شاعر رهين المحبسين

خورشيد شوزي

مازلت أتذكر الشاعر هادي بهلوي، وهو بعد طالب جامعي، جمعنا الموقف، في مرحلة شبابنا، وكان أحد الأكثر حماساً لقضايا شعبه بالرغم من الظروف الصعبة التي كنا نمر بها إذ إن النظام العنصري الشوفيني كان يشد قبضته حول عنق الكرد أكثر فأكثر، وهو ما أسس للصورة التي نحن عليها الآن من نفور واضح تجاه الكرد  من قبل كثيرين من شركاء المكان. وسط هذا الواقع كنا كطلاب دخلوا الجامعات  السورية بعد الجيل الأول
الذي كان تحصيله مختلفاً وكان يشكل ندرة الندرة، وعلى هذا الأساس كان علينا أن نلج بوابات الحياة. هو كان سابقاً علي في مجال التعليم على ما أذكر، وكنا كطلبة جامعيين كرد دارسين ضمن الوطن قلة، وكان عدد من يتاح له متابعة الدراسة خارج البلد أقل بكثير، وكان ممكناً أن أكون أنا وهو من عداد هؤلاء، إلا إن ظروفاً جعلتنا نتابع تحصيلنا في البلد. 
في هذه المرحلة عرفت هادي بهلوي وكان من المقربين باعتبار أبوينا كانا من الأوائل الذين عملوا في المجال السياسي والده من بوابة المقربين من الشيوعيين كما الشاعر جكرخوين، وأبي من بوابة المقاومة في شمالي كوردستان (باكور) وضمن خويبون، وقد كان الاثنان أعضاء اللجنة المركزية في حزب آزادي عام 1957 فيما بعد، برئاسة سكرتيرها الشاعر الخالد جكرخوين (مع العلم أن كتاب والدي “Bîranînên Têkoşerekî Kurd- كفاح من أجل كوردستان” يحتوي توثيقاً لتلك المرحلة، و تمنيت لو وثقنا أكثر لتلك المرحلة ووجوهها لئلا يضيع جهد أحد..
عندما طرح علينا صديقي إبراهيم اليوسف قبل سنوات ترشيح اسم هادي بهلوي لجوائز الاتحاد، كنت من أوائل المشجعين لذلك، وتم ذلك، وكان أمامنا أن نتابع ترشيحه لجائزة أخرى وإن وجدنا أن هناك من نسف إحدى جوائزنا وشوّش عليها، ناهيك عن ظروف الحرب وانقطاع التواصل بالشاعر بعد أن فقد حاسة البصر وبات أسير الدار ويكاد لا يرد على هواتف أحد، بعد أن تمت المحاولة من قبل زميلنا، مع إن إمكاناتنا محدودة وكنا أصلاً على قائمة الممنوعين في وطننا من قبل النظام ومن قبل بعض الذين تصدروا المشهد وحاربوا رابطة الكتاب والصحفيين لوأدها إلا إنهم فشلوا، وعادت الرابطة وهي الآن الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد أقوى وأكثر احتراماً وتأثيراً وأعضاء بين أوساط جماهيرنا، ومن ينظر في خريطة نشاطنا العام يدرك ذلك، ومازلنا ندعو لوحدة كتابنا كما تم طرح ذلك منذ بدايات انطلاقتنا.
لقد تأخر هذا الملف الذي تمت الدعوة إليه بالتنسيق مع الشاعر وعبر زميلنا، وسرعان ما أعلنا في الجريدة عن ذلك وراسلنا مئات الكتاب وتم نشر الإعلان على صفحة الاتحاد العام وعلى صفحة زميلنا لمرات إذ كان يجدد الدعوة إلى أن قلت له: كفى، فنجن راسلنا بعضهم ووعد وماطل وذكّرناه، ومنهم من تهرب تحت هذه الحجة أو تلك وهو حالنا مع بعضنا بعضاً اذ ندعو لإطلاق ملفات حول عدد من الكتاب فلا نجد في كل مرة إلا أعداداً قليلة من المتجاوبين معنا وأكثرهم من زميلاتنا وزملائنا، بينما  نعلم أن بعض هؤلاء الذين لا يستجيبون للكتابة في ملفات تكريم الكتاب أكثر من “يطبطبون” على أكتافهم ومنهم الأكثر مزاودة، وإلا فما معنى أن يكون عدد المشاركين في هذا الملف ليس بالمستوى الذي يلائم قامة الشاعر بهلوي الذي تخرج على يديه آلاف الطالبات والطلاب، ومنهم من هو شاعر أو شاعرة أو كان دائم التردد على مجلسه، لا أريد أن أتحدث عن التحاسد ولا عن النفاق ولا على تأسيس المواقف على أساس شللي، والشاعر بهلوي له حضوره منذ أن كتب الشعر في حياتنا الأدبية والسياسية إلا أنه لم ينل ولو جزءا طفيفاً من حقه وهو قامة أدبية ومن أواخر الشعراء القدامى من كردنا الذين كتبوا بلغتهم الأم وكان بارعاً في الكتابة باللغة العربية ولم يبخل في الوقوق مع قضايا شعبه.
حسبنا كما يعرف ذووه أدينا أقل ما يمكن تأديته تجاه هذا الاسم المهم ثقافياً وأدبياً، ونأمل أن تكون هذه الوخزة كما دعينا من وراء الملف للفت الأنظار إليه ومن جديد.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…