أهلُ الحوار المتمدّن.. أهلي.

عبداللطيف الحسيني/هانوفر
مع الجواهري زحّافاً من بلاد العيون السود إلى بلاد العيون الخُضر والزُرق ضيّعتُ نفسي في ليالي الدنيا لأجدَها مرميّةً بجانبي دونَ أن أنتبهَ.
إنّها تغريبتي السوريّة التي أهتدي بها إلى عوالم الدنيا وترّهاتِها, كما يهتدي الضالّون بنجم من بعيد يشعُّ,لا أحدَ دلّني على الحوار المتمدن, وحدي اهتديتُ آنَ كنتُ أتحرّى عن ماركس أو غيفارا فقرأتُ هنا ما يشبعُ وحدتي مستمتعاً و مُعيداً ما قرأتُه في فترة ماركسيّتي في الشباب التي امتدّت معي بعد أن تخطّيتُ الخمسين, وصل بي الشأنُ كأني أنا كتبتُ رأس المال, وكأني أنا مَن رفضتني بروسيا واستقبلتني لندن. كأني أنا رئيسُ العصابات أَغير على أوكار الدكتاتوريات, لا تشي غيفارا.
 قلتُ في نفسي لأكن الاثنين “ماركس وغيفارا” فوضعتُ الأوّلَ على يميني والثاني على يساري من خلال طبع صورتين لهما. والأغربُ أنّ جارتي الكوبيّة دخلت منزلي فرأت صورةَ ابن بلدها”غيفارا” فقبّلته متسائلةً من أين تعرفُه وأنت من أقاصي الدنيا؟,أجبتُها أتيتُ إلى الدنيا لأرى ما وراءَها.
مع الجواهري زحّافاً من بلاد العيون السود إلى بلاد العيون الخُضر والزُرق ضيّعتُ نفسي في ليالي الدنيا لأجدَها مرميّةً بجانبي دونَ أن أنتبهَ, يا إلهي….. الرجلُ قالَها قبلَ الجميع: (لثورة الفكر تاريخٌ يحدّثناـ بأنّ ألفَ مسيح دونَها صُلِبا). وكأنّ السياحة على الطريقة الصوفية في الحوار المتمدّن ترجمت الجواهريّ من أولى كتاباتها لأخيرها حيث “شطحات ماركس” تتشظّى أو تتخفّى لتقولَ بأنّها في كلّ مكان حتّى لدى الدول التي ترفضُها,لكنّها تعمل بتعاليمها آناً…. فآناً, والمرءُ يقولُها مرتاحَ الأقوال ومُتنفّسها لأنّه مقتنعٌ بفاعليتها الاجتماعيّة والسياسيّة خاصّة فيما يتعلّق بالثورات ـ والدنيا تمورُ بهاـ فالعيونُ طليقةٌ ككُتّابها الذين يتنفّسون الحريةَ بأجلِّ نماذجها.بعدَ تغريبتي التي هجّرتني عن طقوس عامودا الثمانينيّات اختليتُ بالحوار المتمدن واكتفيتُ به لأراجع شبابي الماركسيّ المختلف عن آراء الآخرين كي تتمتّن الصداقةُ أعمقَ وأبهى, جعلني الحوار المتمدن متحرّياً عن الماديّة الجدليّة والتاريخيّة لأقرأ الكتابين ورقيّاً إلى أن وجدتُهما مُهمَلين عندَ صديقٍ بغلافٍ مقطّع,وقد اصفرّت أوراقُهما من الرطوبة والاهمال وغدر الأعوام, صحتُ بالصديق كمَن رأى كنزاً من ورق أصفر:”من أين لك هذا, أبحثُ عنهما منذ سبع سنوات”؟.
أن تملك كتاباً ورقيّاً في بلاد أصبحتَ فيها غريبَ الوجه واليد واللسان لَهَو كنزً حقيقيّ تتباهى به أمامَ أصدقائك وتلتقط صورةً لك وأنت تقرأه, أو تركب قطاراً وتحمل ذاك الكتاب المسكين لتدّعي أّنك تقرأ كي تُحسّس الذين ينظرون إليك بأنّ وقتك ثمين وأنّك من الطبقة التي تحملُ عذابات العالم وأنّك الناطقُ باسم المعذَّبين.
الماركسيّةُ علّمتني”لا” في زمن كلُّه “نعمُ” إلى درجة تصلُ بي أن أنفصمَ عن ذاتي التي تقولُ”نعم”لينسلّ الآخرُ فيّ صارخاً”لا”.
الحوارُ المتمدن كالنهر تستحمُّ فيه مرتين وتزيدُ عليهما ثالثةً, وأنت مستقيمُ الظهر, طلقُ الكتابة, كالماء لا يُكَفُّ صبيبُه.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…