أخلاقٌ هزيلة وقدراتٌ هائلة

ابراهيم البليهي 

يعود هزال الأخلاق قياسا بالقدرات إلى أن القدرات جاءت متلائمة جدا مع طبيعة الإنسان في حبه للحياة وولعه بالسيطرة وهوسه بالمجد وتزاحمه على القيمة والمكانة الاجتماعية ….
ولكن الإنسان يغفل عن هذا الخلل الفظيع فلا ينتبه إلا بعد الجوائح المدمرة؛ فبعد الحرب العالمية الأولى سادت في العالم نظرة تشاؤمية عميقة يائسة عن طبيعة الإنسان وصار كثير من المثقفين والأدباء والكتاب والعلماء ينظرون إلى الإنسان ككائن ميؤوس من صلاحه ثم جاءت الحرب العالمية الثانية لتعمق اليأس  ….
وانبرت العلوم الإنسانية لتؤكد الطبيعة العدوانية للإنسان؛ علم البيولوجيا، وعلم النفس، والتحليل النفسي. لقد عادوا يفحصون طبيعته البيولوجية واستجاباته النفسية؛ ليؤكدوا أنه شرير وعدواني  بطبيعته  …
وعاد المؤرخون إلى التاريخ ليجدوه سلسلة من الصراعات والحروب والغزو والسلب والنهب والاغتصاب والانتهاك واستعباد الإنسان لأخيه الإنسان فكان الناس يُعتبرون أسلابا وكأنهم أشياء أو حيوانات يباعون في الأسواق كما تباع البهائم  ….
وأمام طوفان التشاؤم انبرى علماء وباحثون ومؤرخون يعيدون الثقة بالإنسان وأنه قابل للاصلاح فقد حقق خلال تاريخه تقدما هائلا في مجالات المعرفة والتقنيات حتى بلغت وسائله حد الإعجاز ….
المؤرخ جيمس هنري بريستيد حاول بث الأمل وتأكيد قابلية الإنسان للترقية الأخلاقية؛ فعاد إلى التاريخ وانتهى في كتابه (فجر الضمير) إلى أن الإنسان أمضى أكثر من مليون سنة وهو يشحذ أدواته ويطور أسلحته لقد كان في صراع دائم مما جعل طاقته موجهة تلقائيا للصراع والتنافس والتدافع بينما لم يظهر الحس الأخلاقي إلا منذ خمسة آلاف سنة وحتى خلال هده المدة القصيرة كانت الأخلاق محلية ومنحازة فالعدل واجبٌ ضمن القبيلة أو العشيرة أو المجتمع لكن التعامل مع المجتمعات الأخرى مغاير تمامًا فهو عدواني  … 
وهو يرى أن حداثة ظهور الحس الأخلاقي مؤشر مهم يؤكد إمكانية تنميته وتعميمه ليكون قويا بدلا من هزاله وعالميا بدلا من كونه محليا …..
المعارف والتقنيات والوسائل المتطورة هي قدرات تمكين فلابد من لجمها بالأخلاق …. 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

شكري شيخ نبي

 

يا ليل أما أضناك هرج السمار

وانت تشيح مرودك عن الإصباح

 

أما آن للياسمين المعرش على

لسان اللظى أن يغفو عن البواح

 

أنا وانت و قنديل البدر ساه

وهزار يشدو الشجى كأنه المزاح

 

صاح يا نديم الصفا والليالي

لا تحرم شفاه الأقداح من الراح

 

دع الكؤوس تدنو للأقدار بنا

فلا إنفكاك هرم ولا لجم السراح

 

أراني والراحلين في مطي…

خالد إبراهيم

نيسان: الممرُّ بين وجهين، بين صراخٍ وتوابيت

نيسانُ ليس شهرًا، بل شقٌّ في زمنٍ يُجيدُ الانهيارَ على مهل.

كأنّ اللهَ، وقد أرهقه التوازنُ، قرّر أن يُفلت الزمامَ في هذا الشهرِ وحده، فجعلني بابًا تُطرَقه الحياةُ برِضيعٍ يشبهني، وتدخلهُ الوفاةُ بأمٍّ كنتُ أُشبهها… ثم انكسرتُ.

نيسان…

أأنتَ بابُ الولادةِ أم نعشُها؟

أأنتَ طَرقٌ سماويٌّ على نافذةٍ كنتُ نائمًا فيها، أم…

علي شمدين

– 1 –

يعد صدور العدد الأول من جريدة (KURDISTAN )، الذي أصدره الأمير مقداد مدحت بدرخان في القاهرة في (22 نيسان 1898)، بمثابة البداية الحقيقية لإنطلاقة مسيرة الصحافة الكردية التي أخذت على عاتقها خلال أكثر من قرن من الزمن- وبإمكاناتها المتواضعة- مهمة إيقاظ الجماهير الكردية وتعريفها بقضيتها القومية والمساهمة الفعلية في بلورة وعيها القومي…

عن منشورات رامينا في لندن، صدرت حديثاً رواية “الباستيل الصغير” للكاتب الكردي السوري عبد القادر سعيد، في عمل سرديّ يمزج بين التخييل الروائي والتوثيق التاريخي، حيث يغوص في أعماق التجربة الكردية مع القمع، السجون، والخذلان الوطني، عبر بناء سردي محكم يذكّر بسجون الباستيل الفرنسية، لكن بلغة محلية تنبض بالألم السوري والكردي.

تتناول الرواية، الصادرة في طبعتها…