لريبوار سعيد لغة خاصة به، لغة يدفعنا إلى أن ننصت إليها طويلاً حتى نحيط بمنجزاتها، لغة تأخذ الحيز الدقيق من خطابه الجمالي، الخطاب الذي يحتاج بدوره لرصد لحظاته و في كيفية التعامل معها، الخطاب الذي يقارب العديد من الدراسات التي تستبيح النص / اللوحة بإجبارها على الإمتثال لمتطلبات لغته و مسلماتها، و بحكم عدم شيوعها كثيراً و عدم تداولها بالشكل المطلوب لا بد أن ننفذ إلى دواخلها و أن نقرأها في ضوئها و بالإستناد إليها، حينها قد ننجح في إعادة ما تنطوي عليه، إن كان من رغبات في الحضور المفقود، أو من إغتراب في مكابداتها وهي تعمل على تقويض ذلك الحضور، فنقطة الإنطلاق فيها / في لغة ريبوار، هي تلك الجاذبية الخاصة في توليدها للخيالات التي تكون حاضرة بمتعة الحب، و بطعم مباهج ذلك الحب، فهي تحقق ذلك الإتحاد بين الذات و الموضوع برغبة مبنية على التقارب، لا على التباعد، و التي بها يواجه الحياة، ممسكاً بحالات غير فائضة تمكنه من وضع هويته و فكرتها، مثبتاً لتلك الحدود الفاصلة بين وفرة مفرداتها، و بين الغموض التي قد يتلبسها،
هي ليست مفردات على فضاء أبيض، و لا خطوط و ألوان بها يضفي على النص / اللوحة أفكاراً و تأكيدات تثبت ما وراء النص / اللوحة، بل إصرار على إحتواء كل ما يسكنها من أشكال و تكوينات تلازمها في التفاصيل كلها، لقد أثبت ريبوار بأن اللغة هي فتح المعنى بوصفها صندوقاً أبيضاً لها، و لذلك يمكن النظر إليها على أنها تجعل للأشياء تاريخها و الآثار التي تترتب عليها و هي تعطي طفراتها لرؤية قد تجعل الأرض تميد بالمعنى المجازي للكلمة، و بغية إثبات ذلك لا بد من السعي إلى إبراز مفاتنها و هي في طور الإنتاج، إن كان في توزيع معين للضوء على سطوحه، أو في خلق علاقة معينة غير مدركة بينها و بين السطوح، فهي لديه غير حيادية، و هي مكون ثقافي لا يرى دائماً حقائق نفسه، و هذا يعني بالطبع أنها تنتج دلالاتها بأكثر من طريقة، و بدرجات متفاوتة من الوضوح أو الغموض، و تجعل من الرؤية رؤيا تجوب المحيطات و كل الفضاءات، على شكل حزم تكشف ما تخفيه، و تنطلق بفرضياتها حتى تتمخض منها مقولاتها الكثيرة، المتداخلة منها و المتوازنة، بعبارة أخرى هي نقطة البداية لإزاحة الستار عن الأفكار التي تولدت عنها .
