فراس حج محمد/ فلسطين
نشر موقع الجزيرة نت خبراً عنوانه: “تحت اسم مستعار لامرأة.. ثلاثة كُتّاب ذكور يحصدون أكبر جائزة أدبية في إسبانيا”، والثلاثة كتّاب هم: خوردي دياز، وأنطونيو ميرسير، وأجستين مارتينيز. كتبوا رواية “الوحش” تحت اسم مستعار هو “كارمن مولا”، وهو اسم مؤنّث. والجائزة هي “جائزة “بريمو بلانيتا” (Premio Planeta)، والتي تعد أكبر جائزة أدب في إسبانيا وقيمتها مليون يورو”.
لماذا لجأ الكتّاب الثلاثة إلى التأنيث؟
قديما كانت الأديبات تنشر باسم رجولي مستعار، أو تحت أسماء مستعارة عامة كبنت الشاطئ والحمامة المطوقة وغيرهما من الأسماء. كانت النساء وقتها تعاني من الاضطهاد في الدوائر الأدبية، وتذكر ذلك فرجينيا وولف في كتابها “غرفة تخص المرء وحده”، وذكرت شيئاً من ذلك أيضاً إليف شافاق في كتابها “حليب أسود”. فلم يكن الكتاب ينظرون إلى المرأة بتقدير واحترام كافيين لتقدير إبداعتها، كونها امرأة، فكنّ يلجأن إلى النشر تحت أسماء مذكرة مستعارة.
ما الدافع ليفعل ثلاثة من الكتاب الإسبان ذلك اليوم؟ فهل تم انقلاب الأوضاع إلى النقيض؟
قبل سنوات افتضح أمر شاعر عربي شابّ، نشر ديوان تحت اسم مستعار مؤنّث، وتخفى وراء شخصية امرأة. هل النشر والطباعة والفوز بالجوائز صار أسهل للكاتبات أكثر من الكتّاب؟ ولماذا؟ هل يدفعن أكثر؟ أم يدفعن ما هو غير مادي؟ الحبّ ربما، أو الجنس؟ لعلّ نومة في السرير تحلّ أكبر معضلات الثقافة.
ثمة فضائح عربية عن استغلال النساء لأجسادهن لأغراض أدبية وثقافية، وثمة ابتزاز للكاتبات من أجل أن يقدمن تنازلات أو عطايا جنسية من أجل الوصول إلى المجتمع الثقافي أو إلى النشر أو الفوز بجائزة أو الترجمة أو المشاركة بندوة أو مهرجان دولي أو إقليمي.
لا يتحمل الرجال وحدهم المسؤولية عن ذلك، الكاتبات في حالات معينة هنّ من يبادرن لفعل هذا الأمر. ربما لاعتقادهن أن الذكور لا يفكرون بأبعد من أعضائهم الجنسية، فيسيطرون على عقولهم بالتحكم بتلك الأعضاء ومغازلتها والترفيه عنها وإشباعها والمحافظة عليها منتصبة أكبر مدة زمنية ممكنة. فإذا ما تمكنت تلك النساء بعد تلك المسكنة، انطلقن وتمردن، وصرن أعلاماً ثقافية بارزة.
الأمر هنا ليس له علاقة من بعيد أو قريب بالنسوية أو امتهان المرأة بوصفها امرأة، وإنما هو سلوك تحكمه رغبة ومصلحة متبادلة حسب منطق السوق الرأسمالي، فالكاتبة الجميلة معها ما يثير الكتّاب، فيتم تسليع الجمال وتسعيره وتصنيفه واللعب عليه وبه، فيكون المنطق خدمة مقابل خدمة. لم يكن هذا المنطق من التأثير لعبة عربية وإسلامية خالصة، بل للعرب ما يشبههم في الغرب، ومن يقرأ سِير الكاتبات الغربيات سيكتشف العجب، وما هو مذهل.
ثمة كاتبات لم يقدمن هذه الخدمات، فبقين في الظلّ، ولم تطبع لهنّ الجهات الحكومية أو دور النشر، فثمة مسؤول متحكم بالمسألة يساوم الكاتبات عن أنفسهن وأجسادهنّ، فإن أرضين ذكورته طبع، وإن تعففن قمع. وصار شعار هؤلاء: “اشلحي تنجحي”. وعلى كلّ حال فالذاكرة مليئة بالأمثلة التي لا أريد ذكر أيّ منها.
أتمنى أن تكتب الكاتبات تجاربهن في ذلك، ويقمن بتعرية هذا الوسط الذي ينغل فيه العفن والجنس والجنون والمجون.
حادثة الكتاب الإسبان الثلاثة ليست حالة خارجة عن سياق المألوف، بل إنها تفضح وببلاغة قوية ما هو مسكوت عنه في هذا الوسط الموصوف بأنه ثقافي، لكنه في الحقيقة وسط ثقافي عفن، وبامتياز.