حوار مفتوح مع العاشق للحياة و الفن عنايت عطار (16)

غريب ملا زلال

غريب: دعني أعيدك إلى نسائك ، إلى ذلك الإصرار العذب و الجميل على الإشتغال عليهن بتيمة كادت تنوب عن توقيعك على العمل ،بتيمة تخصك تماماً ، و تخص العوالم التي تنبض بك و تنبض بها .. لماذا هذا الإصرار و كأنك تجزم به الحضور الأكثر رحابة لإمكانياتك التعبيرية ، من أين جاء هذا الإصرار ، و أنت ترفض تطليقهن و دون أن تلتفت إلى غيرهن و أنت غارق في بلد يعرف بجمال نسائها و عطرهن الذي لا يقاوم ..؟
عنايت: نسائي هن ملائكة الحنين ، زرافات و فرادى ,,كلما تعمقت غربتي عدت إلى مرابع العشق ,,,إلى جمهرات النوررز والأعراس ، والمواكب ، وحصاد الزيتون …إلى ابتسامة أمي ودمعتها الأخيرة ، إلى تلك البراءة النقية ، البسيطة و البعيدة عن
 التكلف ، إني أرى فيما أفعله هو إعادة لعذرية الكون وطهارته ,,,, ثم إنك تقول لي عن فرنسا إنها بلد الجميلات ؟ فالجمال يا صديقي لم يكن يوماً مرتبطاً بالسفور وعري الأبدان ، ولا بأناقة المظهر أو بالعطورات ,, إن للشرق سحره كما يتفق مع هذا القول أغلب المستشرقين ,,فلماذا أتردد وأنا القادم من الشرق ..من هناك ؟ ولماذا أخلع عني ذاكرتي ؟
وأنت خير العارفين بأن الذاكرة المستعارة لا تنتج فناً اصيلاً ، ومع ذلك لم أقف يوماً بعيداً عن تجارهم ومدارسهم من حيث البناء والتلوين والتشكيل فإن طلبنا من فنان صيني أن يرسم إنسان الكهف حتماً سيرسمه على هيئة الصينيين ، وكذلك الاسكندينافي أو الفارسي أو الكردي ، إن الأساليب والتقنيات ما هي إلا أدوات للتعبير لا تغير في الهوية بشيء ، ثم إنني و بهذه الطريقة وعبر ماتوصلوا إليه على مر القرون من تقنيات أقدم لهم رسالتي مقروءة بيسر دونما خسران أو تكلف قد يربك المتلقي ، و ما الذين كرسوا آلاف الأعمال الفنية عن السيد المسيح إلا مثال تاريخي على ذلك ,,,,, نستنتج من ذلك إنهم أقرب إلى رؤيتي في المنظور العام ، والذي يرتكز على أن الفنان يسقط ذاته على العالم الخارجي أو يجسده كما يراه هو ، إن المراة التي تتصدر أغلب أعمالي هي خارجة من ذاتي وليست هي التي أراها هنا كل يوم ، في الأسواق ، في القطارات ، في الطرقات العابرة ، في المعارض ، في المقاهي ، و كثيراً ما أنادي بعضهن من الصديقات
يا أمينة أو يا جميلة ,يانسرين
يا خجيييييييييييييي
وهن يضحكن عارفات بما اقصد
ولو كانت دعابة مارقة .
غريب: مشروعك الجمالي الذي تشتغل عليه يرتكز على صخرة صلبة ، صلبة بما تملكه من موروث شعبي ، كردي متنوع ، صخرة وقفت عليها متحدياً منذ عقود طويلة و أنت تسرد ملاحمها ، صخرة قد تكون بؤرة الفعل في هذا التوالد اللوني لديك .. عنايت عطار إلى يمضي بمشروعه ؟
عنايت: مشروعي برمته هو مايحركني بإستمرار دون سابق إصرار أو تصميم إذ أراني بحلم أو برحلة في ذاكرة عميقة أو رفة جفن أو هاتف من بعيد ,,,,ذلك ماتتكون منه خميرة إنغماسي وتورطي لربما أظهر مابداخلي إلى النور ,,بمعنى أنه ليس لدي كروكيات أو دراسات أو حتى إصرار عقلاني صرف لتبني مشروع تشكيلي بعينه فإن المشروع الكبير لدى الفنان على الاقل بالنسبة لي هو أن أترجم ذاتي ، و أقول هنا إن كنا صادقين حقاً فسيكون بإستطاعتنا التأثير على الآخر إن كان عابراً أو متلقياً أو خبيراً بالأعمال الفنية ,,,,,
إذن ماذا لو سألتك ؟ هل تريدني أن أقف في منتصف الطريق ؟ وأسلك طريقاً آخر ؟ إتجاهاً لايعنيني بشيء ؟ هل أستعير حلماً متصنعاً ، حلماً يربكني قبل أن يربك الآخرين ؟ هل أقوم برقصة لا أجيدها فأسقط في منتصف الحلبة ؟
أنا كمن يرقص الغوفندية ويغني درويشي عفدي ويبكي على مزار ممو وزين ,, بمعنى إن المقاربة الكردية ليست تبنياً سياسيا ولا خياراً إجتماعياً ، إنه قدري ,,, قدرنا أيها الصديق الجميل ,, إني أرى في ذلك نشوة التقرب من كل الأجناس ، و الأعراق بلون وجهي وكثافة حاجبي وثوب أمي وألوان الزهور والعشب وشفافية الينابيع التي وإن فارقتها فهي لاتفارقني ,,, مشروعي يا صديقي هو أن أعطي الناس ما أملك ، ما يجيش في خاطري وكل هذا دون أن أنكر عطاءات الآخرين وحتى خياراتهم العقلانية أو سابقة التصميم كمشروع فني ولكنني أشبه بالأطفال مطلقاً عفويتي وإبتسامتي وحزني وعشقي وصلاتي فلا أظن أني لو تخليت عن لوني فسيتخلى اللون عني ، في النهاية أقول إن مشروعي هو من يتملكني ولست أنا من أصر عليه
لوناً وأسلوباً ، فرحاً وحزناً ، نوراً وظلاً ، وضوحاً وسراباً ، مع إنني رسمت الكثير من الورد والفاكهة والبحر والطبيعة ، لابل رسمت حتى مدناً برمتها في ملتقيات عالمية ومحلية ، و ما أردت لأي منها أن تكون مشروعاً ,, فإن كلمة الفنان بالنسبة لي هو الذي يمتلك كل الأساليب والتقنيات ، و عليه أولاً أن يمتاز بخصوبة كما العاشق الذي يرى الجمال لدى الكثيرات من النساء ولكنه يذوبهن جميعاً بامرأة واحدة
أو كعازف البيانو الذي يسمعك على آلته نفسها مقامات العود والكمان والطنبور والناي … إلخ ، إن المقام الذي أعزف علية هو ترنح زيتونة على سفح جبل في عفرين ، صفير ريح يهز سنابل الجزيرة ، و رقصات النوروز في جبل كوكب ، و هدير لالش وهو يسقي الياسمين والنسرين في صدى الدعاء…
يتبع 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…