حوار مفتوح مع العاشق للحياة و الفن عنايت عطار (13)

أجرى الحوار: غريب ملا زلال 
غريب : عنايت الفنان و عنايت الإنسان .. أين يلتقيان .. أين يفترقان ؟
عنايت: كنا على إفتراق يا صديقي حين كنت أبحث عن نفسي ، وحين كنت ممتلكاً أدواتي ، فيما اليوم أراني متوحداً فناناً وإنساناً في نفس الوقت ، وإن كان لكل انسان وسيلته في التعبير فإني قد وجدت وسيلتي في اللون 
يتخلله بعض أوتار العود أو قد تأتي قصيدة تأخذ مكان اللوحة في حال تكاسلت الريشة أو تراعش اللون أمام عينين ساحرتين .
غريب: قالها مرة صلاح الدين محمد 
” التاريخ علمني بأنه في كل عصر يوجد فنانون يطفون على السطح ، و لكنهم غرقى .”
ما السر في هذا الطوفان من أشباه الفنانين ، أو من سميناهم ( فصيلة الدجاج ) الذين يغزون صفحات التواصل الإجتماعي ، ما سر صعود أشباه الفنانين على السطح ، هل هي حالة الفوضى التي تضرب كل الجهات ، أم وباء ، أم موضى أم ماذا ..؟
عنايت: لاخوف من التاريخ إنه بالتالي من يصطفي الرائع ويهمل التافه من الأمور ، وحتى الظهور المكثف في النت ، والذي تتحدث عنه ما هو إلا نوع من الإصطفاء والغربلة ، ثم اسمحلي أن أضيف المتلقي كعنصر في المعادلة ، فمن قال إن كل ما يظهر في الفيسبوك يقنع المشاهد الذكي او العين المتدربة ؟
غريب: نصف قرن و أكثر و عنايت يشتغل على رسم إشارات الإستفهام أو كسرها ، يولد بعض الأسئلة ، و يجيب عن بعضها الآخر …
ما هي الأسئلة الكبيرة التي حاول عنايت الإجابة عليها ، أو أنه ما يزال يحاول الإجابة عليها ؟
عنايت: لقد لاحظت أنك سائل ذكي تفتح الأفق للجواب في نفس الوقت ، أما السؤال الكبير لي و لأي فنان ، هو أين وكيف يجد الفنان نفسه ؟ إن سؤالك هنا يطرح هذا السؤال أكثر مما يبحث عن الجواب ، وأرجو من القارئ ألا يتهمني بالسفسطة لأنني فعلاً أبحث عن نفسي بإستمرار ، وفي نهاية كل عمل أعتقد بأنني وجدتني ، ولكن الأمر ليس كذلك أبداً ، وإلا توقف الفنان عن العمل .. و هذا البحث مستمر ما استمرت الحياة ، وبإختصار أجد الأمور من حولي ليست كما أحب حتى لو كنت أنا مصاباً بالعمى أو لاتروق لي ألوانها 
، أو لاتعنيني بشيء ، أو هناك خلل في التكوين والتلوين والحركة 
وكأنني في كل عمل أحاول إعادة ترتيب الكائنات وأولوياتها وجمالياتها ، وإن ظن المشاهد البسيط إنني أنقل الواقع بمجرد ظهور إمراة أو شجرة أو ثمرة ، وأنا أيضاً أقول له نعم ولكن ماظهر للعين كان قد مر بغربال العشق والوجد وإعادة التكوين ، أقول لهم إن الواقعية لاتعني إستنساخ الكائنات بأي شكل من الأشكال ، ولكن السؤال المعلق والذي أريد أن أوجهه إليك على عكس الحوارات المتبعة هو مامهمة الناقد التشكيلي ؟
فرز القوي من الضعيف ؟
رسم الافق الذي لم يكتشفه بعض الفنانين ؟
إضاءة التفسيرات التي لايعرفها الفنان نفسه ؟
الوصول بالقارئ إلى سر المهنة ؟ إلى مابعد المرئي ؟
محاولة إيجاد مدرسة تجمع عدداً من الفنانين ؟ 
ماذا يواكب عصرنا ؟
لماذا نرسم ولمن ؟
بحث في معادلة الإنتماء والإلتزام ؟
ما فائدة الفن للإنسانية ؟
او لمجتمع معين ؟
غريب: يقول الشاعر الإنكليزي روبرت براونينغ : يمكن للمرء أن يفعل ما يريده في الفن بشرط أن يحرص على أن لا يعجبه ما أنتجه .
هل أصاب روبرت .. إلى أي حد ؟
و أين عنايت عطار من مقولته ؟
هل يعجب بنتاجه .. أم ماذا ؟
عنايت: أما بالنسبة لي ، أو لو كانت الأسئلة هذه موجهة لي أنا لكان الجواب : إن أرضيت نفسي أعتقد إني وقتها أكون قد أرضيت الجميع ، لقد قلتها قبل ان توجه لي هذا السؤال ، قلت لو إكتفيت بما أردته بلوحة لتوقفت ، ولا يعني أن يكره الفنان ماصنعه ، و الشاعر هنا هوأيضا يومئ لإستمرار الابداع
وإعادة المحاولة ، وهكذا لابد إننا نطور خبراتنا ولو لم نتوقف عند آخر لوحة ،و بالتالي طبيعة الفن بالرغم من خصوصيته فإنه كوني لاحدود لتقيمه أو تصنيفه ، ولكنني هنا أريد أن أوجه المتلقي إلى أن يعيش اللوحة ، ويعيش المعزوفة لا أن يستغرق في التفسيرات …
يتبع


شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عصمت شاهين الدوسكي

 

ربما هناك ما یرھب الشاعر عندما یكون شعره تحت مجھر الناقد وھذا لیس بالأمر الحقیقي ، فالشاعر یكتب القصیدة وينتهي منھا لیتحول إلى تجربة جدیدة ،حتى لو تصدى لھ ناقد وبرز لھ الایجابیات وأشار إلى السلبیات إن وجدت ، فلیس هناك غرابة ، فالتحلیل والتأویل یصب في أساس الواقع الشعري ،وكلما كتب الشاعر…

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…

ربحـان رمضان

بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه ” حلم الأمل ” .

قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في…

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…