حوار مع الشاعرة السورية نغم دريعي

أجرى الحوار: نصر محمد 

في إطار سلسلة الحوارات التي اقوم بها بقصد إتاحة الفرصة أمام المهتمين بالشأن الثقافي والإبداعي والكتابة الأدبية بشكل عام و الذين يعانون من ضآلة المعلومات الشخصية عن أصحاب الإبداعات الثقافية. لذلك فان الحوار معهم يتيح للجميع التعرف عليهم عن قرب
ضيفتنا لهذا اليوم الشاعرة الكردية السورية نغم دريعي 
نغم دريعي ابنة عامودا الحرائق خرجت من قيود الشعر التقليدية لتنطلق بلغة خاصة بها . تميزت بالجدة في تعابيرها وتراكيبها وصورها الشعرية فحققت الإدهاش . لغتها شفافة ومشحونة بدهشة صافية.  وعبر مشوارها الأدبي المفعم بالجدية والحيوية.  حملت هموم الوطن والإنسان. هي امرأة شديدة الهدوء. 
 تعشق الموسيقى والقهوة وفوضى الكتب.  تحلم بالعدل والمساواة وتكافؤ الفرص والحرية .وتكتب لتدق العقول المتحجرة.  تتسم بمسحة من الحزن الشفيف وتبحث عن فرح لاتعرف اين تباع
قلبي الذي تركته بالبرد 
بلا مظلة 
دون أن تعلمه السير حافيا
على جليد المسافة 
و أصابعي الخريفية وهي تلتقي
بالسراب ..بأجنحة فراشات
مكسورة ..
تنتظر ان أهمس بأذنها 
عن أطفال بلادي ..عن أسماء 
اخوتي ..عن المطر الكثير الذي
هطل فوق جسد ابي 
 في غيابي 
عن صورتك المرسومة على ثوبي الأخضر 
 وهي تقدد الوجع 
منذ عرفت ان الانتظار رصاصة عارية
محقونة بالالم ..تشل الروح
اصبحت 
كمن يرتطم في وحدته بملامح وجهه
كمن يقضم الحنين بالخفاء 
ويخرج مبتسما في جنازة
الحب …
– نغم الشاعرة هل أثرت على نغم الانسانة ؟ في سطور عرفينا عن نفسك على نغم دريعي الانسانة والشاعرة  …؟
* أنا نغم دريعي من عامودا ، انتقلت أسرتي إلى حلب سنة  1973  .درست فيها كل مراحل التعليم ودخلت كلية الآداب والعلوم الإنسانية حيث درست الأدب الانكليزي  ، حملت الحنين وحب المدينة  ككل من يبتعد عن مسقط رأسه .
الشعر بالنسبة لي عطاء روحي وترجمة صادقة لخلجات الوجدان ، فالشعر لا يؤثر على الشاعر فحسب انما له دور كبير  وتأثير على المجتمع وتوجيهه ان كان هادفا . أكتب الشعر ولدي ثلاثة مجموعات لم ترى النور  . 
رجلا من مدينتي  ، ذاكرة قصب ،  و طريق الحريق  .
– لكل شاعر طفولة راعفة بالحب والشوق ، ماهي أبعاد طفولة الشاعرة نغم وكيف التقت بكراسة الشعر ؟
* اهم ما يميز طفولتي هو الوعي المبكر للفن والأدب ، عندما كنت اشتري كتابا كنت  أفضل الانعزال لحين الانتهاء منه . بدأت بسن مبكر جدا  بقراءة الالغاز البوليسية وقصص الاطفال العالمية المترجمة . في مكتبة البيت تعرفت على نجيب محفوظ وإحسان عبدالقدوس وغادة السمان وجبران ومي ، تأثرت بالشخصيات وعشت الاحداث والمناخات معهم .  كنت كثيرة الخجل والقلق ، إلى أن وجدت في الكتابة طريقا يمنحني الجرأة والتوازن  .كنت سريعة الحفظ للقصائد ، تدربت على يد والدي  كيف أصيغ مواضيع الانشاء . ثم برعت بكتابتها لوحدي . في الصف الخامس كنت رائدة  على مستوى حلب في مجال القصة القصيرة . هذا التفوق اعطاني دفعا وثقة كبيرة
– نغم عشت في بيئة فنية وادبية فوالدك الفنان التشكيلي الراحل واختك سمر دريعي الفنانة التشكيلية..  هل كان لبيئتك والوسط الذي عشت فيه تأثيرا كبيرا في ابدعاتك الشعرية  ..؟
* الانسان بالطبع ابن بيئته، يؤثر فيها ويتأثر بها بدون وعي او بذل جهد كبير. لاشك  ان، للوسط الذي عشت فيه وتحديدا للوالد تأثيرا وبصمة واضحة في حياتي الشخصية والأدبية  ، فكان هو  المعلم الأول يمدنا بالمعرفة والعلم ويحثنا على قراءة الكتب ، أتذكر كيف كان يرافقنا انا واخوتي الى المركز الثقافي ودار الكتب الوطنية لنقرأ فيها ساعات طويلة ثم نستعير كتبا لنقرأها في البيت .
– الى أي أدب تنتمي نغم دريعي والى اي هوية تنسبين ثقافتك  ؟
* الى الشعر الحر  ، وانا أرى أن الفن والأدب يوالدان بأجنحة ليحلقا  عاليا دون سقف او قيد . فسواء الأدب كان ام الفن وجد ليعبر عن المكنونات الإنسانية بحرية وجرأة ، فما لا يستطيع الشاعر قوله تراه يرسمه على الورق  بكلمات حرة والفنان يعبث  بريشته كيفما شاء وبأي لون يريد ..بالنسبة للثقافة هي العربية فهي لغة كانت  مفروضة .
