الحقل الدلالي الرمزي في الـ « ق ق ج» نص «حبال» لليمني بسام الحروري أنموذجاً -إضاءة أولى احتفائية-

 

إبراهيم اليوسف

لفت نظري نص – حبال- لليمني بسام الحروري والذي ينوس بين القصة القصيرة جداً، والقصة القصيرة المكثفة، بل الأقصوصة، إلا إنه يمتلك الكثيرمن مقومات وشروط فن القص، لاسيما فيما يتعلق بعالمه، وتمكنه من استدراج القارىء في حقل ملغم من أحابيل مخيفة، أو مرعبة. إذ إنه أي النص، بل الأقصوصة و منذ العتبة الأولى “العنوان” يشد انتباه المتلقي، لأن مفردة “حبال” تأتي جد استفزازية، فهي تختلف عن مجرد حبل عابر، ما يدفع المتلقي لمتابعة النص ليجد ذاته أمام دوامة من حبال. حبل يتلو حبلاً، في دورة حبلية، أو حلبة حبلية!
حبل صادم يبدأ منذ لحظة ولادته. إنه الحبل السري الذي يدفعنا مع نهاية النص لنتساءل معه عن: سرالحبل، وهو لايفتأ ليكون سلسلة حبال. حبال الأم القاسية أمام “شقاوته” وهي تربطه بها ما يجعلنا نستشف، مع استغراقنا في النص بأن لهذا الحبل “عقده” المتتالية، بل امتداداته الحبلية المتتالية. أجل، ذلك الحبل – تحديداً- هو نفسه بداية أو رحم حبال المجتمع التي تلتف حول رقبته تدريجياً، وهو يتابع حياته بين هاتيك الحبال المتعددة: الواقعية منها والوهمي، في آن واحد، إذ إنه يتصور أن النجوم إما هي مدلاة بحبال مفتولة أوأنها مجرد طيوف، فحسب!
كما إنه ضمن انهماكه وانشغاله بالحبال التي تشكل حياته، وتكبله، بل تكبل تفكيره. إرادته. يرى العالم كله محض حبال فها هي حبال المطر، إلى جانب حبال الضوء، ناهيك عن تجربته مع – لعبة الحبل- مع الصبايا المجايلات له، إذ إنه يسقط في امتحانهن، لأنه يبدو غير متقن لأفانين اللعبة، لنكون هنا أمام ذروة الحدث، ويكون مصيره تجربته مع حبال المواجهة الحياتية أكثر فشلاً، لاسيما وإن حبال السفن التي حاول الاشتغال عليها لم تصمد أمام عواصف الحياة ولجج الأيمة! 
 
سيرة جيل ما بين حبلي: السرة والمشنقة
رؤى سوداء ومصائر صادمة
 
إن لعب الحبل يتطلب مهارات إضافية، يبدو أنه لا يتقنها البتة، وهو ما يضطر للاقتناع به، بعد تتالي تجارب فشله في- لعبة الحبل- التي لا حيلة له في إتقانها ما يضطر بعضهن إلى أن يصارحنه بعد سقطاته في ميدان اللعبة وهن يسخر منه بأن عليه ترك هذه اللعبة لهن”جرب القفز على الحبل مع رفيقات طفولته، لكنه في كل مرة كان  يتعثر ويسقط معفراً وجهه على تراب خساراته ما جعله مثار سخريتهن ، وبسخرية طلبن منه ترك لعبة الأحابيل التي لايتقنها غيرهن، اتسعت رقعة خياراته تجاه الحبال فعند اشتداد عوده قرر العمل في فتل حبال السفن لكن العاصفة والبحر غيبا كل السفن التي أوثقت إلى حباله في حال رسوها في ميناء ما”
نحن هنا، أمام رمز واضح، إذاً، رمز له أكثر من بعد أحدهما يتعلق برؤيته السوداوية للأنثى المنتصرة عليه، كردة فعل، والأخرى في إسقاط هذه التجربة على حياة كاملة. إنها حياته هو، متجرعاً علقم الهزائم المتتالية: امتحاناً تلو امتحان” اتسعت رقعة خياراته تجاه الحبال فعند اشتداد عوده قرر العمل في فتل حبال السفن لكن العاصفة والبحر غيبا كل السفن التي أوثقت إلى حباله في حال رسوها في ميناء ما حتى المرساوات لم “يصمدن” في تثبيت سفينة واحدة شدت إلى حبل من صنعه فطرد من عمله”،هنا، تبلغ السوداوية ذروتها. إننا لسنا أمام مجرد حظ عاثر في مجال ما بل في مجالات كثيرة، وبخاصة: مجال العمل. خياره الذي لجأ إليه، مأخوذاً بغواية الحبال التي طالما كانت امتحاناً لهزيمته المريرة!
 قفلة القصة، أو الأقصوصة الصادمة، وشبه المتوقعة، تقدم البطل و هو يقاد إلى حبل المشنقة، مايدعوه للتفكير بأنه حقاً ثمة حبل لما يجربه بعد. إنه الحبل الذي يضع خاتمة لحكايته الحبلية. لحكايته مع سلسلة الحبال التي غدت أداة لكتابة النهاية التراجيدية لحياته، وإن كان المتلقي سيسأل: ما الذي أدى به إلى هذا المصير المفجع بأن تلتف -الأنشوطة- حول رقبته!؟
حقيقة، إن قصة الحبال لبسام حروري شدت انتباهي ما جعلني أعنى بها، فهي من جهة مكتوبة بأقل ما يمكن من مفردات، كما إن هذا التكثيف لم يخل بها، بل خلصها من الكثيرمن العبارات والمفردات الفائضة، ولعل ناقداً يرى بأنه كان من الممكن تكثيف النص -أكثر- للتخلص مما يمكن عده زوائد واستطالات أيضاً
لقد استغرقت في الدلالات النصية -وإن على عجل لهذا النص- في إطار احتفائي، لا أكثر، إذ يمكن أن يتم الاستغراق النقدي أمام عالم هذا النص السوداوي أكثر، وتتبع ما فيه من رمز، بل رموز ودلالات وإسقاطها على واقع محدّد في ظل الحرب اللعينة التي تأكل الأخضر واليابس من حولنا، لنكون أمام صرخة عن مصير عام، بعيداً عن الموقف التشاؤمي من الأنثى: أماً وطفلات، في آن واحد، وهذا نتاج رؤية، أو مرحلة سنية ما، ولا أريد أن أقول ثقافة، ليقيني ومعرفتي بمدى المؤثرات التي يعاني منها جيل الشباب الذي تكسرت آماله، وبات يتدرج من إحباط إلى آخر، من دون أن يتبصر نافذة للتفاؤل!
· ملاحظة: القراءة هنا مجرد إضاءة فحسب
 
