عمر حمدي – مالفا المزمار الذي أبهر العالم و لم يطرب صعاليك الحي.. ست سنوات على ولادته الجديدة

غريب ملا زلال
” مزمار الحي لا يطرب “، مقولة شعبية تم و يتم تداولها جداً و في أكثر الأوساط الإجتماعية على إمتداد الشرق، و نستمر في رمي صاحبه بكل حجارة الله حتى يسقط، نحن قوم ينام الرب في داخل كل فرد منا، و ننسى أنفسنا، وحده الرب يستيقظ فينا، فنحس بأننا الرب ذاته، و بأننا ما إن نقول كن يجب أن يكون، لا نرى النجاح إلا في ذواتنا، فالمبدع نحن، و المميز نحن، و الذي يُحْيي العظام نحن، نحن الرب لا قامة يعلو أمام هاماتنا التي تنطح السحب و السموات، نعم نحن قوم لم نمارس أبجدية الحياة و لهذا نمسك من ياقة الناجح منا و نجره إلى القمامة التي نحن منها و التي باتت تنتشر بقوة و كثافة على إمتداد جهات الحي، نعم مزمار الحي لا يطرب قلناها كثيراً، و عزفنا عليها طويلاً و مازلنا نعزف، مقولة تقال حين يتمايز أحدهم عن أقرانه، و يبدأ ضوؤه بالسطوع في الأعالي، ويبدأ الآخرون من خارج الحي في تمجيده و تقديره، و يضعونه في المكانة التي تليق به، مكانة عالية مع أرفع الأوسمة،
 وحدهم أبناء الحي يجحدون في حقه، بل و يسعرون عليه كلابهم علها تنهشه و تنهش نجاحه و تعيده إلى ما كان عليه، إلى بيته الطيني المسكون بالفئران و العقارب (حسب قولهم)، إلى بيت فيه ينهال الأب ضرباً على أمه دون أن يعرف أو تعرف السبب، و عليه كلما شاهد أصابعه مغموساً بالألوان، يهاجمونه و يحاسبونه على كل شيء، نعم على كل شيء بما فيها طريقة مأكله و ملبسه و نومه ومشيته بل حتى في طريقة خرائه، الأهم أن يتم إصطياده و إن لم يكن الماء عكراً، هذا الحال ينطبق على سفيرنا في الأرض عمر حمدي / مالفا الذي إستطاع أن يقدمنا في كبرى المتاحف العالمية، فبدل أن نكرمه أكثر من الآخرين و نبين للآخر بأنه إنموذج عنا جميعاً، فهو يمثلنا في كل مكان يتواجد فيه، و بأن الحليب الذي رضع منه رضعنا نحن منه، فأعماله الآن تسرد حكاياتنا في أكثر متاحف الأرض و أهمها، فبدلاً من أن نتفاخر به، و بأن شعباً أنجب مالفا لا يمكن أن يقهر، فبدلاً أن ندعو إلى إقامة متحف له و بإسمه أسوة بالفنانين الكبار الذين باتت دولهم تعرف بهم، ويضم أعماله و مقتنياته و كل ما يتعلق به يأتي إبن الحي ليقول عن مزماره بأنه لا يطرب، و بأنه ليس أكثر من دهان تعلمها أثناء عمله في كتابة إعلانات السينما و بروشوراتها، يأتي ليرميه لا بحجرة بل بكومة أحجار، و بالعودة إلى ذلك إبن الحي فهو إما أن يكون جاهلاً بالفن و قيمته أو يكون من حزب سياسي لا يفقه من السياسة أبجديتها، لا يفقه غير التصفيق و المااااااااع الطويلة و هو يمشي خلف المرياع مبجلاً إياه دون أن يعرف إلى أين، أو يكون من فصيلة (الفن لا يشبع خبزاً) و بالتالي فهو بعيد أيضاً عن ماهيته و عن خالقه، أو قد يكون فناناً مغمورا أصبح له سنوات طويلة و هو على موائد أوروبية لم يسمع بإسمه إلا زوجته، و لم ينجز ما يتجاوز دروس فنية كان يأخذها على موائد الكلية، و إما أن يكون من باب الغيرة، فنحن أبناء الشرق نرمي الناجح بمليون حجرة حتى يسقط، لم نتعود على الإعتراف ببعض، هذا الإعتراف الذي يرفع من شأننا لا العكس، و لنقرأ ما قاله الآخرون عنه علّنا نصحى من غفلتنا، فقال عنه الدكتور في النقد و علم الجمال ديترشيراكة مدير متحف الفن الحديث في فيينا / النمسا : إن من الخطأ أن نتصور بأن الفن الأوروبي فقط بإستطاعته أن يصبح عالمياً، مالفا يثبت بجدارة، بالرغم من إنتمائه الآسيوي، بأن الفن قوة نابعة من الألم . و قال أيضاً : للوهلة الأولى للمتأمل لأعمال مالفا يشده هذا الفيضان اللوني المنساب من يده على اللوحات، و إلى أهمية هذا اللون و حركته و توزيعه مما يدفعنا لمقارنتها بأعمال كوكوشكا، و فان كوخ، و كيرستن في النمسا .
