الوجه الآخر لنهر دجلة

نارين عمر
بهجت أحمد

   وقعت حوادث مؤسفة على ضفاف نهر دجلة وفي مياهه، ومن المعروف أنّه يعتبر شريان الحياة في بلاد الرافدين حيث يشكل مع شقيقه نهر الفرات الرافدين اللذان قامت على ضفافهما أقدم الحضارات البشرية.
 ينبع نهر دجلة البالغ طوله حواله 1850كم من منبعه في جبال طوروس في تركيا حتى التقائه مع نهر الفرات عند كرمة علي في الأراضي العراقية.
عرف النهر بأسماء عديدة عبر التاريخ فقد سماه السومريون ادجنا والأكاديون والآراميون سموه تجلات، أما في العهد القديم فقد ورد اسم النهر باسم حداقل، وفي الأرمنية والميدية سمي باسم تيكرانس.
يسمى في اللغة الكردية ” افا مزن، Ava mezin” أي المياه الكبيرة أو الكثيرة، وفي العربية يسمى دجلة وكذلك في الفارسية والتركية. وجاء معنى دجلة في اللغات السامية من غطى الشيء، حيث كانت مياهه تفيض في أوقات الفيضان، وتغطي كل الأراضي على أطرافه. إذا عدنا إلى التسمية الميدية القديمة “تيكر” فهي مشتقة من اسم السهم تيكر لأن النهر في شدة وسرعة جريانه يشبه سرعة السهم عند إطلاقه، وفي الكردية فيعني الماء الكبير لأن النهر واسع المجرى غزير المياه، وقد أقامت الحضارات القديمة العديد من المشاريع العمرانية بالقرب من النهر، منها “برا بافد” والذي يسمى الجسر الروماني قرب قرية عين ديوار التابعة لمدينة ديريك و “برجه بلك” في جزيرة بوتان. 
لنهر دجلة قصص كثيرة ما تزال ماثلة أمام أعين من عاصروها وسنورد بعضاً من الحوادث المؤسفة التي حصلت في القرى الواقعة على ضفافه في قرية عين ديور أو ديركا برآفي:
1-في عام 1997 وأثناء الاحتفال بعيد العمال قدمت عائلة من دمشق لمشاركة في هذا الاحتفال والقيام بزيارة عين ديوار ولكن للأسف قام ثعبان بلدغ أحد اطفالهم وتسبب بموته، فتحول فرحهم إلى حزن وألم.
2-يورد الأستاذ شكري عبد الأحد أنه في 17-7-1998غرق الإخوة   يعقوب وجورج استيفانوس وهم في ريعان شبابهم مع والدهم صبري منصور في نهر دجلة، ما سبب صدمة كبيرة للأهل في المنطقة ككل. 
3-في 23/4/2011 لقيت فتاتان في ربيعهما الرابع عشر مصرعهما غرقاً في النهر أثناء قضاء بعض الوقت مع الأهل خلال عطلة نهاية الاسبوع، وذلك خلال ذهابهن إلى شاطئ النهر للغسيل، وبعد أن طال غيابهما افتقدهما الأهل وبحثوا عنهما فلم يجدوا من أثرهما سوى الأحذية، وعثر بعد أيام على جثة أحداهما في إحدى القرى بتركيا والثانية في دهوك بإقليم كردستان.
4-غرق الشاب شعلان من أهالي قرية خان سري التابعة لديريك في  الاول من ايار من العام 1998، وقد عجز السباحون من أهل قرية عين ديوار من إنقاذه بسبب برودة المياه ووجود دوامات نهرية حالت دون ذلك.
5-فقدان طفلة من أهالي الحسكة عام 2003 بعد الاحتفال بعيد العمال في قرية عين ديوار، حيث وجدت في اليوم التالي وقد فارقت الحياة في مزارع القطن بين قريتي عين ديوار ومزرة.
6-غرق عائلة المرحوم صبري العطار من أهالي ديريك في عين ديوار في عام 2006، وكانت بمثابة كارثة حلت بالمدينة وضواحيها.
7- يضيف الاستاذ شكري عبد الأحد أنه في 24-7-2006 توفى المأسوف على شبابه ابن ديريك مراد نعنو وهو يقوم بعملية صيد السمك في النهر، فانزلقت قدماه داخل النهر وسط الدوامة حتى فارق الحياة.
8-غرق ستة أشخاص في 17 نيسان من العام 2010 وهم أخوة مع صهرهم حيث كانوا يلعبون بالكرة، ووقعت كرتهم في مياه النهر وحين حاول أحد الاخوة إخراجها من النهر ولكن جرفته المياه،  فحاول الإخوة الواحد تلو الآخر إنقاذ إخوتهم ولكن للأسف غرقوا جميعهم مع صهرهم.
إذا حاولنا البحث عن أسباب ودوافع وقوع مثل هذه الحوادث سنجدها كثيرة من أبرزها:
أولاً: شدة انحدار النهر وقوته في الأراضي السورية نظراً لقربها من المنبع.
ثانياً: ذوبان الثلوج في هضبة أرمينيا وجبال طوروس تسبب زيادة في ارتفاع منسوب مياه النهر مترافقاً مع برودة المياه التي تسبب تقلصات في عضلات السباحين. 
ثالثاً كثرة الدوامات التي تكون السبب الأبرز في وقوعها.
نستطيع أن نذكر أسباباً أخرى وصلتنا مروية وشفاهية، وهي أقرب إلى الأسطورة أو الخرافة تقول بوجود منطقة في المياه تحمل لعنة آلهة النهر على هؤلاء الذين يتقربون منها، وأنّ روح تلك الآلهة تدفعهم إليها وتنتقم منهم. وخرافة أخرى تقول بحاجة النهر في كل عام إلى قرابين وفي فصل الربيع تحديداً، لذلك لا بد أن تسحب مياه النهر إليها عدداً من البشر كقرابين لآلهة النهر والمياه، وكما أسلفنا فهي مجرد خرافات توارثناها من العصور السابقة 
الأمر المؤكد في وقوع مثل هذه الحوادث في كل عام بالإضافة إلى الأسباب الطبيعية والمناخية التي ذكرناها تكمن في تقصير الجهات المسؤولة عن الاهتمام بالنهر وتوعية الناس وخاصة السياح منهم إلى أماكن وجود الدوامات المتواجدة في النهر لئلا يقتربوا منها، ويتحاشوها أثناء رغبتهم في السياحة. يجب وضع علامات بارزة ومكتوبة بالخط العريض على أطراف النهر تنبه الناس إلى مواضع الخطر، وإذا لزم الأمر تخصيص مختصين ومهتمين بهذا الأمر لتوعية الناس ومراقبتهم وخاصة في فصلي الربيع والصيف حيث تكثر فيهما زيارة الأماكن السياحية التابعة لمدينة ديريك

