الغزوة الخائبة 3

د آلان كيكاني
الجزء الثالث:
لا أدري لماذا يلزم هذا الغبي، شبلي، نفسه على الاعتقاد بأنني قضيت طفولتي في دور الحضانة ورياض الأطفال ومدن الملاهي، وعشت صباي أرتاد المدارس النموذجية والنوادي الترفيهية، وأمضيت شبابي غارقاً في حياة مخملية، رغم أنني بينت له أكثر من مرة، أنني ابن الريف، وأنحدر من قرية صغيرة نائية؟! ولو أنه عرف كم جرواً قتلت في طفولتي، وكم كلباً وكلبة هشمت أضلاعها، وكسرت قوائمها، وفقأت عيونها، وقطعت أذنابها، وصلمت آذانها، وأنا أحاول فصلها عن بعضها، غداة إقامتها لحفلاتها الإباحية في الهواء الطلق على مرآى ومسمع مني، لاختصر قصته، ولكفَّ عن سرد تفاصيل أعرفها أكثر منه. لكن رغم هذا تركته يكمل شرحه، لأحثه على المزيد من الاعتراف. وبعد أن استفاض في شرحه، أضاف قائلاً:
“ولا أخفي عليك أنني أنا الذي خلصته منها، يا دكتور، وليتني لم أفعل، لكنا تخلصنا من هذا الداعر الأزعر إلى الأبد…”
وانتظر شبلي حتى هدأت نوبة الضحك، ثم تابع: 
“أقسم بالله يا دكتور، لقد كانت فكرة قتل الكلبة هي فكرتي، وأنا الذي خلصته منها، وإلا كانت ستظل معلقةً به حتى الصباح، لتفضحه بين الناس شر فضيحة، وربما كانت سبباً لموته، أو موت قضيبه، وانتهاء رجولته…”
“وكيف قتلتم الكلبة؟”. قاطعته.
“كانت المسكينة تتأوه، هي الأخرى، من شدة الألم، وتصدر أصواتاً مبهمة كما لو كانت مريضاً آدمياً يئن من وطأة الحمّى، أو يتلوى من شدة المغص. ولهذا كانت تبدي الكثير من العصبية والعدوانية تجاه كل من يقترب منها. فما كان منا، والحال هذه، إلا أن قيّدنا قوائمها الأربع، حتى لا تخرمش عريسها، ثم عمدنا، بعد ذلك، إلى وضع رأسها في كيس، كي لا تعضه، ونحن نجهز عليها. وبعدها انهالينا عليها بالحجارة، والعصي، والدهس بالأقدام. كان مشهداً مأساوياً بالفعل، وتصرفاً منا في غاية الشناعة والوحشية… ولا زلت حتى الآن أشعر بالندم على ما اقترفته يداي في ذلك الفجر… ليتني حينها قتلت جلالاً بدلاً منها… وفي النهاية عندما لاحظنا أن لها سبع أرواح مثل القطط، وأن موتها لا يمكن أن يتم بالطريقة التي اتبعناها، لجأنا إلى خنقها بحبل كما يشنق الرجال، وبقينا نشد الحبل إلى أن لفظت أنفاسها الأخيرة، وارتخت، وانفصل صاحبنا عنها، وتنفس الصعداء…”
“يا لها من قصة حب مؤثرة! لقد أبت أن تنفصل عنه إلا بعد موتها… ليكن العشق هكذا أو لا يكون… إنها أجمل قصة حب سمعتها في حياتي، بل هي أجمل من قصة قيس وليلى… أين الشعراء؟ … أين المقدم إبراهيم شهاب ليكتب ملحمة شعرية يخلد فيها ذكرى جلال و … و … بالمناسبة ماذا كان يسميها؟ “. علق زكريا، مقاطعاً شبلي.
“سوسو، هكذا كان يناديها… المهم أنه بعد تحرره منها، نفر البول من قضيبه من تلقاء نفسه، ثم هرع إلى العراء. وقد قال لاحقاً أن الشعور الملح بالحاجة إلى التبول هو ما كان يسيطر عليه، وهو أكثر ما كان يؤلمه ويزعجه، لأنه على ما يبدو ظلّ معلقاً بها لأكثر من خمس ساعات، وطوال هذه الفترة لم يكن قادراً على التبول ولو في رحمها… تصوّر يا دكتور، كل هذا ونحن ساكتون عنه، ولم نفضح أمره. أما أن يتهمني بما لم أقدم عليه، فهذه نذالة منه ما بعدها نذالة”.
