حوار مفتوح مع العاشق للحياة و الفن عنايت عطار (18)

أجرى الحوار: غريب ملا زلال 

 غريب: من المعروف أن الفن ليس ترفاً، الفن هوية و أبجدية، الفن نبض وروح، رؤية و رؤيا، كيف ينظر عنايت إلى الفن، كيف يفهمه ..؟
و ما رأيك بالحركة الفنية اليوم، السورية منها على نحو خاص، و الكردية على نحو أخص ..؟
كيف تنظر إلى الساحة التشكيلية، و مارأيك باللاعبين، أين المميزين منهم، لماذا لم يظهر على السطح بعد من يهز عرش هذا السطح بعد، الجميع يلعب كلاعبي إحتياط .
عنايت: الفن برايي كل هذه, هوية و أبجدية، و ترفاً للروح، و رؤية و رؤيا.. لنبدأ من هاتين الأخيرتين، فإن لم يتمتع الفنان برؤية ثاقبة بها يميز الهش من الثمين.. المتواضع من الجميل لما رأينا مانراه اليوم في المتاحف من ذلك الإرث العظيم, 
ثم إنه لو لم يمتلك ذلك الحلم وذلك الهاجس، و تلك الرؤيا لما استطاع أن يكسر مقاييس الفتنة والجمال في الأشياء والوجوه والقامات والطبيعة والزهر والماء والشجر، لا بل ما كان يستمر في خلق مالم يكن موجوداً، ولذلك رأينا في كل طور زمني نسف شامل للذي قبله من المقاييس والمفاهيم, بل لم نكن لنسمي الفنانين بالمبدعين أصلاً, إن الرؤيا هي وسيلة التبشير للقادم, وهي أشبه بتنبؤ الأنبياء, ولكن قد يلتفت الفنان إلى الوراء قليلاً، ربما ليزود بخبرات العطاء والتقنيات والأصول الأكاديمية حتى يسهل التجاوز، أما الأسماء والمبدعين في الشرق عموماً، و في سوريا تحديداً وحتى في الوسط التشكيلي الكردي ؟ فأنت الناقد والمحلل يا صديقي واسمح لي أن أترك لك هذا التقييم والذي يحتاج ربما الى حوارات وتفحص ومتابعة .
لنعد إلى الوراء في سؤالك قليلاً لطالما أجبتك من الأخير, و أقصد الحديث عن الهوية ؟ فأقول لك بكل بساطة يكفي أن يكون الفنان هو نفسه لأنه لا بد من إنتمائه أينما كان، و أينما وجد فأنا إبن بيئة كردية مسؤولة تماماً عن النتائج شئت ذلك أو أبيت, فالصدق هو الانتماء الأهم وهو الهوية إلا إذا أراد أحدنا أن يبدل جلده، واسمح لي هنا أن اذكرك بديوان رامبو الوحيد – الجحيم – إذ شعر وهو راحل إلى الحبشة كموظف لدى شركة فرنسية أنه خسر عفويته وعبثيته كما خسر بقايا طفولته ونوازعها، بل خسر حتى جرأته في رفض مايجري حوله في المجتمع الفرنسي الذي كان قد بدأ يقترب من العلاقات المادية الباردة، إن الفنان شاعراً كان أو تشكيلياً أو حتى موسيقيا إن خسر الحلم والرؤية الحرة ونوازع الطفولة لاجئاً إلى مقاييس العقل وصرامتها وأحكامها خير له ان يتوقف كما توقف رامبو أو سيبقى أكاديمياً خارج الرؤية والرؤيا المتفردة والخاصة به، فإن الخصوصية هذه هي الهوية و هي الأبجدية يا صديقي، وهو الإلتزام بالمعنى الشامل لكون الفنان أينما كان له لون جلده وبيئته وخليته الإجتنماعية، و ذاكرته الجمعية منذ نشأته الأولى، وهنا أقول لمتابعي أنا شخصياً ألاحظ أن أعمالي تنتمي لبيئة كردية فلا أظن بأني أقسو على نفسي، أو أتصنع في إنتظار الثناء من أحد لأنني هكذا جبلت، و هكذا جبلنا من طينة واحدة، وكالبوصلة التي تحدد الجهات فإن بوصلتي تفتح الأفق إلى ربوع طفولتي
ومنشئي وبيتي الأول، وييئتي
الأولى .
غريب: الواقع المر، الظروف القاسية، السلطة القاهرة للحريات، القمع…. إلخ تحديات كلها تعترض طريق الفنان، عنايت عطار.. ما هي أهم التحديات الذي واجهته، هل من مواقف تذكر .
عنايت: والله سأكون صريحاً معك، و أقول لم يكن الفن يوماً ما شعبوياً، ولا حسماً نهائياً مباشراً في معضلات الحروب والخراب، ولكنه منذ إنسان الكهوف كان ومايزال يشكل رافداً للمعنى الأعمق للحرية، فلو تأملنا الأعمال الكنسية منذ ظهور السيد المسيح لوجدناها في تطور مستمر بالرغم من ثبات الفكرة الكهنوتية بالتالي نستنتج أن الفن برمته يصب في الخير والجمال والتطور الإنساني مقابل الشر أينما وجد، الفرق في أنماط النضال البشري، و إبداعاته المختلفة هو أن لكل حسب موقعه، فهل نستطيع إنكار قيمة الهندسة المعمارية من خروج الإنسان من كهفه المظلم .. أو مصمم الأزياء مقابل ورقة التوت ..
الأمر الذي أريد تأكيده هنا هو أن الكثيرين ينظرون إلى الفن الملتزم وكأنه مصنع للسلاح، أو سيف على رقاب الظالمين فيما هو في الحقيقة إشعال للحماس في الضمائر كي يندفع الذي يحمل سيف العدالة
وأنا شخصيا ومنذ عقدين أحاول أن أقول للناس بأننا نحن الكورد جزء من المجتمع الإنساني ولنا هويتنا وجغرافيتنا وأنماطنا في المأكل والمشرب والهيئة وذلك ضمن أسلوب جمالي يشد المتلقي الغريب إلى التعاطف والتضامن، وأقول للعدو المفترض أنا على أرض صلبة لاتستطيع إزاحتي، إن تأكيد الأصالة هنا في الإبداع هو السلاح، و هو الرسالة الأسمى، و إلا وقعنا في خلط الوظائف الملقاة على عاتق الأفراد والهيئات والجمعيات الكردية، و أختصر في النهاية بقولي إن المعلم الذي يعرف كيف يوجه الناشئة ويقوم بالتربية الصالحة هو مناضل دون أدنى شك ..
يتبع