س : هل هناك فصل الأدب النسوي عن الأدب عموما او فصل نتاج الجنسين الذكوري والنسوي  ..؟
* ان الامر لا يعني فصل الأدب النسوي عن الأدب عموما او عن الجنسين. فالادب نشاط وجداني ذاتي يختلف فيه الأديب عن الأديب والأدبية عن الأديبة ، لما بينهما من فروق  في التكوين والمزاج والنظرة والمعتقد والشخصية
–  قصيدة النثر يثير العديد من التساؤلات عن هذا الكائن المختلط والمتناقض الذي يتطلب الكثير من التدقيق في أشكال الشعر المتجذرة في اللغة ..
* النثر ككل الشعر يحمل القلق الابداعي ويثير السؤال المربك عن مكانة الشعر في اللغة . تتفاعل الثقافة وتتأثر بتطور المجتمعات البشرية والمتغيرات التاريخية ، وكأنعكاس للتطور في أنواع الأدب بسياقات غير معهودة أدى إلى ظهور قصيدة النثر التي استقبلت بالتشنج من قبل المتلقي ولأسباب تتعلق بالموروث الثقافي الذي اعتمد على قصيدة الشعر المقفى والموزون
– انت ابنة عامودا ، مدينة الحرائق ، تفوح من قصائدك رائحة الورود والسنابل، ما الذي تطبعه عامودا في نفوس شعرائها وشاعراتها   .. ؟
* كما قيل، كل يبكي على ليلاه ، فالحنين دائما للمدينة التي احتضنت سنوات قليلة من طفولتي  وطفولة ابي والاهل  وذكريات جميلة  ..عامودا هي الماضي والذاكرة  فطبيعي ان تشغل حيزا كبيرا من القلب، ولعامودا خصوصية  يكاد لا يعرفها إلا من عاش فيها و مشى في شوارعها، أكاد اصدق انها بلد المليون شاعر .
– هل تعتبر نغم ان هذا الزمن زمن الكتابة وزمن اللغة ام انه زمن الصورة العابرة والمختصرات ؟
* دائما يحاول الكاتب ترميم الجمال وبناء جسر التلاقي بين الخيال والواقع يبحث فيه عن قيمة غائبة لكي ينتصر بالكتابة على شرطه الوجودي  .
– نغم أخترت قصيدة النثر مبكرا، ماذا أعطتك قصيدة النثر بعد كل هذه السنوات ؟
* في الواقع انا لم اختر، وجدت نفسي عفويا في تخوم قصيدة النثر. لم اهتم لشكل القصيدة بقدر اهتمامي بالايقاع و موسيقى الوزن، فالقصيدة بالنسبة لي تفارق الحياة اذا تم وضعها ضمن قالب الشكل التقليدي.. اعطتني حق الكتابة بحرية وبسهولة دون أن التزم او ان اتبع اللون التقليدي والتفعيلة والقافية. كما أن النثر اعطاني الحق الطبيعي في السرد وإيجاد خط سير حر اترك فيه بصمتي، طابعي وخصوصيتي وفق إيقاع الفكرة وايقاع الكلمة التي ارغب  .
– لكل إنسان مسؤولية تجاه نفسه والاخرين . ماهي مسؤولية الشاعر من وجهة نظرك  . ؟
* الادباء رسل المجتمع وعليهم ان لا يقفو متفرجين فعلاقة الأديب بمجتمعه تتطلب زادا ثقافيا وفكريا تغني تجربته وتعمق رؤيته للمجتمع والانسان ، فالادب فن جميل ورسالة سامية يتم فيها التعبير عن الحالة او التجربة  بالكلمة، فالكلمة لها سحر ووقع في نفس المتلقي ولها دور في بناء المجتمعات عندما يكون الأديب أكثر التحاما بالمجتمع وواع ومسؤول عن قضاياه .فنرى الأديب يكون حساسا، صادقا مفعما بالحب والغيرة والرغبة في تطور مجتمعه وإيجاد الحلول له  من خلال قدراتهم  ومواهبهم الكتابية والتعبيرية ..
– يقول الشاعر فاتسلاف شولك : وهبني القدر هذا الشقاء الناعم ان اكون شاعرا، إلى اي حد مسكونة انت بشقاء الشعر وعذبه الجميل  . ؟
* ان اجمل الأشياء التي يمكن منحنا اياها هي الشعر والموسيقا. الشعر وطنا نأوي اليه، غيمة تمطر خرزا وسكاكر  … الشاعر يسمو انسانيا عن تفاهات الحياة  وصغائرها، يمنحنا الشعر التوازن والاستقرار لذلك احاول ان اسرق نفسي من المحيط كي اتنفس بالكتابة. مع كل هذا يبقى تأثر الشاعر  بالاشياء والألم  يكون اعمق سواء تجاه نفسه او الآخرين..عن نفسي أفضل هذا الشقاء وهذا العالم  الصادق على النعيم العابر المزيف .
وفي نهاية هذا الحوار
أتقدم بجزيل الشكر إلى الشاعرة المبدعة نغم دريعي، لقد كنت صديقتنا الأقرب. عرفناك اكثر واحببناك اكثر
شكرا لروعتك ولمجهودك ولاتساع صدرك