“إذن أنت تصر على أنك بريء، ولم تقدم على ارتكاب أي خطأ أخلاقي بحق الحيوان، أليس كذلك، يا شبلي؟”
“وأقسم لك على ذلك.”
“لا أنت ولا غيرك.”
“لا أنا ولا غيري.”
“وماذا عن جلال؟”
“والله لمَ الكذب؟ حتى جلال لم يفعل شيئاً.”
“إذن، ما الذي دفعكم إلى التوجه إلى هناك وأنتم محملين بالهدايا؟”
“سأكون صريحاً معك إلى أبعد الحدود، يا دكتور.” رد شبلي ضاحكاً. “صحيح اننا قصدناه بنية سيئة، وقدَّمنا له بعض الخضروات من المطبخ لجره إلى قعر الحفرة والتناوب عليه، حيث لا يرانا أحد، لكننا عندما اكتشفنا أنه ذكرٌ عدنا أدراجنا. وهذه كل القصة.”
“وما هو سبب عرجك، إذن؟”
“في الحقيقة عندما اكتشفنا أمره، وكدنا نبكي حسرةً على خسارتنا الفادحة، حاولنا، على الأقل، إنقاذ بعض الخسّ من بين حوافره، ولكنه من شدة جوعه أبى ترك وليمته. وكان يدير لنا مؤخرته، ويوجه بوقي أذنيه إلينا، ويستعد للرفس كلما اقتربنا منه. وعند اللحظة التي كنت فيها على مرمى حوافره، رفسني هنا.” وأشار إلى ساقه اليمنى…”ثم ضرط ضرطة كبيرة، ونثر روثه في جميع الأنحاء، وأمطر به الخسَّ وغير الخسّ، وهرب خارج الحفرة وهو يقفز قفزات المرح… وكأنَّ به أمّن على طعامه ليعود إليه فيما بعد… وحين فاحت رائحة الزبل الكريهة، كنت على وشك أن أتقيأ”. ووضع يده على فمه كمن به غثيان. “تفو… ما كان أقذره من حمار!”
“بل قل ما كان أذكاه من حمار! والحق أنه كان أذكى منكم جميعاً: لقد نصبتم له فخاً… وهو بدوره نصب لكم فخاً… وقد فاز هو عليكم، وأوقعكم في فخه. والحياة ربح وخسارة، يا شبلي. وما من داع للتأسف…”
قاطعني زكريا وقال ضاحكاً:
“ثم لماذا تبصق على المسكين، وهو الذي صنع لكم ألذّ سَلَطَة، ورشَّ عليها من بهاراته الخاصة، وعطّرها بعطوره النادرة؟ أهذا هو جزاء الإحسان، يا ناكر الجميل، وقليل الوفاء؟” 
“أرجوك يا زكريا، كفَّ عن المزاح، ولا تجعلني أتقيأ. أشعر أن معدتي على وشك أن تخرج من فمي.”. قال شبلي بينما كان يشمر عن ساقه اليمنى، ليرينا دمغة حافر الحمار عليها. ومن حسن حظه أنْ كان الحمار شارداً، وليس في حوافره سنابك ومسامير، وإلا لكانت الإصابة بليغة.
“الآن صدقتك فيما يتعلق برحلتكم الغرامية يا شبلي.” قلتُ. “ولكني حقيقة لا أستطيع تصور قصة جلال مع الكلبة. رغم يقيني أنك جادٌّ فيما تقول.”
“أرجوك يا دكتور، تعال معي لأريك شيئاً آخر من أفعاله تقشعر له الأبدان. شيئاً لا يخطر على بال بشر، وحتى الشياطين نفسها لا تهتدي إليه بسهولة”.
سار شبلي بحماسة باتجاه باب المطبخ وتبعناه في رتل أحادي. أعرفه جيداً، يعزّ عليه أن يراني أشك بروايته، وهو الذي عهدته صادقاً منذ أن عرفته قبل ستة أشهر، وحاز على ثقتي في كثير من المواقف. وهو يصر الآن على تقديم الدليل على ما قاله، لا كرهاً بجلال وحباً في إلحاق الأذى به، ولا رغبة في فضحه والإساءة إلى سمعته، بل برهاناً على صدق كلامه. وفي الداخل وقف أمام حائط وأشار إلى ثغر متسخ فيه وقال: 
“انظر إلى هذا الفتحة يا دكتور، لقد حفرها جلال بالمثقب، وظل يوسعها ويعمقها حتى باتت تلائم أغراضه الشيطانية وميوله الدنيئة. ومتى ما طغت عليه غريزته الحيوانية، ملأها باللحم ونكحها. وإذا كنت لا تصدقني، ها هو بشير اسأله عنه.”