أما الناقد الإيطالي مارسيلو أفيتالي و الأستاذ في أكاديمية الفنون الجميلة في روما بإيطاليا فقال : خلق لنا مالفا مستقبلاً جديداً من اللون و الحب، بعيداً عن ذلك الإنحطاط الفني التي تشكو منه أوروبا، على حين قال عنه الناقد و الفنان التشكيلي الفلسطيني عبدالله أبو راشد : بأن الفنان التشكيلي السوري عمر حمدي يعد ظاهرة فنية تشكيلية سورية تجاوزت حدود الجغرافية السورية و الوطن العربي، لتحفر لها مكانة مميزة في ذاكرة الحركة التشكيلية العالمية، و رواد الفن و صناعه بإعتباره واحداً من مشاهير الفن التشكيلي المعاصر، و يقول الناقد و الفنان التشكيلي السوري أديب مخزوم : بأن عمر حمدي لا يمكن التعريف به إلا كواحد من أهم الفنانين المعاصرين و أكثرهم موهبة و قدرة على تجسيد الحركة الحية في الرسم الإنطباعي و التجريدي معاً، و هو يقدم عوالم جمالية تشكيلية حديثة تنتشلنا و لو للحظات من دوامة القلق و الإضطراب و المعاناة المتواصلة و يتابع مخزوم في مكان آخر : لم تكن المساحات البانورامية التجريدية مجرد إطار إستعراضي و إنما سجلت في فن عمر حمدي و بعد مشاركات عدة في تظاهرات فنية عالمية، أما الناقد التشكيلي الذي لا يموت صلاح الدين محمد فيقول : عمر حمدي في لوحاته لون يعيد في الأذهان عصر التألق في الفن العالمي و خاصة في الخمسين عاماً التي سبقت و تجاوزت عام 1900 حينما لعب اللون دوراً حاسماً في التشكيلات الحديثة، و يقول عنه الدكتور و الناقد و الأستاذ في كلية الفنون الجميلة بدمشق محمود شاهين : إن لم يكن مالفا أهم ملون في هذا العصر فهو حتماً من الملونين المهمين، و يقول أيضاً : عمر حمدي أصبح في رحاب العالمية، لقد حقق حلمه بالسفر و الإنتشار، أثبت وجوداً فنياً كبيراً في أكبر دول العالم . و يقول أسعد الكفري : عمر حمدي سفير الفن السوري إلى العالم، أما الباحث الدكتور سعيد الرفاعي فيقول : عمر حمدي فنان من سورية يدخل قائمة الفنانين العالميين، لوحاته سيمفونية تظهر آلامه الداخلية و آلام شعبه، إنه واحد من التجريديين الكلاسيكيين، و واقعية بلا ملامح، خصوبة في اللون، حركيّة المحتوى، داكنة الأجواء، و بنائية الشكل و تبدي السيدة سيلفيا سينجر مديرة إحدى صالات العرض في فيينا بنمسا أسفها لأن الولايات المتحدة الأمريكية أخذت عمر حمدي أكثر من بلدها النمسا، و تكمل : إستطاع عمر حمدي/ مالفا أن يرسخ إسمه في أكبر بوابات أجهزة الإعلام الغربية، و صدرت عن أعماله مجموعة كتب و كاتلوكات، و تقاويم سنوية، و ملصقات جدارية، كما دخل إسمه القاموس الدولي Who’s Who السويسرية.. و تقول أيضاً : أمام هذا الزخم الكبير للتجربة اللونية التي يتميز بها مالفا كواحد من أهم ملوني القرن العشرين و واحد من أكثر الفنانين إنتاجاً و تسويقاً في العالم، و يقول الناقد و الفنان التشكيلي سعد القاسم : بين أعمال عمر