كونى ره ش
لكل ثقافة مراحل متنوعة, والثقافة الكوردية كغيرها من ثقافات الشعوب عبرت مراحل مهمة ومثمرة عبر التاريخ.. ولتسليط الضوء على هذه المراحل لابد من الرجوع إلى بدايات الأدب الكوردي المدون والتي تعود إلى قصائد بابا مردوخ الهمداني الذي عاش حوالي عام800 م, وبعده بابا طاهر الهمداني الذي توفي حوالي عام 1010م, هذا ما تمكن منه الباحثين والمطلعين على الثقافة الكوردية حول الأدب الكوردي المدون باللغة الكوردية, ويمكن اعتبار هذين الشاعرين في المرتبة الأولى بالنسبة للثقافة الكوردية المدونة.
في المرحلة الثانية يمكن اعتبار الشاعر علي حريري والشاعر ملا أحمد الجزيري والشاعر فقه طيران والشاعر أحمد خاني صاحب أول بيان قومي كوردي وغيرهم من الشعراء المعاصرين لهم.. كل هؤلاء الذين ذكرناهم دونوا قصائدهم الشعرية باللغة الكوردية, لكننا لم نطلع على نثرهم حتى الآن.
أما النثر الكوردي المدون فقد بدأ في المرحلة الثالثة, هذه المرحلة التي تبدأ بالشيخ محمود البايزيدي منذ عام 1860م, عندما ترجم كتاب شرفخان البدليسي من الفارسية إلى الكوردية وقام بجمع الكثير من التراث الكوردي الشفوي, بالإضافة إلى مساعدته الكبيرة للمستشرق الروسي اسكندر جابا، وبه بدأ النثر الكوردي.. قد يكون هناك ممن سبقوه في هذا المضمار، إلا إننا لم نكتشفهم بعد؛ ومن بعده بدأ الشيوخ والملالي الكورد بكتابة النثر الكوردي عبر اهتماماتهم الدينية مثل المولد النبوي, و كتاب نهج الأنام للملا خليل سيرتي، وبهذا الشكل ظهر النثر الكوردي على الساحة الأدبية.
أما المرحلة الرابعة التي بدأ بها النثر الكوردي بالانتشار بشكل أوسع مما كان عليه ومسايرة لآداب الشعوب المجاورة والمدونة في ذلك الوقت هي صحيفة (كوردستان : 1898 – 1902), تلك الصحيفة التي أصدرها الأمير مقداد مدحت بدرخان في القاهرة، حيث صدر منها 31 عدداً وبها دخل النثر الكوردي مرحلة جديدة ومميزة أسوة بالآداب النثرية للشعوب المجاورة… وأعتبر صحيفة كوردستان ثورة ثقافية في المجتمع الكوردي وبها دخل الكورد مرحلة جديدة من النضال ونقلة نوعية للمجتمع الكوردي الذي دخل أبواباً جديدة, مبرهنين للعالم أجمع أنهم من الشعوب التي تملك ثقافة عريقة ولغة قابلة للتعبير عن مكنونات النفس من آمال وآلام…
بعدها، أي بعد صدور صحيفة كوردستان، توالت المطبوعات الكوردية بالصدور في استانبول والقاهرة وإيران مثل: صحيفة (كوردستان) التي أصدرها الأمير عبد الرزاق بدرخان مع سمكو آغا الشكاكي عام 1913م كذلك (روزى كورد) التي أصدرت عام 1913م, ثم تغير الاسم إلى (هتاوى كورد), وصحيفة (يكبون) 1913, وصحيفة (كوردستان)، التي أصدرها الأمير ثريا بدرخان عام1917 في القاهرة, و كانت خاتمتهم مجلة (جين)، عام 1918م.