كانت التفاتة واحدة مني إلى بشير كافية ليكمل ما بدأ به شبلي:
“أقسم لك يا دكتور، يختار قطعة من فخذ العجل ويدكها في الفتحة، ثم يطعنها عميقاً بالسكين ليصنع منها ما يشبه فرج امرأة، ثم يأتيه.”
“على مرآى منكم؟!”
“أتحسبه سيخجل منا؟” أجاب شبلي.
“يا له من خلاعي!”
“حتى الضرطة يطلقها في حضورنا، دون أدنى شعور بالخجل”. قال زهير.
سيطر الذهول علينا، أنا وزكريا، ووقفنا صامتين لا نعرف ماذا نقول. صحيح أن زكريا كان يحدثني عن طيشه ومجونه في بعض الأحيان، لكنه لم يكن يعرف كل هذه التفاصيل عنه. لهذا كانت دهشته لا تقل عن دهشتي وهو يستمع، فاغر الفاه، إلى حديث شبلي، ويكاد مثلي لا يصدقه. وأتذكر أنه قال لي مرة أن جلالاً كلما حصل على إجازة وسافر إلى قريته، باع نعجة من قطيع أبيه، سراً، واحتفظ لنفسه بالمال. وفي طريق عودته، مرُّ بدمشق، وبات فيها ليلةً، لا لشيء سوى لقضاء ساعة مع عاهرة. لكن هذه القصة لا تبدو ذات أهمية، وليس فيها من الغرابة والشذوذ إذا ما قارناها مع ما رواه شبلي على مسامعنا للتو. ويمكن اعتبارها ضرباً من ضروب طيش الشباب ومجونهم وتهورهم، لا أكثر. 
وبعد دقيقة صمت بادر المجند محمد سعيد بالحديث وقال:
“وبعد أن يفعل فعلته، يعيد اللحمة التي نكحها، ثم يغسلها ويشويها ويأكلها إذا كان جائعاً!”
“كل هذا وأنتم ساكتون عنه!”. قلتُ.
“وماذا في وسعنا أن نفعل يا دكتور؟” أجاب محمد سعيد. ” أنت تعلم أن علاقته طيبة مع رئيسنا المباشر، النقيب أحمد، ومع قائد الوحدة، وضابط الأمن، وضابط التوجيه السياسي، ومع كل المتنفذين في هذا المطار. لهذا لا نتجرأ على الاصطدام معه، وإلا دفعنا الثمن باهظاً… دائماً نكتفي بالقول: ما لنا وله، فما هي إلا سنة ويذهب كل واحد منا في حال سبيله. وقد لا يرى أحدنا الآخر في حياته كلها.”
وبالفعل كان زكريا قد ذكر لي في أكثر من مناسبة أن النقيب أحمد، بين الحين والحين، يمر بالمطبخ بدراجته النارية تحت جنح الظلام، ويستلم من المجند جلال حقيبة كبيرة يشدها على ظهر الدراجة، ويغادر. ونقل لي الممرض عن عناصر المطبخ أن الحقيبة التي يستلمها النقيب، تحوي من المواد التموينية والغذائية، كمعلبات التونا، والسردين، والزبدة، والسمن، والزيت، والزيتون، والسكر، والشاي، والمربيات، واللحوم، والفول، والفاصوليا، وسوائل الجلي، ما تكفي لأسرة كاملة لمدة شهر كامل. وأن النقيب كثيراً ما يوحي إلى جلال أنه يتقاسمها مع العقيد قائد الوحدة، ومع المقدم ضابط التوجيه السياسي. وعلى هذا اكتسب جلال حصانة ضد أية تهمة يمكن أن توجه إليه في المطار. وحتى وشايات المجند رامي به لدى قيادة السرب وضابط الأمن لم تكن لتؤثر فيه. بل إن جلالاً، ولكي يستكمل لهوه الطائش، كان يتعمد في بعض الأحيان استفزاز رامي وإثارته، ليحمله على الوشاية به، ثم ليتشفى منه فيما بعد عندما يتبين أن وشايته ذهبت أدراج الرياح. وبعد حين اضطر رامي إلى السكوت عن ممارساته، والخضوع لإرادته، والعمل وفق تعليماته، عندما أدرك أن قذائفه السامة التي يتسلح بها مزيفة لا تقتل ولا تجرح.
