غريب ملا زلال
” مزمار الحي لا يطرب “، مقولة شعبية تم و يتم تداولها جداً و في أكثر الأوساط الإجتماعية على إمتداد الشرق، و نستمر في رمي صاحبه بكل حجارة الله حتى يسقط، نحن قوم ينام الرب في داخل كل فرد منا، و ننسى أنفسنا، وحده الرب يستيقظ فينا، فنحس بأننا الرب ذاته، و بأننا ما إن نقول كن يجب أن يكون، لا نرى النجاح إلا في ذواتنا، فالمبدع نحن، و المميز نحن، و الذي يُحْيي العظام نحن، نحن الرب لا قامة يعلو أمام هاماتنا التي تنطح السحب و السموات، نعم نحن قوم لم نمارس أبجدية الحياة و لهذا نمسك من ياقة الناجح منا و نجره إلى القمامة التي نحن منها و التي باتت تنتشر بقوة و كثافة على إمتداد جهات الحي، نعم مزمار الحي لا يطرب قلناها كثيراً، و عزفنا عليها طويلاً و مازلنا نعزف، مقولة تقال حين يتمايز أحدهم عن أقرانه، و يبدأ ضوؤه بالسطوع في الأعالي، ويبدأ الآخرون من خارج الحي في تمجيده و تقديره، و يضعونه في المكانة التي تليق به، مكانة عالية مع أرفع الأوسمة،
وحدهم أبناء الحي يجحدون في حقه، بل و يسعرون عليه كلابهم علها تنهشه و تنهش نجاحه و تعيده إلى ما كان عليه، إلى بيته الطيني المسكون بالفئران و العقارب (حسب قولهم)، إلى بيت فيه ينهال الأب ضرباً على أمه دون أن يعرف أو تعرف السبب، و عليه كلما شاهد أصابعه مغموساً بالألوان، يهاجمونه و يحاسبونه على كل شيء، نعم على كل شيء بما فيها طريقة مأكله و ملبسه و نومه ومشيته بل حتى في طريقة خرائه، الأهم أن يتم إصطياده و إن لم يكن الماء عكراً، هذا الحال ينطبق على سفيرنا في الأرض عمر حمدي / مالفا الذي إستطاع أن يقدمنا في كبرى المتاحف العالمية، فبدل أن نكرمه أكثر من الآخرين و نبين للآخر بأنه إنموذج عنا جميعاً، فهو يمثلنا في كل مكان يتواجد فيه، و بأن الحليب الذي رضع منه رضعنا نحن منه، فأعماله الآن تسرد حكاياتنا في أكثر متاحف الأرض و أهمها، فبدلاً من أن نتفاخر به، و بأن شعباً أنجب مالفا لا يمكن أن يقهر، فبدلاً أن ندعو إلى إقامة متحف له و بإسمه أسوة بالفنانين الكبار الذين باتت دولهم تعرف بهم، ويضم أعماله و مقتنياته و كل ما يتعلق به يأتي إبن الحي ليقول عن مزماره بأنه لا يطرب، و بأنه ليس أكثر من دهان تعلمها أثناء عمله في كتابة إعلانات السينما و بروشوراتها، يأتي ليرميه لا بحجرة بل بكومة أحجار، و بالعودة إلى ذلك إبن الحي فهو إما أن يكون جاهلاً بالفن و قيمته أو يكون من حزب سياسي لا يفقه من السياسة أبجديتها، لا يفقه غير التصفيق و المااااااااع الطويلة و هو يمشي خلف المرياع مبجلاً إياه دون أن يعرف إلى أين، أو يكون من فصيلة (الفن لا يشبع خبزاً) و بالتالي فهو بعيد أيضاً عن ماهيته و عن خالقه، أو قد يكون فناناً مغمورا أصبح له سنوات طويلة و هو على موائد أوروبية لم يسمع بإسمه إلا زوجته، و لم ينجز ما يتجاوز دروس فنية كان يأخذها على موائد الكلية، و إما أن يكون من باب الغيرة، فنحن أبناء الشرق نرمي الناجح بمليون حجرة حتى يسقط، لم نتعود على الإعتراف ببعض، هذا الإعتراف الذي يرفع من شأننا لا العكس، و لنقرأ ما قاله الآخرون عنه علّنا نصحى من غفلتنا، فقال عنه الدكتور في النقد و علم الجمال ديترشيراكة مدير متحف الفن الحديث في فيينا / النمسا : إن من الخطأ أن نتصور بأن الفن الأوروبي فقط بإستطاعته أن يصبح عالمياً، مالفا يثبت بجدارة، بالرغم من إنتمائه الآسيوي، بأن الفن قوة نابعة من الألم . و قال أيضاً : للوهلة الأولى للمتأمل لأعمال مالفا يشده هذا الفيضان اللوني المنساب من يده على اللوحات، و إلى أهمية هذا اللون و حركته و توزيعه مما يدفعنا لمقارنتها بأعمال كوكوشكا، و فان كوخ، و كيرستن في النمسا .
