هالة الكاتب و«نسوة في المدينة» لمؤلّفه فراس حج محمد

وفاء عمران محامدة*

“ثمة أشياء ستحدث لي مع نشر هذا الكتاب، سيشيع بين القراء شيوعا كبيرا وسيطبع عدة طبعات عربية ومحلية، وسيزوّره تجار الكتب، أما أكثر الاحداث توقعا فهي ترجمة هذا الكتاب إلى أكثر من ثلاثين لغة وسأجني منه مبلغا من المال يفوق المليون دولار”.
بهذه المقدمة يبدأ الزميل والكاتب فراس حج محمد كتابه “نسوة في المدينة”، وأنا أعرف الكاتب شخصياً كونه زميل عمل، وهو في الحقيقة مغاير لما تعكسه كتاباته ومختلف عن الفكرة التي  يمكن للقارئ أن يكوّنها عنه، فهو مهذب جدا وخلوق ومتواضع لدرجة أنه يشكو كثيرا أنّه لا قراء له، وربما مرد تلك الشكوى هي قلة الاهتمام بالكتاب عموما، لدرجة أن قلة الاهتمام تلك هي ما شجعتني على الكتابة وعلى إصدار روايتي الأولى وساهمت في إظهارها إلى العلن فقد قلت مرة أنني لا أحب الشهرة لقد اعتقدت ورسم لي خيالي قبل أن أخوض غمار الكتابة أن الكتّاب تلاحقهم عدسات التصوير ويتلقف الناس أخبارهم كما هم الفنانون والمطربون، 
ولما عرفت أن فراس حج محمد أصدر في وقتها تسعة عشر كتابا، ولم تكن تحيط به تلك الهالة التي توقعتها تدور حوله، عرفت أن الكتّاب يمكثون طي النسيان وقتا طويلا، وذلك يطول أيضا الكاتبات، وأعتب على فراس لماذا دائما ما يتهم الكاتبات عموما أنهن يستخدمن سحرهن الخاصّ في الوصول، وليس موهبتهن كما أشار في مقدمة كتابه.
لنعد إلى “نسوة في المدينة”، وأجد أن الخيال يختلف عن الواقع، وأن الكاتب قد يخوض في كتاباته ما لا يخوضه في الحقيقة الواقعية، وأنا وربما هو وكثيرون أيضا ننظر إلى العالم الافتراضي كخيال، لكن البعض يسترسل به وكأنه غير مرئي وكأنه يحدث نفسه، وربما ينسى تدريجيا أن هناك روحا تقف خلف الجهاز، لها مشاعرها وأفكارها وفهمها المختلف أيضا، وهل كان سيسترسل الكاتب في الواقع كما هو في الخيال؟ لا أدري. ربما المواجهة الفعلية تجعل الإنسان يلجم عن الخوض في مشاعره وأفكاره، ويورد الكاتب في مقدمة كتابه “الأثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس”، هل يقصد الكاتب من سرد تجاربه الالكترونية وبعض من تجاربه الحقيقة التي لا أعتقد أن كلها حقيقة تماما أن يطلق ذلك الإثم من صدره فيصبح كأنه تحرر، ولكن ألا يشكّل ذلك فهما خاطئا للحديث وربما هي مجاهرة، وأعترف أن مقدمة الكتاب وسرد بعض قصصه البريئة في البداية أعجبتني خاصة عندما وصف إرسال كتابه الى ناقد مع ولاعة، فهي متسلسلة لدرجة أنه يمكن أن يكتب رواية جيدة، وباقي الكتابات فإنني لن آتي على ذكرها؛ احتراما لمبادئي التي لا تحب الخوض في الابتذال، ومع احتفاظي بوصف الكتاب على أنه “سيء السمعة”، وقد تردد كاتبه في إهدائه لي من أجل توجهاتي الخاصة وعالمي البريء كما يقول، وعزوفي عن كتابة أو قراءة الكتابات المفرطة في الجرأة، ليس لشيء سوى أنني لا أراها إبداعا أو تقدما أو اختراعا، فهي لا تزيد عن كونها وصفا لشيء ليس بجديد؛ فهو موجود منذ بدء الخليقة، ويمكن دائما التقديم للعبرة دون الأخذ بالتفاصيل؛ فالقرآن الكريم- وهو كتاب متعبد بتلاوته- يورد قصة سيدنا يوسف وامراة العزيز بطريقة جميلة وراقية، لأن الأصل “إن السمع والبصر والفؤاد كل ذلك كان عنه مسؤولا”. وأذكر أن صديقة قالت لي يوم ناقشنا عزوف العرب عن القراءة: إنه لا يمكن الإنكار أن معظم الروايات غير لائقة، وقتها لم أكن أقرأ كثيرا لكتّاب جدد، بل كتباً أو روايات لكّتاب من الجيل القديم، وأيضا بعض المترجمات التي كانت تترجم بحرَفية وبرقابة، ولكن أجد هذه الأيام حتى الترجمة لم تعد مراقبة. 
الحرية زادت إلا في المعتقدات الدينية؛ فقد تم التضييق عليها وأصبحت أقرب الى التهمة، ربما حان موعد ظهور الهالة المفقودة للكاتب، فهو يتفق مع السائد في الوضع الراهن ومع حب الناس لمواقع التواصل الاجتماعي، شخصيا أنصح بقراءة الجزء الأول من الكتاب.
__________________
* روائية فلسطينيّة ومشرفة تربوية

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…