عدت إلى المستوصف منهكاً ومثقلاً بالأفكار، حتى أنني نسيت الجوع الذي كنت أتضور من شدته قبيل إقدامي على اعتراض سبيل عناصر المطبخ العائدين من نزهتهم الرومانسية الفاشلة، وألقيت بنفسي على سريري محاولاً نيل قسط من القيلولة. إلا أن قصص جلال الغريبة ومغامراته المدهشة أبت أن تفارق ذهني، وظلت تداعب خيالي، وتدغدغه، وتحفر فيه، حتى أعادت بذاكرتي خمس سنوات إلى الوراء، وقادت كياني إلى محاضرات الأستاذ الدكتور واهيه سيسيريان الشيقة في مادة الطب النفسي… وإلى القصص التي كان يرويها لنا هذا الطبيب عن ميول النفس الغريبة ونوازعها الشاذة ورغباتها العجيبة… وإلى موضوع الشذوذ الجنسي… وإلى بند البهيمية أو الزوفيليا، والحكايات الغريبة المتعلقة بها… وإلى أولائك الشواذ الذين لا يجدون المتعة الجنسية إلا بمجامعة الحيوانات، فيديرون ظهورهم إلى بني جنسهم من البشر في مخالفة واضحة للطبيعة، ويبحثون عن كلبة، أو قطة، أو أتان، أو فرس، أو نعجة، أو معزاة، او حتى عن دجاجة، ليطفئوا بها جذوة غريزتهم الجنسية… وإلى أولئك المثليين ذوي الحس الجنسي المقلوب الذين لا يميلون إلّا إلى من يماثلهم جنساً، فيشتهي الذكرُ الذكر ويلوط به، وتشتهي الأنثى الأنثى وتساحقها، دون أن يجدوا غضاضة في ذلك ولا عيب، لأنهم يعتبرون سلوكهم الجنسي هذا تعبيراً عن سجيتهم التي خلقوا عليها، وترجمة لميولهم النفسية التي لا سلطان لهم عليها، فلماذا الحياء إذن؟ … وإلى أولئك الوحوش البشرية الذين لا يستطيبون في حياتهم الجنسية إلا اغتصابَ الأطفال، أو حتى قتلهم وتقطيعهم ورميهم في حاويات القمامة، فإذا استفردوا في أرض مهجورة، أو زاوية عاتمة، بطفل صغير مع أمه الحسناء المثيرة، انصرفوا عن الأم إلى ابنها واختطفوه، ثم اغتصبوه بكل وحشية… وإلى أولائك الناس الذين لا يتلذذون في حياتهم الجنسية إلّا بالتلصص على أشخاص يخلعون ثيابهم أو يمارسون الجنس أو العادة السرية في مكان مغلق، إلى درجة أن منهم من هو على استعداد لفسح المجال لزوجته لتستقبل عشيقها في بيته، على أن تسمح له هي بالاختباء في ركن من أركان البيت، ومراقبة العشيق وهو يضاجعها… وإلى الذكور التائهين في حياتهم الجنسية الذين يتركون أبدأن نسائهم الجميلة وما فيها من ثغور، وشفاه، وأثداء، وآباط، وأيد، وأصابع، وخواصر، وسرر، وأعجاز، وأرداف، ومآبض، وأفخاذ، وعانات، وفروج، ويتعلقون ببناطيلهن، أو بتنانيرهن، أو بأحذيتهن، أو بجواربهن، أو بملابسهن الداخلية، أو بفوطهن، أو بحقائبهن، أو بمحافظ نقودهن، أو بنظاراتهم، فيأتون هذه الأشياء، ويضاجعونها بوسيلة أو بأخرى، تاركين نساءهم في أتون الحرمان، حتى تضطر نسبة منهن إلى طلب الطلاق منهم، أو رفع دعاو قضائية عليهم، طالبات بحقوقهن الجنسية، فيميل القضاة، في الغالب، إلى جهاتهن، ويقرّون بعدالة قضاياهن… وإلى أولائك الأشخاص الشاذين الذين يعمدون، في سبيل إشباع رغباتهم الجنسية، إلى التعري أما الآخرين، وعرض أعضائهم الجنسية عليهم، بصورة مفاجئة وغير متوقعة، بغية