حوار مفتوح مع العاشق للحياة و الفن عنايت عطار (15)

أجرى الحوار: غريب ملا زلال 

غريب: قال عبدالرحمن مهنا إن جيله من الفنانين التشكيليين السوريين (و أنت منهم) لم يتمكن من صنع هوية فنية تخصه ، لعدم الثقة بالنفس أولاً و نزوعهم نحو الغرب الذي يصادر أفكارنا ، رؤانا ، منهجنا ..حسب تعبيره ، باختصار و كأنه يريد أن يقول بأن الذي لا يبدأ من هنا (وطن كمكان) تبقى هويته بعيدة عن الإبداع نسبياً …أترك الرد على هذه الإشكالية لعنايت الذي قد يكون خير مثال يناقض مقولته و لو إلى حد ما .
عنايت: و أنت كناقد كيف تراني ؟
ثم إن صديقي عبد الرحمن لا أعتقد أنه يخصني تحديداً على الأقل و ليس كبرهان لتبرئتي حين أرى الغربيين و هم يعتبرونني حاملاً عفرين على ظهري أينما حللت ،
 ولكن على العموم نعم هناك من انبهر بما يأتي من الخارج ، مثلما يقولون زمار الحي لايطرب ، ثم إن الغرب نفسه لو لم يأخذ بكل التجارب العالمية فمن أين له هذا الكم الهائل من التنوع والازدهار ، مع التشديد على كلمة التنوع , لقد انتهى تماماً التصنيفات المدرسية كالانطباعية والتعبيرية والتجريدية بحيث نرى ضمن لوحة تجريدية فسحات واقعية وضمن الواقعية نفسها فسحات تجريدية ، و بالتالي أعتقد أن نظرة الصديق الفنان عبد الرحمن مهنا بائتة بعض الشيء ، وأنا أعرفه كيف كان يطلع على ما يجري في العالم من حوله ، ودعني أقول له إننا اليوم في عولمة صارخة ضيعت في طياتها كثيراً من الهويات والتقييمات, وبكلمة أخيرة في ذلك أقول إن أعمالي لا تحتاج لأية تفسيرات لوضوحها ومقاربتها لدرجة أننا نرى جل أعمالي وكانها عمل واحد.
غريب: هو لم يقصد عنايت ، بل يتحدث عن جيله كله ، و أنا معك و أدرك تماماً ما حملته معك إلى الغرب ، الحمل الذي لم يتركك بعد ، بل رسم لك مشروعاً عذباً و تيمة سنأتي إلى ذكرها لاحقاً .. حديث مهنا حديث عام ، و أدرك رأيك المضاد ، و لهذا أحببت أن أسمع ردك الانفعالي، و مايقوله يدعو للانفعال نوعاً ما 
عنايت: ربما حتى يكون معه بعض الصواب عموماً ، وليس تحديداً ، ولكن هنا أريد أن ألفت نظر القراء بأن استعارة الأدوات تختلف عن استعارة الموضوع ، أو عن الهم التشكيلي الصرف ، فإن أردنا أن نصنع سيارة مثلاً، لابأس أن نستعير المخرطة والكومبيوتر و أفران التذويب ، و إن كنّا في بيئة جبلية أو جليدية أو صحراوية ، فلابد من أخذ البيئة و ظروفها بعين الاعتبار ، أو أن نأخذ خيط الحرير ونصنع منها قمصاناً ترد عنا أشعة الشمس الملتهبة ، و هذه حال الدنيا ، حين كانت الفلسفة في أيام الاندلس متطورة أخذ منها الغرب ، حتى أنهم خذوا بدايات الطب والتشريح أيضاً… مع إنني كما تراني لم أتنكر يوماً لهويتي ، ولكن على العموم أرى أن العالم بأسره اليوم ليس إلا قرية صغيرة بفعل الانترنيت والتجارة والمطارات والمعارض العالمية حتى للفنون التشكيلية ، لم تعد هذه تهمة يا صديقي, اليوم إن كنت بأحد الصفوف الابتدائية في أية بقعة من العالم ، وسألت من يعرف بيكاسو ؟ فسترى أن أغلب التلاميذ سيرفعون أيديهم ، و الوعي الإنساني في تطور نحو التقارب في المأكل والمشرب والحياة اليومية ، ولا بأس في التقارب في أنماط التعبير أدباً و فناً أو أي إبداع آخر ، وقد سمعت من الكثيرين ممن يزورون معارضي إذ يقولون : بالرغم من اختلاف البيئة والملامح نحسك قريباً منا ، و نستطيع أن نقرأ رسائلك ، ونتذوق ألوانك
فهل هذه سلبية للفنان ؟ أم مواكبة لروح العصر والتطلع الإنساني الشامل رغم الخصوصية , فنتذوق أشعار نيرودا، ونغمض أعيننا و نحن نقرأ رائعة لمالارمية الشاعر، و كذلك نرى في الغرب ترجمات لكل من محمد بنيس وطاهر بن جلون ومحمود درويش و نزار قباني القباني … إلخ 
العالم قريتنا الصغيرة يا صديقي وكردستان بيتنا 
والعرب والفرس والأتراك جيراننا … 
يتبع

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…