أزمة الصحافة الورقية في شمال وشرق سوريا

دلشاد مراد
كثيراً ما أقرأ منشورات ومقالات لمختلف الكتاب والصحفيين ينتقدون فيها أداء الإعلام المحلي مقارنة بالتضحيات والمكتسبات الحاصلة في شمال وشرق سوريا منذ العام 2011م. وفي حين أتفق مع بعض أطروحاتهم وانتقاداتهم ذاك، فانه يمكنني أن أزيد عليهم بكم هائل من الملاحظات والانتقادات- الموضوعية والذاتية- أغلبها نابعة من تجارب في العمل الصحفي، ولعلي هنا لا أنفي الضعف في أداء الإعلام المحلي وخاصة في شقه السياسي الذي من خلاله يتم إثارة القضايا الوطنية والمسائل السياسية المختلفة وكذلك في توجيه الرأي العام.  
يؤسفني القول أنه حتى الآن لم نلمس أي مقاربة جادة لوضع الصحافة الورقية المحلية، وإن حاولت بعض الأطر والمؤسسات الإعلامية تنظيم جلسات خجولة وفي فترات متباعدة أو قيام بعض الصحفيين بأبحاث عن الإعلام المحلي، إذ غلبتها التحليل السطحي والمعمم دون الدخول في صلب واقعها. 
وبغض النظر عن ذلك، فإن المؤسسات الإعلامية تمتلك هيئات إدارية وتحريرية وشبكات من المراسلين والعاملين، وبالتالي يلقى مسؤولية النجاح أو الفشل على أطقم تلك المؤسسات بالدرجة الاولى، أو بالأحرى المسؤولية الاولى تتجه نحو العقل الموجه لتلك المؤسسة الإعلامية أو ذاك، وقدرة إدارة ورئاسة التحرير على القيادة الصحيحة وتمكين وتنفيذ سياسة نشر ملائمة، إضافة إلى توفر طاقم عمل موحد ومنسق بشكل تام مع رئاسة التحرير التي بالضرورة أن تكون متمكنة ومؤهلة بالعمل الصحفي وملمة بالأمور والتفاصيل السياسية والثقافية والاجتماعية. 
إن معظم الصحف السياسية الحزبية لاتزال بعيدة عن وصفها حتى بالصحيفة، فلا سياسات نشر واضحة، ولا إدارة تحريرية مؤهلة، والأصح أن يطلق عليها “منشورات أو نشرات”، بل أن حزباً كحزب سوريا المستقبل لا يمتلك حنى مجرد نشرة، وهذا بحد ذاته نقداً موجهاً إلى الاحزاب الجديدة التي لابد لها أن تهتم بالإعلام كركيزة أساسية في عملها ونضالها السياسي.
أما بالنسبة للصحافة الورقية المستقلة ومن نماذجها “روناهي”، “بويربريس”، “السوري” … الخ. فإنها تعيش أزمة جدية، فرغم مرور عشرة سنوات على صدور صحيفة روناهي (صدرت في 16 تشرين الأول 2011م) وتجاوزها الألف عدد، إلا أنها لم تحقق التطور المطلوب، ولم تتجاوز بعد الكثير من صعوبات وسلبيات العمل، علماً انه يمكن أن تكون ساحة إعلامية متطورة أن أحسنت إدارتها الحالية وطورت عملها نحو الأفضل، فهي من أكبر الصحف الورقية طباعةً وتوزيعاً وأكثرها تمثيلاً لواقع ثورة شعوب شمال وشرق سوريا.
صحيفة بويربريس التي تمكنت من استقطاب النخبة السياسية والثقافية الكُردية في مدينة قامشلو، يبدو أنها توقفت عن الصدور على ما يبدو دون أي إعلان، أي بحكم الواقع، وباتت إدارة مؤسسة بويربريس منهمكة في عمل إذاعة بوير، ولا يعرف فيما إذا كانت ستواصل إصدار الصحيفة، ولكن عدم الثبات في الصدور والتوقف يشير أيضاً إلى وجود أزمة.
ولعل من أبرز ملامح أزمة الصحافة الورقية المحلية وجود ضعف في قدرات ومؤهلات العاملين في المؤسسات الصحفية وهو ما ينعكس على قدرة المؤسسة الإعلامية على طرح وتنفيذ سياسة نشر مناسبة، فمعظم العاملين في القطاع الصحفي ليس لديهم أية نوايا وطموحات لتطوير ذواتهم الفكرية والإعلامية والثقافية ومعها تطوير مؤسستهم الإعلامية، ولا يعدو همهم في نهاية  المطاف أكثر من نيل راتب شهري، فالصحفي من أكثر الفئات المجتمعية التي يلقى عليهم مسؤولية النهضة الوطنية، وبالتالي ينبغي أن يُسيروا حياتهم الشخصية والمهنية تماشياً مع تلك المسؤولية الملقاة على كاهلهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*الزاوية الأسبوعية “الحديث الثقافي”، صحيفة روناهي في شمال شرق سوريا، العدد 1019، 20 تشرين الأول 2021م.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف

إلى أنيس حنا مديواية ذي المئة سنة صاحب أقدم مكتبة في الجزيرة

 

ننتمي إلى ذلك الجيل الذي كانت فيه الكتابة أمضى من السيف، لا بل كانت السيف ذاته. لم تكن ترفاً، ولا وسيلة للتسلية، بل كانت فعلاً وجودياً، حاسماً، مزلزلاً. فما إن يُنشر كتاب، أو بحث، أو مقال مهم لأحد الأسماء، حتى نبادر إلى قراءته، ونتناقش فيه…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…