 
النص القصصي:
حبال
 
منذ انفصاله عن حبله السري وهو يمعن في البحث عن سر الحبال،
فقد رافقه الحبل منذ طفولته حيث كانت أمه تشد وثاقه بحبل غليظ في غرفة مظلمة لشدة شقاواته، ومن كوة في محبسه تنفتح على السماء أدمن التأمل في النجوم المطلة ببريقها، وبات الفتى يتساءل:
 هل هذه النجوم المدلاة كثريات معلقة على حبال مفتولة بعناية؟ أم أنها مجرد طيوف تتهادى وما تلبث أن تتلاشى عند مطلع الصبح؟
حتى حبال المطر – كما خيل إليه- التي كانت تمد معونتها إلى إلى الأرض العطشى ثم تتلاشى وتختفي، كانت قد استحوذت على شيء من تفكيره المربوط بالحبال
  وفي طفولته أيضا جرب لعبة شد الحبل الذي لطالما جرّه ورفاقه إلى مربع الخسارة، لم يستسلم. جرب القفز على الحبل مع رفيقات طفولته، لكنه في كل مرة كان  يتعثر ويسقط معفرا وجهه على تراب خساراته ما جعله مثار سخريتهن، وبسخرية طلبن منه ترك لعبة الأحابيل التي لايتقنها غيرهن، اتسعت رقعة خياراته تجاه الحبال فعند اشتداد عوده قرر العمل في فتل حبال السفن لكن العاصفة والبحر غيبا كل السفن التي أوثقت إلى حباله في حال رسوها في ميناء ما
حتى المرساوات لم يصمدن في تثبيت سفينة واحدة شدت إلى حبل من صنعه فطرد من عمله. لم يترك حبلا إلا وعلق عليه أملا، فقد علق آماله على كل حبال الرجاء ولم يفلح حتى حبال الغسيل جربها فطارت كل آماله وأمانيه ، فكر في الحبل الأخير الذي سيضع حدا لمأساته
وبينما هو يتدلى من أنشوطة حبل المشنقة تذكر أن ثمة حبلاً لم يجربه.
 
*
ملاحظة:
وصلني النص عبر “الواتس آب” من الكاتب نفسه!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماهين شيخاني

ولد الكاتب والصحفي والمناضل الكوردي موسى عنتر، المعروف بلقب “آبي موسى” (Apê Musa)، عام 1918 في قرية “ستليلي” الواقعة قرب الحدود السورية، والتابعة لمدينة نصيبين في شمال كوردستان. ترعرع يتيماً بعد أن فقد والده في صغره، فحمل في قلبه وجع الفقد مبكراً، تماماً كما حمل لاحقاً وجع أمّته.

بدأ دراسته في مدارس ماردين، ثم انتقل…

أسدل يوم أمس عن مسيرتي في مجلة “شرمولا” الأدبية الثقافية كمدير ورئيس للتحرير منذ تأسيسها في أيلول 2018، لتبدأ مسيرة جديدة وسط تغييرات وأحداث كبرى في كُردستان وسوريا وعموم منطقة الشرق الأوسط.

إن التغييرات الجارية تستدعي فتح آفاق جديدة في خوض غمار العمل الفكري والأدبي والإعلامي، وهي مهمة استثنائية وشاقة بكل الأحوال.

 

دلشاد مراد

قامشلو- سوريا

19 أيلول 2025م

الشيخ نابو

في زمن تتكاثر فيه المؤتمرات وترفع فيه الشعارات البراقة، بات لزاما علينا أن ندقق في النوايا قبل أن نصفق للنتائج.

ما جرى في مؤتمر هانوفر لا يمكن اعتباره حدثاً عابراً أو مجرد تجمع للنقاش، بل هو محاولة منظمة لإعادة صياغة الهوية الإيزيدية وفق أجندات حزبية وسياسية، تُخفي تحت عباءة “الحوار” مشاريع تحريف وتفكيك.

نحن لا نرفض…

نجاح هيفو

تاريخ المرأة الكوردية زاخر بالمآثر والمواقف المشرفة. فمنذ القدم، لم تكن المرأة الكوردية مجرّد تابع، بل كانت شريكة في بناء المجتمع، وحارسة للقيم، ومضرب مثل في الشجاعة والكرم. عُرفت بقدرتها على استقبال الضيوف بوجه مبتسم ويد كريمة، وبحضورها الفعّال في الحياة الاجتماعية والسياسية والثقافية. لقد جسّدت المرأة الكوردية معنى الحرية، فلم تتوانَ يومًا عن…