جسد المرأة وإشكاليّة الحضور

سوسن إسماعيل/ سويسرا

 إنَّ القراءةَ عن ــ جسد المرأة وإشكاليته ــ أو التناول والبحث في التحيّز الجندري ضدها، خلال السياق الاجتماعي والتابوهات، ضمن مجموعة من المستويات، بوصف الجسد ملتزماً بقوانين المجتمع، ومرةً بوصفه متمرداً على القوانين، ربما هي من بعض الفلسفات التي تأتي عبر الأحكام الجمعية، فجان جاك روسو أشار بأنّ ” المرأة كائن طويل الشعر، قصير التفكير”، فما أكثر المقولات التي ربما تنطوي تحت حالة/ أزمة زمنيّة/ وقتية، مضت وتمضي ببراهين ورؤى جديدة، يطلقُ الكثير ـ منا ـ بعض الفلسفات الغبارية/ الوليدة لمجموعة من المعوقات الاجتماعية، التي تقرأ/ تنظر إلى جسد المرأة كسلعة وليس ككائن مُشارك، فالمنظومة الاجتماعية التي تكونتْ فيها المرأة بمفاهيمها حول قواعد وأسس للحياة، بقيت قاصرة جداً؛ بقيت دونية والسبب لا يعودُ لها بقدر ما يرجع إلى السياقات الاجتماعية والثقافية التي وجدتْ نفسها فيها. 
المرأة لا تقرأ جسدها بقدر ما الآخر يقرأ لها ويعرّفها بجزئياتها، لأنّ رؤيتها لا تنبعُ لذاتها من رؤية إدراكها بنفسها، إنما هي نظرة ما تنفكّ عن نظرة الآخر لها ثقافيّاً واجتماعيّاً، فالمشكلة لدى المرأة لا تكمنُ لديها ــ لأنها هي من تمارسُ أوجه المقارنة مع الآخر ــ إنما ترتدُّ إلى رؤية الآخر لذاتها ككائن لا مستقل، لذلك بقيت أحكامها معيّارية.
المرأة ـ الشرقيّة ـ لا تجدُ نفسها كما تريدُ هي أن ترى، إنما تنصرفُ إلى المقدار الذي يراها فيه الرجل، فلا تنسجمُ عمّا يصدرُ منها إلا بمقاييس الذّكوريّة.
فالرؤية الفرديّة/ الشخصيّة لها، لا يمكنُها أن تضعها في فسحة الاكتشاف، بقدر ما تكشفُ عن رؤية الآخر لها، فهي ربما لن تتفهم اختلافها إلا بالمنظور الجندري، فالمرأة ــ كمنظور خاص ــ صُنف ظلُها كجزء دوني في العمليّة الحياتيّة الجندريّة من زاويتين؛ إحداها مقتضى السياق الاجتماعي؛ الذي زادَ من عمق الشرخ فيها، وتحيّزتْ إلى ما هو بدائي/ فطري، وبذلك باتَ صعباً عليها؛ أنْ تختارَ أو ترسمَ لذاتها سلطة تخصها، تتكفّلُ هي بها، بعيداً عن السلطة الذكوريّة، وتدركُ اتجاهات شغفها، وتغادر بذلك دور المرسل إليه فقط، أمام سلطة المُرسل/ الرجل، فبغياب المرسل لا أثر للمرسلِ إليه، وبذلك يغيبُ الجزء المهم في العمليّة؛ عمليّة أن ترتضي المرأة أن تبقى الظلّ الجميل للآخر، ثقافيّاً، معرفيّاً، اجتماعيّاً، حتى سلطويّاً، فتسوّر بذلك كيانها وجسدها بكلّ سلطة أعلى. إضافة إلى الأنظمة السلطويّة منذ نشوئها، كسلطة الأب، الأخ، إلى الزوج، لو أنّ المرأة تعمقتْ في جوهرها الذاتي، بالقدر الذي غاصت في رؤية الرجل لها، لربما اختلفَ الكثيرُ من الموازين، ولما عاشت الزعزعة والاختلال وفقدان بعض التراصف. 
من خلال الإحالة إلى النظام الاجتماعي الذي ساهم بشكل ما في عمليّة تكوينها وبنائها، الثقافي/ الجسدي/ المعرفي، تنبري الكثير من القيم السلوكيّة والنفسية للمرأة، وهذا كله يلعبُ إلى حدٍّ كبير في تكوين طبيعة الأنثى، إذ يحولُ كينونتها من وجوديّة لذاتها إلى كينونة تُمثّلُ الآخر بكلّ عيوبه وتناقضاته، وتتركُ قشةٌ سهلة للطيران، حتى أمام هبوب النسيم.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عصمت شاهين الدوسكي

 

ربما هناك ما یرھب الشاعر عندما یكون شعره تحت مجھر الناقد وھذا لیس بالأمر الحقیقي ، فالشاعر یكتب القصیدة وينتهي منھا لیتحول إلى تجربة جدیدة ،حتى لو تصدى لھ ناقد وبرز لھ الایجابیات وأشار إلى السلبیات إن وجدت ، فلیس هناك غرابة ، فالتحلیل والتأویل یصب في أساس الواقع الشعري ،وكلما كتب الشاعر…

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…

ربحـان رمضان

بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه ” حلم الأمل ” .

قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في…

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…