أما المرحلة الخامسة فهي أيضاً مرتبطة بالنثر, إذا كان النثر الكوردي المدون بدأ بالشيخ محمود البايزيدي – 1860م, ولاحقاً بصحيفة كوردستان كما ذكرنا.. إلا إن النثر الكوردي لم يبقى على كلاسيكيته المعروفة بالأحرف العربية، ففي عام 1932م، أخذ النثر الكوردي المدون منحى آخر وذلك عبر استخدام الأبجدية اللاتينية من خلال صحف ومجلات البدرخانيين وعلى رأس تلك المجلات, مجلة (هاوار), التي أصدرها الأمير جلادت عالي بدرخان في 15 أيار 193م، بدمشق, وتلاها بمجلة (روناهي) عام 1942م، اما صحيفتا (روزانو) عام 1943م، وصحيفة (ستير) عام 1943م، فقد أصدرهما شقيقه الأمير كاميران بدرخان في أربعينيات القرن العشرين في بيروت.. كتب ونشر في هذه الصحف والمجلات العديد من المثقفين الكورد, سواء كانوا من كورد سوريا أمثال: مصطفى أحمد بوتي، مصطفى شاهين، ملا عبد الهادي, تيريز، ملا أنور وملا أحمد نامي وغيرهم.. ومن شمال كوردستان: قدري جان، جكرخوين، عثمان صبري، د. نور الدين زازا ود. أحمد نافذ بك زازا.. ومن جنوب كوردستان: ملا أنور مائي، كوران، وبيكس، عبد الخالق أثيري، بيروت، وشاكر فتاح.. ومن شرق كوردستان شاركهم في الكتابة الجنرال إحسان نوري باشا الذي كان يقيم في طهران.
بهذا الشكل دخل النثر الكوردي مرحلة جديدة ومتطورة, أتاحت لجميع الكورد فرصة الكتابة بالأبجدية اللاتينية في كتاباتهم الشعرية والنثرية, إلا إن تقسيم كوردستان الجغرافي بين دول المنطقة كان لها دوراً سلبياً في عدم وصول المطبوعات الكوردية من قسم إلى آخر وبالتالي عدم تعميم هذه الأبجدية بين كورد الجنوب والشرق.. فقط, تم استخدام هذه الأبجدية اللاتينية بين كورد سوريا ولبنان وتركيا.
أما في جنوبي كوردستان ومع وجود العديد من الشعراء الكبار والبارزين بينهم, إلا إن الشاعر نالي والشاعر حاجي قادر كويي يعتبران كالشاعرين الجزري وخاني بين الكورد في الشمال, وبدأت صحافتهم النثرية بصحيفة بيشكوتن وصحيفة بانكي كوردستان ومجلة كلاويز وصحيفة روزي كوردستان وهذه الأخيرة كانت لسان حال حكومة الشيخ محمود الحفيد وجميع هذه الصحف وغيرهما من المطبوعات بالأبجدية العربية, وما زالت هذه الأبجدية معممة بين الكورد في كوردستان الجنوبية والغربية.
واليوم نرى إن الأدب الكوردي بجميع أنواعه دخل مرحلة جديدة من التطور والازدهار أسوة بلغات شعوب المنطقة, إذ يتحلى بجميع الأجناس الأدبية من الشعر والقصة والرواية والمسرحية.. ولكن مما يؤسف له إن اللغة الكوردية بقيت أسيرة بين أبجديتين العربية واللاتينية، ويصدر بهاتين الأبجديتين عشرات الصحف والمجلات والكتب.. حبذا لو يكتب الكتاب والأدباء بالأبجدية اللاتينية فقط, كونها مناسبة أكثر لصوتيات اللغة الكوردية، ومن ناحية أخرى تستخدم هذه الأبجدية في التكنولوجيا الحديثة: الكومبيوتر والانترنت وباللغة الواحدة والأبجدية الواحدة تبرز وحدة الكورد وكما قال الأمير جلادت عالي بدرخان: (وحدة الكورد في وحدة لغتهم والخطوة الأولى في وحدة اللغة هي وحدة الأبجدية..) .