أما الناقد الإيطالي مارسيلو أفيتالي و الأستاذ في أكاديمية الفنون الجميلة في روما بإيطاليا فقال : خلق لنا مالفا مستقبلاً جديداً من اللون و الحب، بعيداً عن ذلك الإنحطاط الفني التي تشكو منه أوروبا، على حين قال عنه الناقد و الفنان التشكيلي الفلسطيني عبدالله أبو راشد : بأن الفنان التشكيلي السوري عمر حمدي يعد ظاهرة فنية تشكيلية سورية تجاوزت حدود الجغرافية السورية و الوطن العربي، لتحفر لها مكانة مميزة في ذاكرة الحركة التشكيلية العالمية، و رواد الفن و صناعه بإعتباره واحداً من مشاهير الفن التشكيلي المعاصر، و يقول الناقد و الفنان التشكيلي السوري أديب مخزوم : بأن عمر حمدي لا يمكن التعريف به إلا كواحد من أهم الفنانين المعاصرين و أكثرهم موهبة و قدرة على تجسيد الحركة الحية في الرسم الإنطباعي و التجريدي معاً، و هو يقدم عوالم جمالية تشكيلية حديثة تنتشلنا و لو للحظات من دوامة القلق و الإضطراب و المعاناة المتواصلة و يتابع مخزوم في مكان آخر : لم تكن المساحات البانورامية التجريدية مجرد إطار إستعراضي و إنما سجلت في فن عمر حمدي و بعد مشاركات عدة في تظاهرات فنية عالمية، أما الناقد التشكيلي الذي لا يموت صلاح الدين محمد فيقول : عمر حمدي في لوحاته لون يعيد في الأذهان عصر التألق في الفن العالمي و خاصة في الخمسين عاماً التي سبقت و تجاوزت عام 1900 حينما لعب اللون دوراً حاسماً في التشكيلات الحديثة، و يقول عنه الدكتور و الناقد و الأستاذ في كلية الفنون الجميلة بدمشق محمود شاهين : إن لم يكن مالفا أهم ملون في هذا العصر فهو حتماً من الملونين المهمين، و يقول أيضاً : عمر حمدي أصبح في رحاب العالمية، لقد حقق حلمه بالسفر و الإنتشار، أثبت وجوداً فنياً كبيراً في أكبر دول العالم . و يقول أسعد الكفري : عمر حمدي سفير الفن السوري إلى العالم، أما الباحث الدكتور سعيد الرفاعي فيقول : عمر حمدي فنان من سورية يدخل قائمة الفنانين العالميين، لوحاته سيمفونية تظهر آلامه الداخلية و آلام شعبه، إنه واحد من التجريديين الكلاسيكيين، و واقعية بلا ملامح، خصوبة في اللون، حركيّة المحتوى، داكنة الأجواء، و بنائية الشكل و تبدي السيدة سيلفيا سينجر مديرة إحدى صالات العرض في فيينا بنمسا أسفها لأن الولايات المتحدة الأمريكية أخذت عمر حمدي أكثر من بلدها النمسا، و تكمل : إستطاع عمر حمدي/ مالفا أن يرسخ إسمه في أكبر بوابات أجهزة الإعلام الغربية، و صدرت عن أعماله مجموعة كتب و كاتلوكات، و تقاويم سنوية، و ملصقات جدارية، كما دخل إسمه القاموس الدولي Who’s Who السويسرية.. و تقول أيضاً : أمام هذا الزخم الكبير