنا ومادرينا سنتها تلك !! لا لا لم نكن ندري قط حينها كم من بريد حزبي كانت ترى طريقها الى غرفة الموتور تلك ، لابل ومع اشتداد قبضة الإستخبارات كان البئر بصخوره الضخمة وأسطحها الملساء بشقوقها مخابئ جد سرية وعمرها ماكان ليخيل لأي امريء بأن بئر / بخجي عبدالرحمن عبدالغني كان عبارة عن صندوق بريد للحزب … / بان منه التفاتة لا شعورية صوب الشرق بنبضه المتواتر وجيايي / بي خير / كغمامة تطول وتتقلص ، تئن انخفاضا وتتعالى شاهقة وجموع من الكوجر خلف الجم تتقدمهم قطعان الماشية وبغال وهنت تحت اثقالها من خيم واعمدة / ستون / وبقايا ما هب ودب وكلاب عديدة تتراقص في مشيتها اماما غير عابئة بشقونة اطفال المدينة فتبدو / تلك الكلاب / كأنها موصاة وبشدة في ان تتصرف بحكمة والرعاة يطوقون قطعانهم وجرس هرررر هرررر يتواصل ما ان ينتهي واحدهم حتى يبدأ الآخر وهو يوم عز كانت ليعقو الفرنجي الآزخي واولاد / محمدي صور ايرسي / فهم شراؤون كانوا / الكوجر / في رحيلهم صوب / پانا / لكميات كبيرة من الخبز ، لابل ان الفرنين كانا يؤجلان البيع لأهل المدينة الى ما بعد تأمين حاجة / خلكي زوزانا / .. نعم : أيها الغريب ؟ افلا تتذكر لحظتها ؟ .. نعم لحظتها وما أن بدأ الكسارون يحطمون حجر / كڤري حارو / وبدأت رؤوس فؤوسهم تتلامس تربة أزقة بلدتك فتفرش فوقها تلكم الحجارة المكسرة وذاك ال / قير / السائل برائحة نفطه الزاكم بأنها : متوالية الغربة ستبعثر أشجانها .. و .. ويلك من أمك وبقايا النفط الذي بصم لباسك كدمغة أبدية ورائحة القير الذي تشتهيه اكثر من ارقى انواع ال / بارفيوم / وبماركاتها الراقية .. هي ديريك كانت .. وهي عينها ذاك ال / جم / المتدفق القا في سيميائية غربة تعتقت وبات الإستقرار هو ذاته ذلك الإنين فينمو ويتضخم بسريالية الغربة مثل تلك العربة التي وان كانت عجلاتها تدور ولكنها : بقى راسخة في قاع الذاكرة تنشد دائما العودة الى جريان جمها … وليقاطعني محدثي : أوهوء ( بديركيته ) اين انت منها ديريك ؟ هل احدثك عنها وما آلت إليه الآن ؟ قلت : لا لا أرجوك دعني منها وعنها واتركني اعيش فيها كما كانت واستقرت في وعيي المتراكم 
لازلت أتذكر وجوه بعض من البعثيين القذرين وسيماء الرعونة المرتسمة على قسمات وجوههم وتلك السخرية الممضة التي كان يتقبلها بعض من ضعاف النفوس فينا !! وهنا لا أدري ما ذكرني بأمين فرقة الحزب في شركة الرصافة للإنشاء والتعمير ، والتي كنت اعمل فيها حتى لحظة اعتقالي حيث أخذت منها للامن السياسي عام 1992 .. اقول : بالفعل لا ادري ما الذي ذكرني بالمكنى أبو ابراهيم وإسمه خليل ابراهيم وثلته مثل طلب الجدوع وأبوحسن ومرعي والكندح / المفتي الآن / ، حيث فوجئت به ذات يوم بعد عودتي الى مكتبي من عمل خارجي  وهو يجلس في مكتبي على كرسيي ووراء طاولتي ومن حوله المتملقين ، وفور دخولي المكتب نهض الجميع سواه ومن ورائي واحد من  نوابي  الكرد الذي بادر بالكلام معي وباللغة الكردية يستفسر عن امر ما !! وجاوبته بالطبع وبالكردية غير مبال بوجوده ليقاطعني امين الفرقة موجها كلامه لمعاوني : استاذ ليش مابتعرف انه ممنوع التكلم بغير اللغة العربية ؟! أجبته عن معاوني !! ليش ما بتعرف استاذ أنه في حرمة للمكاتب وخصوصية واذا كان صاحب المكتب غير موجود لا يجوز ان يقعد مكانه كائن من كان ؟! هل تسمح من فضلك والقيام من على الكرسي خاصتي وهذا مكتبي وانا المسؤول هنا وإن كان لك امر او تصرف لا يرضيك عالجها بطريقتك اما انا والموظفين خاصتي فأنا المسؤول ولا تنس بأنني أنا من أكلمه بالكردية ورديت عليه بالكردية أيضا !! .. قال عم تطردني من مكتبك ؟ .. قلت انا اطلب منك ان لا تقعد على الكرسي خاصتي وادراجي كلها مفتوحة وملأى بالوثائق !!.. وطبعا ما مضى أسبوع وكان استدعاء من السياسية وآثار الكبل الرباعي الذي دام لأكثر من أسبوع .. الصديق ابراهيم شيخو من ريف الدرباسية هو كان معاوني . 
يتبع

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…