كمال جمال بك
بدءاً من عنوان المجموعة الصادرة عن دار فضاءات للنشر والتوزيع في عمّان-الأردن عام2017، يضعنا الصديق الشاعر محمد علاء الدين عبد المولى (بولس الحمصي) في مواجهة العديد من الأسئلة، هل المدفن هو المصير المتبقّي الذي لم يعد سواهُ يجمعنا؟ أم أنَّهُ يستدعي نقيضَه في إثبات هُويَّة من يعرفُ بفطرته أنَّ الوطن المأمول حرّاً وكريماً لا تستقيم أركانُه إلَّا على واحديَّةٍ متعدّدة، إذ ذاك يصيرُ الواحدُ خلافاً لحلفان الفراق الشرعيّ، ولصيقاً بحـلفان اليـمـين الشّعـبي: “واحد..واحد..واحد”؟ هل جاء الاختيار هنا ليشير إلى أهميَّة القصيدة البانورامية والأثيرة للشاعر التي حملت العنوان نفسه؟ أم هي محاولة منه لاشعال رماد الذاكرة بفتيل الكارثة السورية المفتوحة؟ وإذا ما تسلّل سؤال النفي حول ماوراء الخطاب، أي أن الشعب السوري ليس واحداً، فإنَّه يتداعى في المجموعة سطراً..سطراً، ونبضاً..نبضاً:
” سبحانَهُ شعبي ، يؤلّفُ من نسيج المستحيلِ ثيابَ أنهارٍ
ويُلبِسُها لأجسادِ الحقولْ
سبحانَهُ شعباً تنزَّل مُصْحَفاً
وأَضافَ للقُرَّاء والتأويلِ أَسبابَ النزولْ ” (24)
زمنيّاً تمتدُّ كتابة القصائد بين عامي 2011 و2014 على 378، وفنيّاً تنتمي إلى القصيدة العربية الحديثة بشقَّيها العمودي والتفعيلي. وتتضمن ثلاثة أقسام: الأول فيه تسع وعشرون قصيدة، أمّا الثاني فحمل عنوان “خماسيَّات الرعب” كقصيدة مفردة، في حين حمل القسم الأخير عنوان ” قصائد-شظايا قصيرة (بلا عناوين).
وعلى الغلاف الأخير كتب الناشر: إنَّها ” قصائد تقرأ حركة الرُّوح السوريَّة منذ 2011 حتَّى تاريخه، بما يحمل ذلك من بدايات أمل بتغيير عميق، سرعان ما انقض عليه الكثيرون من الداخل والخارج. وبين ضوء البدايات ونفق اليأس المعتم، تدور هذه القصائد التي هي جزء مما كتبه الشاعر السوري عبد المولى في هذه المرحلة”.
في المتن تحضر الكارثة السوريَّة جريمةً..جريمةً، على مشرحة الشّعر، وعليها كامل آثار موصوفة. وتشهد المدن بتفاصيلها على الخراب من حمص وحماة بحاضرها وماضيها، إلى حلب وحوران والشام، وكل بقعة سوريَّة توشَّحت بالسَّواد:
وأنا أمام بحيرةٍ دمويَّةٍ تتجمَّعُ الجثثُ الصغيرةُ في دوائرها
فتكبرُ ثم تكبرُ ثم تُغرقُ عالماً أَعمى
وتبصقُ فوقَهُ نافورةً من أرجوانْ
وتقول: قبرُ حضارةٍ عرجاء أنتَ وأنتَ رقصُ الأفعوانْ” (58)
إلى جانب هذه العتمة يبسط الشاعر بحسّه الإنساني ووعيه النقدي مساحات من الأمل، فيلتفت إلى النسيج الاجتماعي الذي طاله التخريب عبر عقود، فيكتب “القصيدة الطائفية” وفيها كل المكونات إلا الطائفية، كما يكتب قصيدة ظريفة بعنوان “أسواق”.. وإلى الجزيرة يمضي حيث الخابور خلف ضفافه منكسراً، فيطبطب الشاعر على كتفيه:
” يا جدّي الخابور ث! إنّي ساجدٌ
في ضفّتيكَ وقبلتي آشورُ ” (173)
ومن الخابور يضسء عبد المولى قناديل ” القصيدة الكردية” بشغف محبّ، وجمال عاشق، ودلال موسيقى، لنعيش معه التفاصيل الحميمة بين الإنسان وتراثه المتجذّر في الجبال والأجيال:
الكورديّ أخي
وأصابعه فوق الأوتار تؤسس لي بيتاً للرّوحِ
وتفتح باباً لا بوَّاب عليهِ ولا حرّاسْ
الكورديّ يضمُّ الطّنبورَ الحنَّانَ كعاشقةٍ لا حدّ يحدُّ لياليها
لا سورَ يسوّرها حين ترنُّ تئنُّ تحنُّ تجنُّ تمنُّ على قوس الحبّ بكل الأقواسْ” (113)
في المدفن السوري واحد توثيق شعري للذات والعام لشاعرٍ تزاملتُ وتجربته منذ بداياتها، ومازلنا على الوداد متجاورين في منفانا، كذلك مازالتْ تلك المفردة التي كتبتُها خلال مراجعتي لمجموعته الأولى حاضرةً أيضاً، مع ازدياد شحنتها. (القهر) مفتاح رئيسيّ للدخول إلى عوالم عبد المولى الشعريّة. بل تكاد كلُّ كلمة عنده إذا لمسْتَها تصرخ قهرا.
الأعمال الشعرية المطبوعة:
1-مراثي عائلة القلب– اتحاد الكتاب العرب– دمشق– 1990.
2-ذاكرة لرحلة الأنقاض–اتحاد الكتاب العرب–دمشق– 1992.
3-مدائح الجسد– دار الذاكرة – حمص– 1994.
4-وقت لشهوات المغني– اتحاد الكتاب العرب–دمشق– 1995.
5-تراجيديا عربية–اتحاد الكتاب العرب– دمشق– 1998.
6-أقلُّ فرحاً– اتحاد الكتاب العرب– دمشق–1999.
7-في حداثة الروح –وزارة الثقافة– دمشق–2000.
8-عرّاف الجحيم–وزارة الثقافة– دمشق–2000.
9-فُـتوحُ الفرح–اتحاد الكتاب العرب– دمشق–2001.
10-على ضريحِ السّراب– اتحاد الكتاب العرب– دمشق–2004
11-أربعون الحصار– وزارة الثقافة– دمشق– 2005.
12_ بالذي هو أخضر- 2014.
الأعمال النقدية المطبوعة:
1-من المشهد الشعري نهاية القرن العشرين في حمص- (بالتعاون مع دار الذاكرة) حمص–2000
2-دفاعاً عن الشاعرِ نزار قباني– دراسة– إصدار خاصّ– دمشق– 2002.
3-وهمُ الحداثة (مفهومات قصيدة النثر نموذجاً)– دراسة– اتحاد الكتاب العرب– دمشق– 2006.
وصدرت له ثلاث كتب شعر مترجمة إلى الإسبانية.