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شعر: محسن قوجان

الترجمة من اللغة الكوردية: محسن عبدالرحمن

 

في مواعِدِك،

مابينَ المَنارةِ و القِبَب

ثعلبٌ

أكلَ هويتي

هذا الموعدُ

أغنيةٌ غير مكتملة،

في حلق الطفولةِ متعثرة.

لم تبقَ قوةٌ

في أضلاع الصخور لتخرجَ

وتركُضَ تحتَ الحالوبِ،

خلفَ هويتي

على فضلاتِ الرغباتِ الهشًة.

يرعى التيسُ البريٌ

ذات موعدٍ قلتِ لي: لاتتغافل

ليس لجبل كارة(1) الوقت لأن يناقش وادي سبنة(2)،

أو أن يهرب من هجوم الحالوب.

لذلك سبنة دائماَ زعلان،

ونحو البحر يتجه.

في فترة مبكرة،…

ألمانيا- إيسن – في حدث أدبي يثري المكتبة الكردية، صدرت حديثاً رواية “Piştî Çi? (بعد.. ماذا؟)” للكاتب الكردي عباس عباس، أحد أصحاب الأقلام في مجال الأدب الكردي منذ السبعينيات. الرواية صدرت في قامشلي وهي مكتوبة باللغة الكردية الأم، تقع في 200 صفحة من القطع المتوسط، وبطباعة أنيقة وغلاف جميل وسميك، وقدّم لها الناقد برزو محمود بمقدمة…

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…