إغرائهم، وإثارة الشهوة الجنسية فيهم، ودعوتهم إلى الممارسة معهم… وتذكرت، وأنا أتقلب على سريري، وقد انتابني صداع شديد، وهيمن عليّ أرق وخيم، حتى بتُّ أبعد ما أكون عن الولوج إلى عالم النوم، وكأن أفاعيَ وعقاربَ وعناكبَ تشاركني فراشي، وتبث الرعب والقلق في قلبي، أقول تذكرت بحث الهيام بجثث الموتى في مادة الطب النفسي في السنة الخامسة من كلية الطب، والخفافيش البشرية الدائرة على القبور ليلاً أملاً في قضاء وطرٍ من جثة هامدة لا حس فيها ولا حركة… وتذكرت قصة ذلك الحارس المولع بالأجساد الميتة التي يحرسها في ثلاجات الموتى في المستشفى الذي يعمل فيها، فيأتيها كلما ثارت غريزته الجنسية دون رادع أخلاقي، أو وازع ديني، أو حتى شعور بالذنب، ويتفنن في ممارسة الجنس معها… ومرّ على خاطري موضوع زنى المحارم، الذي يقْدِم فيه ضعاف النفوس من الإناث والذكور على ممارسة الفاحشة مع أمهاتهم أو خالاتهم أو عماتهم أو أخواتهم أو حتى مع أبنائهم وبناتهم، في انتهاك صارخ، وخرق فاضح، لكل عرف ودين. وحضرتني قصة ذلك الأب الأربعيني الذي حبس بناته الثلاث المراهقات في البيت بعد طلاق أمهن، وهددهن بالقتل إن هن حاولن الهروب بطريقة أو أخرى، أو حاولن التواصل مع العالم الخارجي بأية وسيلة، ومن ثم ظل يمارس الجنس معهن بوحشية لثلاث سنوات متتالية، حتى حملن منه وانتفخت بطونهن، ولم يُكشف أمرهمن حتى ألقت إحداهن بنفسها، ذات ليلة، من نافذة غرفتها في الطابق السادس إلى منور العمارة، وعلى صوت ارتطام بدنها بالأرض استيقظ الجيران واتصلوا بالشرطة. وقيل بل أن إحداهن تمخضت، وعلى صرخاتها القوية الناجمة عن آلام المغص، تنبه الجيران إلى الأمر واتصلوا بالشرطة… وهكذا، ومثل شريط سينمائي مرت كل أبحاث مقرر الطب النفسي في خاطري، وخاصة تلك المتعلقة بالانحراف الجنسي. غير أن حشي ثقب في الحائط باللحم، ثم إتيانه، لم يسبق لي أن سمعت به، أو قرأت عنه، أو رأيته في الأفلام الإباحية القليلة التي شاهدتها في مقتبل شبابي، إلا هذا اليوم… ولا أظن أن أحداً فكر به أو مارسه قبل جلال… ولهذا تعود براءة اختراع الفكرة الشيطانية هذه إلى مجندنا العتيد، وينبغي أن يطلق عليها اسم (الجلالية)، أو (الجلاليزم) كما تقتضي القاعدة اللاتينية في اشتقاق المصطلحات. هذا ما اقترحته بيني وبين نفسي وضحكت. ثم فكرت، ماذا لو اطّلع ممثلو الأفلام الإباحية ومخرجوها على فكرة جلال الجديدة هذه؟ لا بدَّ انهم سيفكرون بتطبيقها في أعمالهم القادمة عندما يقدمون على إنتاج أفلام خلاعية تتعلق بجماعة من الجنود في أرض نائية لا نساء فيها، مثل وحدتنا العسكرية هذه، أو تتعلق بمجتمعات يغلب عليها طابع الكبت الجنسي مثل مجتمعنا… صدق من قال أنّ الجيش مدرسة يتعلم فيه المرء الكثير. فكل مكان تتعلم فيه أشياء جديدة هو مدرسة، بلا شك، ولا يهم إن كانت هذه الأشياء جيدة ومفيدة، أو سيئة وضارة… وأبعد من هذا، صدق، أيضاً، من قال أنَّ الاختراعات الكبرى في حياة الإنسان كانت من نصيب الجيوش ومختبراتها وبحوثها.