للتجربة اللونية التي يتميز بها مالفا كواحد من أهم ملوني القرن العشرين و واحد من أكثر الفنانين إنتاجاً و تسويقاً في العالم، و يقول الناقد و الفنان التشكيلي سعد القاسم : بين أعمال عمر حمدي الواقعية و أعماله التجريدية خط غير منقطع لا يصعب على المتأمل إكتشافه، خط يمتد من تجاربه الأولى إلى أحدث أعماله و قوامه و إمتلاك بارع و مبدع للضوء و اللون يفسر من جهة أهميتها في فن التصوير و يبرر من جهة ثانية وصف عمر حمدي بأنه واحد من أهم الملونين في عصرنا، على حين يقول الدكتور سعد الدين الطويل عنه : عمر حمدي هذا المتأمل الدائم لكل شيء يمتص كل شيء و يفرز ما يريده، و هو واحد من القليلين الذين تمتلكهم أوروبا و أمريكا بشكل إستثنائي أو قسري، أو ربما لضرورة الحفاظ على المفارقة الزمنية و الثقافية، و معادلة الفن و اللافن، بين المعطية الإبداعية و المعطة الحرفية، و مع أن عمر حمدي يحاول أكثر من مرة الظهور بمجموعاته الكبيرة، مجموعة من اللوحات، كل لوحة منفردة تشكل بمجموعها لوحة واحدة كبيرة، هذا الظهور الذي يقدم فيه نفسه في المعارض الدولية، و الذي شكل بذلك إنتباهاً ملحوظاً في الأوساط الثقافية .
سنكتفي بهذه الآراء التي ما هي إلا غيض من فيض، ما هي إلا قطرات مما هطلت على حقول مالفا، فالغيوم كثيفة، و الأمطار بعدها كانت غزيرة ليس بمقدورنا أن نجمعها جميعاً هنا، بل نعجز نحن و المجلدات ذاتها تعجز عن ذلك، لكن فقط نذكر بأنه الفنان التشكيلي الوحيد الذي ينتمي إلى الشرق و ترد إسمه في قاموس “الفن التشكيلي العالمي” الذي تصدره مجلة فلاش آرت المعروفة، و أيضاً في قاموس الفنانين العالميين Art contem pain modial.
و أخيراً إذا كنّا جاحدين كأبناء حيّه كل هذا الجحود بحقه، فلم نقدم له شيئاً من مستحقاته الكثيرة في ذمتنا، حتى أننا كشرقيين لم نكن مخلصين لطقوسنا، و لم نستجب لوصاياه القليلة، فلا دفناه في التربة التي ولد منها، و لا أحرقنا جثته لنضع رمادها في متحف ما، بل لم نستجب حتى لتلك الوصية الصغيرة التي قالها مرة في أحد حواراته بأنه يحب أشياءه الصغيرة التي لا ثمن لها و تشكل ثروته التي يتمنى أن يضعوها (ويقصد الفراشي) معه في قبره. عذراً مالفا، نحن قوم نكره الناجح و نطعنه إلى حد التلاشي، نحن قوم لا يليق بك أن تكون بيننا و لهذا تركتنا في موتنا و مضيت بحثاً عن حياة جديدة تليق بك و بقامتك و ريشتك و إنسانيتك .
ملاحظة: المادة كتبت في الذكرى الرابعة على رحيل و لكن وجدتها مناسبة في الذكرى السادسة على رحيله، فما زلت أسمع نقيق بعض الأقزام من أبناء ملته يرمونه بحجر ناسين أن الشجرة هي التي ترمى بحجر.