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شعر: محسن قوجان

الترجمة من اللغة الكوردية: محسن عبدالرحمن

 

في مواعِدِك،

مابينَ المَنارةِ و القِبَب

ثعلبٌ

أكلَ هويتي

هذا الموعدُ

أغنيةٌ غير مكتملة،

في حلق الطفولةِ متعثرة.

لم تبقَ قوةٌ

في أضلاع الصخور لتخرجَ

وتركُضَ تحتَ الحالوبِ،

خلفَ هويتي

على فضلاتِ الرغباتِ الهشًة.

يرعى التيسُ البريٌ

ذات موعدٍ قلتِ لي: لاتتغافل

ليس لجبل كارة(1) الوقت لأن يناقش وادي سبنة(2)،

أو أن يهرب من هجوم الحالوب.

لذلك سبنة دائماَ زعلان،

ونحو البحر يتجه.

في فترة مبكرة،…

ألمانيا- إيسن – في حدث أدبي يثري المكتبة الكردية، صدرت حديثاً رواية “Piştî Çi? (بعد.. ماذا؟)” للكاتب الكردي عباس عباس، أحد أصحاب الأقلام في مجال الأدب الكردي منذ السبعينيات. الرواية صدرت في قامشلي وهي مكتوبة باللغة الكردية الأم، تقع في 200 صفحة من القطع المتوسط، وبطباعة أنيقة وغلاف جميل وسميك، وقدّم لها الناقد برزو محمود بمقدمة…

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…