قطع التلفون سيل أفكاري، ورنّ رنَّته الخاصة بقيادة السرب، تلك المتواصلة التي تزداد حدة واستفزازاً وإزعاجاً حتى يتم الرد عليها. عرفت مَن هو الهاتف قبل أن ألتقط السماعة وأسمع صوته. إذ مَنْ سيكون غير الضابط المناوب في قيادة السرب في هذه الليلة، العقيد الطيار سليم كرم، ذي القامة القصيرة، والرأس الكبير، والذوائب البيضاء، والبشرة السمراء الداكنة، والعيون البنية الجاحظة، والكرش المترهلة مثل كرش ضفدعة مثقلة بالبيوض، والسلوك المزاجي الذي لا يمكن لأقرب الناس إليه التنبؤ به. سيطلب مني، بلا شك، الحضور إلى مجلسه للسهر معه هذا المساء حتى وقت متأخر من الليل، وفي جيبي علبة من دواء فلوكسيتين المضاد للاكتئاب لاستخدامه الشخصي، وعلبتين من عقار زانتاك، غالي الثمن، ليستبدلهما فيما بعد في صيدلية القرية بمعاجين الأسنان، وأعواد تنظيف الآذان، وأمواس الحلاقة، وبلاسم الآلام، دون أن ينسى كريم (فيري أند لف) لزوجته… هذا ما دأب الرجل على فعله منذ أن وطأت قدماي أرض المطار قبل أكثر من ستة أشهر. وسيجلب لي الصداع بأسئلته الغبية عن داء الفقار، وآلام الركب، ومرض السكر، واعتلال عضلة القلب، وارتفاع ضغط الدم الشرياني، وفرط كولسترول الدم، وعن كل الأمراض المزمنة التي تعاني منها أمه منذ عشرات السنين… وسيمطرني، أيضاً، بسيل من استفساراته التي لا تنتهي عن البرود الجنسي، وضعف الانتصاب، وكيفية التعامل معهما، والأطعمة المفيدة فيهما، وعن القذف الحاصل قبل تمام الانتصاب، وطريقة التحكم به، وإمكانية علاجه بالمراهم… وسيتأمل في حقيبتي، وأنا أدخل عليه، ليتأكد من أنها لا تخلو من قناني عرق الريان الذي يحبه كثيراً، ويشربه صرفاً، دون تمديد، بينما أشربه أنا، مراعاةً له، بعد مزجه بأربعة أمثاله من الماء. ومع ذلك لا ينال منه السكر إلا نادراً. فإذا أفرط في الشراب، قصد سريره، ونام وهو على أتم وعيه. وفي ساعات نشوته كثيراً ما كان يدفعه الحماس إلى الاستزادة في الشرب، ومن ثم حثي على الاقتداء به رافعاً كأسه في الهواء ليطرقه بكأسي، فما يكون مني في مثل هذه الساعات إلا أن أفرغ جزءاً من كأسي في كأسه على غفلة منه، كأن يستدير إلى الخلف، مثلاً، باحثاً عن علبة سجائره أو قداحته في جيب سترته المعلقة وراءه. وهكذا كنت أخدعه وأتخلص منه، مسترشداً بنصيحة المقدم يوسف سلمى: “في الجيش يجب أن تلعب، لأنك إن لم تلعب، فسيلعبون بك.” وكذلك: “كما أن للجيش أنظمة وقوانين خاصة تختلف عن الأنظمة والقوانين المدنية، فله أيضاً قواعد سلوكية وأخلاقية خاصة، تختلف عن تلك التي للمدنيين. فالمثقفُ في الجيش هو حمارٌ، والمؤدب هو غبيٌ، والرحيم هو جبانٌ، والمحتشمُ هو مخنثٌ، والصادقُ هو بسيطٌ، والكريم هو مهبولٌ، والخبيثُ هو ذكيٌ، والشديد الغليظُ هو شجاع. وفي الجيش طوبى لمن تدبر اموره بأية وسيلة كانت…”
هذا ما تنبأت به قبل الرد على التلفون، وهذا ما كان. إذ بعد السلام. قال لي العقيد سليم كرم على الهاتف بهدوء: أنتظرك. وأغلق السماعة دون وداع، مختصراً مكالمته في كلمتين فقط. وكأن به يقول لي: لا داعي لكثرة الكلام، فاللبيب من الإشارة يفهم… وعليّ أن أفهم أن كلمة أنتظرك لا يعني بها أنه ينتظرني، فحسب، بل وينتظر أيضاً ما في جيبي من دواء، وما في حقيبتي من خمر ومكسرات. وعدم النطق بلفظة الوداع يعني أنه لا يقبل الأعذار مني فيما لو قررت الاعتذار عن الحضور. فهو سيراني حكماً بعد ساعة، فلمَ الوداع، إذن؟
أعددت حقيبتي، وأحكمتها على ظهر دراجة زكريا المهترئة، وقصدته دون رغبة مني، إذ كنت أستحي منه، وأجد صعوبة في رفض دعوته لي، لا بسبب فرق الرتبة بيني وبينه، وإنما لإحساسي العميق أن الرجل يحترمني بصدق، ويدافع عني أمام من ينتقدني بغير وجه حق في غيابي. وعلى العموم فإنه، ورغم طبعه المزاجي، لم يكن بالرجل السيء أبداً، بل كان وفياً، وعلى استعداد دائم لأن يقدم لك مئة خدمة مقابل خدمة واحدة تقدمها له. ناهيك عن أنه كان دمثاً، لا يمل المرء من مجالسته، وقرة عينه الحديث عن النساء والجنس. 
