(صبراً أيها الرجل، أولئك العبيد!)

 

كيفهات أسعد 

قبل كل شيء أود محاكاة الشاعر “عثمان البستان”، وأقول: صبراً أيها الشاعر، نحن عبيد، ليس لنا وقت. هلا جربتم أن تعرفوا كيف تدور الشمس؟. كيف كل شيء يشبه سابقهْ هل جربتم؟ فلا تشح بوجهك عنا، نحن لانعرف حلا وسطاً، نهرب من نصٌك إلى نصك. نطلق لك شلال القلب كي لانشتمك بشذوذنا. لسنا سعداء أيها الشاعر الجميل، لسنا سعداء. نبحث معك دون توقف عن الإخاء وصيد العصافير. فنحن لوحدنا في قاع المجهول كنوايا السلطان. إلى هذا الحد نحن تافهون أيها العثمان ،أيها البستان، قلوبنا عمياء أتسمعنا؟ أم أصبحتَ مثل سلاطيننا، لا تسمع القاع؟.
***
 لكل منا حاسة نقرأ بها ما وراء النص تسمى بالمجمل: التذوق. بعد قراءتي لمجموعة “أوقات العبيد” للشاعر العراقي الراحل عثمان البستان؛ هذه القصائد المليئة بالطاقة التصويرية والمجاز اللغوي، الذي يخطو في بعض قصائده نحو السحر والايقاع النفسي، حيث يهرب في أغلبها من الموروث العربي في الشعر التقليدي والشعر الموزون. إلى لغته السهلة الممتنعة، لواقع يلتقط من خلالها صوراً توثيقية، فيها طعمٌ وصوتٌ ورائحةٌ. يحاكي النفس ويوظف لها الأحداث، ويشكل لها اللغة ويبنيها على قدر حجم الحدث. قصائد مليئة بالجوهر الحقيقي للجمال. تتلمس لديه النبرة العالية والجامحة في اللفظ والتراكيب الشعرية التي تأسر لها قلب القاريء.
حين نتعمق في مجموعته” أوقات العبيد” الذي لم يتسنَ لي قراءة غيرها له، فنرى بأنه متمرد في تشكيل نهجه الشعري في الحداثة وحميمية اللغة البرية، يقدم من خلالها عصارة أفكاره وتجربته الشعرية. أفتخر بأن أقول: كقاريء مهووس، أنهيتُ هذه المجموعة، ولكن للأسف، لم أرتوِ بعد من جمالية شاعرنا. لازلتُ أسمع أصداء عظيمة وراقية، يجعلني أرتفع وأهبط مع رتم القراءة. وأخيراً.. حاولتُ ألا أطيل عليكم أوقات العبيد للشاعر العراقي عثمان البستان، الصادرة عن “دار الآفاق” بغلاف أنيق من تصميم الفنان “حقي البستان”، وهو أخ الشاعر الراحل، يحمل صورة شاعرنا. وتزيد صفحات المجموعة عن عشرة بعد المئة.
من أجواء المجموعة :
 
مثل البويضات غير المخصبة
المتدفقة في حلم عميق
مثل النخيل التي لم تحظ بالصواعيد
مثل السواقي الجافة
مثل وطن بلا قانون
وشعب بلا حرية
مثل رأس بلا ذاكرة
وقلب بلا نبض
مثل أغانٍ بلا مغنين
مثل بيت بلا أطفال
هكذا هي أوقات العبيد
بلانهاية.
يقولون لي:
صبراً أيها الرجل
أولئك الذين لايملكون بويضة واحدة
غير القادرين على صعود النخل
وإرواء الحقول
وحماية القانون
والعيش بحرية
أولئك الذين لايتذكرون
ولاتنبض قلوبهم
ولايغنون
أولئك يقولون لي صبراً أيها الرجل
والوقت شريان مقطوع
ومصرف الدم مقفل الأبواب
والناس مقابر وسجون وثكنات عسكرية
فالعقي أيتها الأيام
العقي دمَ وفتي المسفوح
لم يلبس القطن ثوب الحداد على ضحاياه
ولم يفح الرز برائحة العنبر
والبعوض
البعوض في المستنقعات
لم يشفق يوماً على الأجساد العارية
ويقولون لي صبراً أيها الرجل
إنهم يفتلون أيامي
أيامي التي لاتحلم بالكثير
والتي تمتع أن تكون شيئاً آخر
غير جثة مباركة
ويقولون لي:
صبراً أيها الرجل، أولئك العبيد.
***
• كيفهات أسعد، شاعر كردي مقيم في السويد.
• أوقات العبيد. صادرة عن “دار الآفاق”، الطبعة الأولى: 2021، القاهرة،.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف

إلى أنيس حنا مديواية ذي المئة سنة صاحب أقدم مكتبة في الجزيرة

 

ننتمي إلى ذلك الجيل الذي كانت فيه الكتابة أمضى من السيف، لا بل كانت السيف ذاته. لم تكن ترفاً، ولا وسيلة للتسلية، بل كانت فعلاً وجودياً، حاسماً، مزلزلاً. فما إن يُنشر كتاب، أو بحث، أو مقال مهم لأحد الأسماء، حتى نبادر إلى قراءته، ونتناقش فيه…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…