ريبوار سعيد يفصح كعادته عن الإنسجام القائم بالضرورة في إيقاعات مشهده، و إن كان يغرقنا في في آلياتها و ما تشتمله من إيماءات و دلالات، فلا حدود لحقوله الخصبة، الحقول التي ينهج في حرثها بخطوط منحنية تدور على بعضها مشكلة تكوينات وضعية حافلة بالتفاني المخلص تمهيداً لقيم تعبيرية سوف تخضع جميعها لمساءلة المتلقي أولاً، و الخالق ثانياً، فلا تمهيد لريشته و هي تسيطر على التجانس الذي يشير بأنه هائم في تخليص لغته من اللعبة التي قد تساق إليها إذا تقاعس قليلاً في الإهتمام بها، فرغم ثقته العالية بذاته، و تحكمه بمجمل الإشارات التي قد تلد من جهاتها العشرة فهو قادر أن ينظم حركة دوران علاماته بمدى رؤيته و ما يسورها من صرامة إن كان في الجوهر أو في محتوى المشهد ذاته، أقول على الرغم من ثقته تلك إلا أن تحركات الإنتماء تسير نحو الإنغلاق في رسم ملامحها، فالمسألة ليست رفض أفكار أو قبول أفكار، فلا شيء يمكن إدراكه دون ذلك، و الإنتماء و اللاإنتماء إلى مرحلة معينة كلاهما تسهل الأوهام نحو إصدار أحكام قاطعة، فهناك الكثير من الرواسب الخفية عالقة بجانب ما و تجره إلى الدائرة ذاتها، و مجمل الذي أنجزه ريبوار في هذا السيمبوزيوم عملان متلازمان يمثلان وجهتان كل منهما قادر على عزل عناصره و جزئياته تبعاً للبنى التي عليها يشرع ريبوار في أداء العمل نفسه في مناطق أخرى بذات البنى، يمثلان وجهتان أحدهما محسوس و الآخر معقول أي دال و مدلول، و كلاهما يمضي بالإحالة إلى مدلول قادر على أخذ مكانه في هذه المعقولية قبل رميه إلى خارجية المحسوس، فالمفارقة التي يجب الإنتباه إليها هنا هي تحديد المعنى الحرفي للمشهد بوصفه هو المجازية نفسها، و من هنا يبدأ الحضور، حضور الذات، و حضور اللحظة، حتى يتخذا الصعود الدائري شكلاً آخر في المشهد الحامل للموت و الحياة معاً .
إن فكرة ريبوار التي يفترض فيه أن يقاطع كل أشكال الموالفة هي فكرة لاهوتية، و ما المنحنيات الكثيرة الي يستعملها في تكويناته إلا من وسائل الإتصال بالآلهة و الدخول إلى عالم النيرفانا التي هي أقرب لحركات مولوية دون أي إعتراض بين ما في الطبيعة البشرية، و ما في في الطبيعة الربانية، فهو منهمك في فكرته المثيرة و التي تحمل قيمتيها المنهجية و الأنطولوجية معاً، و إن كانت مقتبسة بإخلاص من القيمة الحقيقية للأشياء، فيكاد يمثل الإثبات و التوكيد على صوابية التوليفة الخاصة التي يشتغل عليها، و دون أن يفكر لحظة واحدة في إستبدالها، فيستعمل الأدوات التي يجدها في متناول يده، و التي هي أصلاً أدواته، و يثابر في طرح تجربته بعمق مؤكداً مجموعة مقولات لكل منها مفاهيمها اللغوية و التاريخية و الحقيقية، و بكل بساطة و دون تعقيد يكمن كل ذلك في ما وراء فلسفته التي يأخذ على عاتقها كل مخاطراته التجريبية و التي لن تهدد خطابه الجمالي بل يصوغه بموالفة عميقة .
– ولد عام 1962 في مدینة تویلة التابعة لمحافظة السلیمانیة .
-تخرج من كلیة الفنون بلندن عام 1977.
حاز علی شهادة الماستر من كلیة مدل سیكس عام 1999.
-حاز علی شهادة الدكتوراه في الفن من كلیة مدل سیكس بلندن عام عام 2012.
-اصبح مساعد بروفیسور و مقرر كلیة كلیة الفنون الجمیلة في جامعة السلیمانیة.
-رئیس بورد متحف الفن المعاصر في مدینة السلیمانیة.
-حاصل علی شهادة افضل المشاریع الفنیة الفائزة في میلینیوم اوردة عام 2003 في بریطانیا.
– عضو الهیئة المؤسسة لمتحف الفن المعاصر في مدینة السلیمانیة.
– أقام اكثر 27 معرضاً شخصیاً، و أكثر من 60 معرضاً جماعیاً في البلدان الشرقیة و أوربا و أمریكا و الیابان.