وكانت شمس الأصيل قد مالت باتجاه الغروب حين رست دراجتي أمام قيادة السرب. وهناك وفي المكتب الخاص بالضباط المناوبين قابلته، وحييته تحية عسكرية، وأنا ألهث من شدة التعب، بعد أن قدت دراجتي مسافة ستة كيلومترات، في طريق صخري، اخترته اختصاراً للمسافة، وتوفيراً للوقت. ثم صافحته، وجلست قبالته، وفرشت محتويات حقيبتي أمامه على الطاولة الفاصلة بيني وبينه، فانشرح صدره وضحك حتى بانت الفراغات التي تركتها نواجذه المقلوعة في فكه العلوي، وأخذ الأدوية ووضعها في حقيبته، بينما ترك قنينة العرق على الطاولة بعد أن تفحصها، وتأكد من تاريخ انتهاء صلاحيتها المطبوع في أسفلها. ثم صفق بيديه صفقتين عنيفتين دخل على أثرهما خادم متسخ الثياب، لم ينبت له شارب بعد، وحيانا التحية العسكرية، ثم استدار وانصرف، دون أن ينبس بكلمة، أو يتلقى أمراً من أحد. فهو يعرف جيداً ماذا تعني الصفقتان، ويعرف ما عليه فعله عندما يسمعهما. وسرعان ما جاءنا بكأسين فارغتين، وقارورة ماء، وسطلاً صغيراً مليئاً بقطع صغيرة من الثلج. ثم غادر ليأتينا بعد نحو عشر دقائق بالخبز المحمص، وطبق الزيتون، وعلب السردين والتونا. ثم وبعد ذلك أحضر لنا صينية عليها حبتا موز، وعنقوداً من العنب الأحمر. وصرنا نشرب عَلَلَاً على أنغام المطرب الشعبي المعروف محمد عزيز وعتاباته الشجية، ثم نخوض في الحديث عن النساء والجنس ونضحك. وعند اللحظة التي انتهى فيها كل منا من كأسه الأول، وبدأ بالثاني، وأخذت النشوة تتغلغل في نفسه، وتنعش روحه، أمر العقيد الخادم أن يحضّر لنا طبقاً من السَلَطَةً، ويغنيها بالخس، والبصل، والبقدونس، ويكثر من زيت الزيتون، وملح الليمون، عليها. ولكن الخادم رد عليه أنْ لا بصلَ، ولا خسَّ، ولا بقدونس، في المطبخ، فانتفض العقيد، وغضب أشد الغضب، وراح يرعد، ويزبد، ويلعن، ويحرك يديه في الفراغ بعصبية، ويمص عقب سيكارته بعنف، ويطلق الدخان من بين شفتيه الكبيرتين، كما لو كان فمه مدخنة مدفئة تعمل بالحطب. هكذا كان طبع العقيد سليم كرم: أكثر ما يزعجه هو أن يعكر أحدٌ مزاجه وهو يشرب، كأن ينقل له خبراً غير سارّ، أو يصدر صوتاً قوياً ومفاجئاً، وحتى رنة التلفون كانت تستفزه في بعض الأحيان، وتجعله يخرج عن طوره، ويبدأ بالشتائم واللعنات… وإذا ما أردنا الإيجاز، فإنَّ الرجل كان يحب أن ينتشي بالخمرة أقصى ما يكون الانتشاء، عندما يقارع الكأس، ويصرّ على إبعاد كل فكرة عن رأسه سوى اللهو والمرح. “أليس من نهاية لقصة الخس والبصل والبقدونس هذا اليوم؟”. سألت نفسي. “منذ الظهر وأنا مشغول بها… وأي انشغال! … لعن الله جلالاً هذا، إنه بالفعل آفة من الآفات. ها قد وصلت آثار طيشه إلى هنا، واللعنات التي يكيلها العقيد للخادم الآن، هي من هذه الآثار. ما ذنب هذا المسكين؟”.
