ثنائيات متكاملة

رقية حاجي
1-في الحب:
الحب لا يمنحنا السعادة، وعلى العكس، فقد يكون الشقاء بحد ذاته، فلا الليل يطيب نومه، ولا النهار يصفو صحوه، إذا اشتعلت الغِيرة فيه فتّتت الكبد، وإذا تفجّر الشوق منه أحدث في الروح فجوات لا تُسد..
لكنه جميل، الحب جميل، يمنحك سبباً لتخرج من ذاتك، وتصحح أخطاءك، يحوّل عيوبك إلى مزايا، وتفاصيلك الصغيرة إلى هدايا، يعيد شغفك بالأشياء، ويمنحك عيون طفل لا يشبع من رؤية ما يحب..
يجتثّ جذور الأنانية منك، فالطيب في فم الحبيب أطيب، والجميل على الحبيب أجمل، يُشفي الذاكرة من جروح الماضي، ويمنحه الأمل في المستقبل، تخضّر به النفس، وتزدان به الدنيا، عذاباته بلسم، وشقاءه نعيم، مرّه عسلٌ، و ناره سلام..
قد لا يمنحك الحب السعادة في مفهومها البسيط، فيما تعارف النَّاس عليه من ابتسامة في الوجه وراحة في البال، لكنه يردّ إليك بعضاً منك، وفِي عودة ضلعك، وجع الانتظار وفرحة الالتئام..
2- لغز السعادة
أبحث عن سعادتي كمن يبحث عن إبرة في كومة قش..
الطريق معبد بالوحشة، والسماء ملبدة بالهموم، وكلّما توقفت عن البحث، حاصرني الخوف، واستبدّ بي حزن قديم.
لكن صوتاً خافتاً يصدح بعد التعب، أتبعه بحذر..
اقترب فيزداد حدّة، أتوقف لالتقاطه فيخبو،
أركض فيصدح عالياً، أهمّ به فيهرب منّي..
هل هناك أمل باللحاق به؟!
ذلك الصوت، السعادة، ربما؛ أو إشارة إليها، وقد يكون، لشخص أحبه، تاه مثلي في زحام مشاعره، أو لعله لقبيلة حيارى، جلاهم طوفان التمرد بعيداً عن ذواتهم..
أرتاح في ظلّ شجرة، أمسك بتلابيب روحي، فينخفض الصوت تدريجياً، ثم يأخذ إيقاعاً رتيباً..
وشيئاً فشيئاً، أدرك أنني وصلت، نقطة البداية من جديد، ولا صوت غير صوت أنفاسي يصدح في العراء..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبدالعزيز قاسم

(كان من المقرر ان اقدم هذه المداخلة عن “اللغة الشعرية في القصيدة الكردية المعاصرة ـ ڕۆژاڤا” في مهرجان فولفسبورغ للشعر الكردي اليوم السبت ٢٥ اكتوبر، ولكن بسبب انشغالي بواجب اجتماعي قدمت بطاقة اعتذار إلى لجنة إعداد المهرجان).

وهذه هي نص المداخلة:

من خلال قراءتي لنتاجات العديد من الشعراء الكرد (الكرمانجية) المعاصرين من مناطق مختلفة “بادينان،…

إبراهيم محمود

 

تلويح خطي

كيف لرجل عاش بين عامي” 1916-2006 ” وفي مجتمع مضطرب في أوضاعه السياسية والاجتماعية، أن يكون شاهداً، أو في موقع الشاهد على أحداثه، ولو في حقبة منه، إنما بعد مضي عقود زمنية ثلاثة عليه، دون تجاهل المخاطر التي تتهدده وتتوعده؟ وتحديداً إذا كان في موقع اجتماعي مرصود بأكثر من معنى طبعً، كونه سياسياً…

د. محمود عباس

حين يمرض الضوء، تبقى الذاكرة سنده.

قبل فترةٍ ليست بعيدة، استوقفني غياب الأخت الكاتبة نسرين تيلو عن المشهد الثقافي، وانقطاع حضورها عن صفحات التواصل الاجتماعي، تلك التي كانت تملؤها بنصوصها القصصية المشرقة، وبأسلوبها المرهف الذي حمل إلينا عبر العقود نبض المجتمع الكوردي بخصوصيته، والمجتمع السوري بعموميته. كانت قصصها مرآةً للناس العاديين، تنبض بالصدق والعاطفة،…

خالد حسو

 

ثمة روايات تُكتب لتُروى.

وثمة روايات تُكتب لتُفجّر العالم من الداخل.

ورواية «الأوسلاندر» لخالد إبراهيم ليست رواية، بل صرخة وجودٍ في منفى يتنكّر لسكّانه، وثيقة ألمٍ لجيلٍ طُرد من المعنى، وتشريحٌ لجسد الغربة حين يتحول إلى قَدَرٍ لا شفاء منه.

كلّ جملةٍ في هذا العمل تخرج من لحمٍ يحترق، ومن وعيٍ لم يعد يحتمل الصمت.

فهو لا…