أنا وأنتِ وثعبان المساء

فراس حج محمد/ فلسطين

الثعبانُ والوردة
كنتُ “في كلّ مساءٍ أدسّ ثعباني في وردة الأنثى”
ولم أقلقْ
ولم أفكّرْ في دمائي السائلات على بقايا اليومْ
ولم أتذكّرِ الفتياتِ غير فتاةِ “نخلةْ”
تطنّ في لغتي مسافرةً كنحلةْ 
سرعانَ ما تعصف بي وتسبحْ
وتُسلمني إلى هذا الفراغِ وتشرحْ
فأعود أدراجي ألطّخ ظلّ ظلّي
وليس لديّ غير ما تندّر بي فأفصَحْ
***
ها قد تحرّك الثعبان يسري نحوها
– هذا هو الثعبانُ لا بدّ أن يهدأ
– وكيف سيهدأ الثعبانُ وأنتِ كلّكِ “وردةْ”
– هدْهدْهُ… واضحك عليه بصورة أخرى 
ولا تمدّ قامته وخبّئه بجنبك واهدأ
ذاهبةٌ أنا لشيء غير شقاوة الثعبان
– عليّ أن أتفقّد الوردةَ مرّة أخرى، كيما أدسُّ ثعابني وأبدأْ
عليّ ألّا أتأملَ الأشياءَ أكثرْ
قد صبأتُ في هذا المساء وصار ثعباني كمنسأةٍ 
على لغتي وأحلامي تجرأْ
***
بقيت ليلي دون “وردةْ”
أعابث الثعبان وحدي
وأقلقُ بل أفكرُ بل أتذكّرْ
ولا شيءٌ لديّ غير ثعبانٍ تصلّبَ 
في دمائي يتقلبُ… بل يتكرّرْ
مثل قافيتي الوحيدة يهزأُ بي 
بأسمالي تدثّرْ
وصرت كقامة الثعبان أصغرَ ممّا تظنينْ 
وأطولَ من ظلّ على جسدي تبعثرْ
الكتابة على خليّة موسيقيّة
في نهايةِ كلّ مساءٍ 
قبل منتصف الليل بساعةْ
عند محاولة الانجرار وراء صوتكْ
هناك إذ تحضرين كما أنتِ
لا شيءَ يفصلنا
بعض هواء ساخنٍ 
متسرّب تحت الغطاءْ
تستقبلين قصيدة أخرى غراميّة
ليس فيها صورة مجازيّةٌ أو جملةُ تستعصي على التأويل
هناك وبين ما نودّ فعله على مهلٍ
أتيتِ من بعيدكِ الغيبيِّ وذبتِ بين أبيات المجاز 
وصرتِ خليّة أخرى موسيقيّة
وكعادتي المسائيّة
“أدسّ ثعباني في وردة الأنثى”
كأنّي أكتب شيئاً خاصّاً ووحدكِ تقرئين
حيّةٌ تسعى
كلّ خصلةٍ من شعرك المقصوص أفعى
تسافر في مدها الأنثويِّ في ذكَر التماثيل القديمةْ
تلتفّ في جزئك العضويّ عند مهابل الخصب وتصعد نحو قلبك
قلبك كان بجحر أفعى 
وكان متنك جسم أفعى 
موج بحر حامل في الشكل أفعى
عندما تخلع أفعى ثوبها 
جذرٌ وساق الشجرة
عندما تسكن أفعى في المياه تشبه نهر العالم السفليّ 
وتشبه دفقة الإغواء عند الوصل 
إن تعرّت حيّة من جلدها 
كنتِ تلك الشجرة
كنتِ تلك المدّة الأخرى 
تتلوّين تحت الماء مثل الأفعوان
وتلتفّين حول جسم الظلّ وتكتبين وصيّة الموتى
حوّاء تركب متن أفعى وآدم في الشركْ
يأكل تفّاحة الطردِ والطينِ البدائيِّ 
وكلنا من فعل أفعى
والعشق والموت والإحياءْ 
كل ذاك بمكر أفعى
والصلاة المستقيمة في معابد الهندوس و(اليوغا) 
ترتّل صمتها أسفار أفعى
وحرف الــ Z بالفعل أفعى وحرف اسمينا الغريبين كصورة الـ F فحيح أفعى
هذا الوجود بضدّه بتآلف مع ضدّه حيّ بأفعى
واكتمال دائرة لتقتل حرف O
وانتصاب العضو في الأحشاء طقس علامة الترقيمِ (!) أفعى
وقوّة السلطةِ أصل النشأة الأولى
والنعومة والسلاسة والجنون والاستكانة 
والخشونةُ
الصبرُ الإلهيُّ المعظّمُ دفق أفعى
واحتمال طول العمر 
والسير فيّ على خبط الطريق مسير أفعى
“هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى”
وأنا أرتّل تعويذة الموتى لأنجو
شباط 2021

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…