“اتصلت بعناصر المطبخ الرئيسي اليوم بعد الظهر، فقالوا أنَّهم منذ اسبوع لم يستلموا من المركز شيئاً من الخضار، لا خسة، ولا بصلة، ولا باقة بقدونس” قال الخادم بصوت ضعيف مدافعاً عن نفسه أما العقيد. 
“ولماذا لم تقل لنا هذا الكلام من قبل، أيها العسكري؟ لكنا تدبرنا أمرنا، أنا والدكتور. هيا اغرب عن وجهي.” 
وانصرف العسكري مطأطأ الرأس… ولما كانت الخمرة تعبّد الحلوق ليمرّ عليها الكلام بيسر وانسيابية، وتذلل العقبات في طريق الأسرار لتخرج من القلوب بحرية، رأيتني أضحك تحت تأثير الرغبة الجامحة في إطلاق سراح الكلمات المكبوتة في أعماقي، وأستعد لسرد الحكاية الطريفة التي كنت شاهداً عليها ظهيرة هذا اليوم. صحيح أنني كنت، حتى قبل قليل، أصرّ، بيني وبين نفسي، على ألّا أفشي أسرار جلال وأصحابه لأحد خوفاً عليهم من مكروه قد يصيبهم بسببي، لكن أمام إصرار بسيط من العقيد لمعرفة سبب ضحكي، وجدتني أبوح له بالغزوة الخائبة التي قام بها عناصر المطبخ قبل ساعات، دون التطرق إلى مغامرات جلال الشيطانية، وأفعاله الدنيئة، التي حدثني عنها المجند شبلي. مبيناً له كيف أنهم استدرجوا البهيمة إلى الحفرة، بإغوائها بالخس والبصل والسبانخ والبقدونس ليغتصبوها. وكيف أنهم شعروا بالإحباط عندما رأوا خصيتي الحمار الكبيرتين تتدليان بين فخذيه. وكيف عادوا ذليلين صاغرين كأنهم مهزومون من معركة كانوا يتوقعون النصر فيها. لكن ردة فعل العقيد على قصتي الطريفة والغريبة لم تكن متوقعة أبداً، فبدلاً من الاسترسال في الضحك الذي كنت أنتظره منه، والتعليقات التي أترقبها، بقي الرجل ساكناً في مكانه، لا يبدي حركة ولا ينبس بكلمة، وكل ما بدر منه هو أن استقرت عيناه الجاحظتان في الفضاء كمن يفكر ملياً بأمر مهم وخطير. ثم بعد برهة، قرع كأسه بكأسي، ورشف منه رشفة كبيرة، ثم ضرب كفاً بكفٍ وقال، وعلى سيمائه شيء من التوتر:
“يا أولاد الأبالسة والسعادين! أنا الذي سأربيكم.”
ثم استطرد قائلا، بعد أن مص سيكارته بشراهة، ووضعها على حرف المنفضة:
“هكذا إذن! … والله لأسحقكم مثل الصراصير أيها السفلة الخنازير. بالفعل لا يمكن ضبط الجندي إلا بالعصا. ومن يقول غير هذا هو واهم… كم كنتَ حكيماً أيها المتنبي عندما قلت: لا تشتري العبد إلا والعصا معه إن العبيد لأنجاس مناكيد.”
تسرب قلق مشوب بالخوف إلى أعماقي، حتى أن النشوة التي كانت تطرب روحي مع كل رشفة أرتشفها من كأسي، والبهجة التي كانت تغمرني مع كل نغمة أسمعها من آلة التسجيل، كانتا عاجزتين عن منعي من الشعور بانقباض مرير في نفسي عند سماعي تهديدات العقيد سليم كرم وإنذاراته، لتصوري أن الرجل إنما يقصد بكلامه عناصر المطبخ، الذين كنت أحدثه عنهم قبل قليل، وأنه لا شك سيعاقبهم، وسأكون أنا الذي تسببت لهم بهذه العقوبة… يا إلهي، أية ورطة أقحمت نفسي فيها! … هل يليق بطبيب مثلي أن يكون نمّامَاً، يفسد بين الناس، بدلاً من الإصلاح بينهم، وأن يكون ثرثاراً لا يستطيع حتى الاحتفاظ بسرٍ من أسرار زملائه في العمل؟ … ألا ما أنحسه من يوم، وما ألعنها من ساعة! … أنا على يقين أنَّ لقباً جديداً من العيار الثقيل ينتظرني قريباً. لعله الـ(الفسفوس)، أو الدكتور (فسفوس). هكذا يلقب المجندون كل من يمارس النميمة وينقل أخبار………….
تتبع
من رواية (مذكرات الملازم الطبيب)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…