حمدي الواقعية و أعماله التجريدية خط غير منقطع لا يصعب على المتأمل إكتشافه، خط يمتد من تجاربه الأولى إلى أحدث أعماله و قوامه و إمتلاك بارع و مبدع للضوء و اللون يفسر من جهة أهميتها في فن التصوير و يبرر من جهة ثانية وصف عمر حمدي بأنه واحد من أهم الملونين في عصرنا، على حين يقول الدكتور سعد الدين الطويل عنه : عمر حمدي هذا المتأمل الدائم لكل شيء يمتص كل شيء و يفرز ما يريده، و هو واحد من القليلين الذين تمتلكهم أوروبا و أمريكا بشكل إستثنائي أو قسري، أو ربما لضرورة الحفاظ على المفارقة الزمنية و الثقافية، و معادلة الفن و اللافن، بين المعطية الإبداعية و المعطة الحرفية، و مع أن عمر حمدي يحاول أكثر من مرة الظهور بمجموعاته الكبيرة، مجموعة من اللوحات، كل لوحة منفردة تشكل بمجموعها لوحة واحدة كبيرة، هذا الظهور الذي يقدم فيه نفسه في المعارض الدولية، و الذي شكل بذلك إنتباهاً ملحوظاً في الأوساط الثقافية .
سنكتفي بهذه الآراء التي ما هي إلا غيض من فيض، ما هي إلا قطرات مما هطلت على حقول مالفا، فالغيوم كثيفة، و الأمطار بعدها كانت غزيرة ليس بمقدورنا أن نجمعها جميعاً هنا، بل نعجز نحن و المجلدات ذاتها تعجز عن ذلك، لكن فقط نذكر بأنه الفنان التشكيلي الوحيد الذي ينتمي إلى الشرق و ترد إسمه في قاموس “الفن التشكيلي العالمي” الذي تصدره مجلة فلاش آرت المعروفة، و أيضاً في قاموس الفنانين العالميين Art contem pain modial.
و أخيراً إذا كنّا جاحدين كأبناء حيّه كل هذا الجحود بحقه، فلم نقدم له شيئاً من مستحقاته الكثيرة في ذمتنا، حتى أننا كشرقيين لم نكن مخلصين لطقوسنا، و لم نستجب لوصاياه القليلة، فلا دفناه في التربة التي ولد منها، و لا أحرقنا جثته لنضع رمادها في متحف ما، بل لم نستجب حتى لتلك الوصية الصغيرة التي قالها مرة في أحد حواراته بأنه يحب أشياءه الصغيرة التي لا ثمن لها و تشكل ثروته التي يتمنى أن يضعوها (ويقصد الفراشي) معه في قبره. عذراً مالفا، نحن قوم نكره الناجح و نطعنه إلى حد التلاشي، نحن قوم لا يليق بك أن تكون بيننا و لهذا تركتنا في موتنا و مضيت بحثاً عن حياة جديدة تليق بك و بقامتك و ريشتك و إنسانيتك .
ملاحظة: المادة كتبت في الذكرى الرابعة على رحيل و لكن وجدتها مناسبة في الذكرى السادسة على رحيله، فما زلت أسمع نقيق بعض الأقزام من أبناء ملته يرمونه بحجر ناسين أن الشجرة هي التي ترمى بحجر.


شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…

فراس حج محمد| فلسطين

في قراءتي لكتاب صبحي حديدي “مستقرّ محمود درويش- الملحمة الغنائية وإلحاح التاريخ” ثمة ما يشدّ القارئ إلى لغة الكتاب النقدية المنحازة بالكلية إلى منجز ومستقرّ الراحل، الموصف في تلك اللغة بأنه “الشاعر النبيّ” و”الفنان الكبير” “بحسه الإنساني الاشتمالي”، و”الشاعر المعلم الماهر الكبير” “بعد أن استكمل الكثير من أسباب شعرية كونية رفيعة”. و”المنتمي…

جان بابير

 

الفنان جانيار، هو موسيقي ومغني كُردي، جمع بين موهبتين إبداعيتين منذ طفولته، حيث كان شغفه بالموسيقى يتعايش مع حبّه للفن التشكيلي. بدأ حياته الفنية في مجال الرسم والنحت، حيث تخرج من قسم الرسم والنحت، إلا أن جذوره الموسيقية بقيت حاضرة بقوة في وجدانه. هذا الانجذاب نحو الموسيقا قاده في النهاية إلى طريق مختلف، إذ…