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…

عصمت شاهين الدوسكي

 

أنا أحبك

اعترف .. أنا احبك

أحب شعرك المسدل على كتفيك

أحب حمرة خديك وخجلك

وإيحاءك ونظرتك ورقة شفتيك

أحب فساتينك ألوانك

دلعك ابتسامتك ونظرة عينيك

أحب أن المس يديك

انحني حبا واقبل راحتيك

___________

أنا احبك

أحب هضابك مساحات الوغى فيك

أحب رموزك لفتاتك مساماتك

أحب عطرك عرقك أنفاسك

دعيني أراكي كما أنت ..

——————–

قلبي بالشوق يحترق

روحي بالنوى ارق

طيفي بك يصدق

يا سيدتي كل التفاصيل أنت ..

——————–

أحب شفتاك…

لوركا بيراني

في الساحة الثقافية الأوروبية اليوم، نلمح زخماً متزايداً من التحركات الأدبية والثقافية الكوردية من فعاليات فكرية ومهرجانات وحفلات توقيع لإصدارات أدبية تعكس رغبة المثقف الكوردي في تأكيد حضوره والمساهمة في الحوار الثقافي العالمي.

إلا أن هذا الحراك على غناه يثير تساؤلات جوهرية حول مدى فاعليته في حماية الثقافة الكوردية من التلاشي في خضم عصر…

محمد شيخو

يلعب الفن دوراً بارزاً في حياة الأمم، وهو ليس وسيلة للترفيه والمتعة فحسب، ولكنه أداة مهمة لتنمية الفكر وتغذية الروح وتهذيب الأخلاق، وهو سلاح عظيم تمتشقه الأمم الراقية في صراعاتها الحضارية مع غيرها. ومن هنا يحتلّ عظماء الفنانين مكاناً بارزاً في ذاكرة الشعوب الذواقة للفن أكثر من الملوك والقادة والأحزاب السياسية مثلاً، وفي استجواب…