العائد من التيه.. قراءة في كتاب (وعي الذات الكردية)

 
المؤلف: خالص مسوَّر
الطبعة الثانية: 2021
القامشلي: دار هوزان / 2021
مقدمة الكتاب
ليس ما جاء في هذا الكتاب وما يحويه هو بمثابة دفاع عن أحد، بل جل ما حاولته وارتأيته، هو أن تكون موضوعات الكتاب عبارة عن نقد النقد، لمحتوى يوميات ابراهيم محمود في ما يسمى بـ (وعي الذات الكردية)، مراعياً في ذلك – قدر الإمكان- النهج الموضوعي في دراستي النقدية هذه، وذلك بعد اطلاعي على الكتاب المذكور، وبعدما سمعت أن مؤلفه يشتكي، من عدم الإهتمام بكتابه ذاك، وليس هناك من حاول تسليط الأضواء عليه، أو تناول ما جاء فيه بالدرس والنقد، والتحليل. 
وخاصة بعد قراءتي لهذا العنوان الفلسفي البراق، فقد ظننت لأول وهلة، أن هذا الكتاب قد يكون بمثابة مشروع نقدي جديد، يتناول نتاجات مجموعة من الكتاب والشعراء الكرد بالدراسة والتحليل الهادفين، ولكني فوجئت – ومنذ اللحظة الأولى لمطالعتي لموضوعاته- بتهافت المستوى النقدي- هذا إذا ما سمينا معظم ما فيه نقداً- ودخول المؤلف في متاهات السرد الصحفي حول سيرة من تناولهم من الأدباء والشعراء الكرد، وتبلبل مفاهيمه وافتقاره الغريب إلى استخدام المصطلحات النقدية الحديثة والقديمة على السواء، وقد لا يلمس القارىء من أول الكتاب إلى آخره، سوى مصطلح نقدي يتيم قديم هو مصطلح (القفل) الذي أورده في دراسته لإحدى القصائد الشعرية، ولهذا فإن معظم أن لم نقل كل ما جاء في هذا الكتاب، لا يعدو أن يكون مهاتراتاً وحساسيات وثارات، بل ضغائن وأحقاداً، يكنها المؤلف لمن كتب عنهم وتناولهم في كتابه النقدي العتيد. ولهذا شعرت بأن مثل هذا الخطاب الذي يسميه المؤلف نقداً، ليس في محله تماماً، بل هو خطاب يشطح في مزالق الإنطباعات الذاتية ويظهر عدم تأصيل المفاهيم النقدية في مثل هذا الخطاب الذي، أضر بنتاجات معظم الكتاب والشعراء الكرد الذين تناولهم فيه بالدرس والتحليل، وحيث جاءت دراسته لمعظم هذه النتاجات بشكل انطباعي قار، ومتكلس المفاصل، وفيه من المغالطات والثغرات، ما لا يمت إلى أبسط قواعد النقد الأدبي بصلة، فظلم الرجل من ظلم ورفع من رفع، ولذلك رأيت هنا من واجبي أن أنبري لتصحيح هذا المسار النقدي المغلوط تماماً، وأتناول هذا الكتاب بالدراسة والتحليل حسب المسار العلمي المتعارف عليه في النقد الأدبي، ولأعطي قدر الإمكان لكل ذي حق حقه ممن تناولهم المؤلف في دراسته الفجة البعيدة عن الحقيقة والعلم، بإسلوب نمطي لا يناسب اللغة العلمية في عالم ما بعد الحداثة، بالإضافة إلى تشظي الموضوعات، وعدم الإلتزام بالمنهجية العلمية، وإغفال دور المفاهيم والمصطلحات النقدية في المعالجة والطرح، أي أن إسلوبه اللغوي يطفح بالسباب والشتائم، بدل النقد الموضوعي الجاد والهادف، حيث أن معظم مضمون الكتاب – وكما قلنا – جاء بما يشبه النقد الإنطباعي المسبق الصنع والتصميم، ودون أن يتمكن المؤلف من إثبات جدارته في هذا المجال العلمي المتطور باستمرار، والسباحة في فضاءاته الواسعة وبالتالي خلق حراك نقدي متوازن في خطاب الأدب الكردي، حتى يمكن معه من تبيات الغث من السمين، والقبيح من الحسن، وهذا هو ما يمكن أن نسميه بوظيفة النقد، وهي الوظيفة التي تشع بأنوارها دروب التقدم والإبداع لأدباء الكرد وشعرائهم، حتى يتمكن أولئك الأدباء والشعراء عندها، من الولوج إلى قلب العالم المتطور نحو الحضارة والتاريخ.
وأحب أن أنوه هنا، بأنه على النقاد ألا ينتهكوا قدسية العمل الأدبي تحت اسم ممارسة النقد، وهم يفتقرون إلى التحلي بروحية نقدية محايثة، قادرة على تنفس نسائم الحداثة، والإنسلاخ عن الروح القروية في ممارساتهم التقييمية والتحليلية، والتحلي – قدر الإمكان- بالدقة العلمية والتأمل العميق فيما يسطرون ويكتبون، وبنظرتهم التكاملية ودراساتهم الفاحصة المتأنية للنص المدروس، فالآراء الضيقة الأفق، والنظرة السطحية لنص المنقود، كلها تؤدي إلى نقد متهتك وقاصر في تحليلاته ونتائجه. ولهذا فمن الضروري اليوم إخضاع الأدب الكردي إلى مراجعة نقدية شاملة، بهدف الوقوف على مرجعياته وتفحص بنياته وأبعاده، ليصار إلى تشخيص هويته الأصيلة المتميزة، والسير به نحو التطور الذي يتطلب المزيد من الدرس والتحليل. فالأدب الكردي اليوم بحاجة – أكثر من أي وقت مضى- إلى التعريف به والتعمق في معرفة نشأته وظروف تكونه، التي لابد من أن نتعرف من خلاله على الملامح والركائز المؤسسة لهذا الأدب، والتي قد تسمح لنا بفهم التحولات الجارية واللاحقة بالتجربة الإبداعية على الساحة الثقافية الكردية منذ ما يقرب من عقد أو عقدين من الزمن. وهذا يتطلب من النقاد احترام الآخرين ونتاجاتهم، ونبذ الصور النمطية في مفاهمهم النقدية التي ترسخ – غالباً التنافر وانحطاط العمل الأدبي، وإيصال رسالة الأدب إلى الغاية المرجوة، وقيمها الإنسانية النبيلة. 
وخصوصاً أن الساحة الثقافية الكردية – والمنطقة عموماً – تشهد اليوم تطورات كبيرة، تسير بخطوات متسارعة راسخة في الأوساط الأدبية الكردية، حيث ان معظم الكتاب والشعراء اليوم ينتمون إلى الجيل الجديد، وهم أحوج ما يكونوا إلى تقييم موضوعي فعال لنتاجاتهم، والأخذ بيدهم نحو الطريق القويم والرأي الأصوب، دون إدخال إعتبارات أخرى في مسار العملية النقدية.
خالص مسوَّر

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ألمانيا- إيسن – في حدث أدبي يثري المكتبة الكردية، صدرت حديثاً رواية “Piştî Çi? (بعد.. ماذا؟)” للكاتب الكردي عباس عباس، أحد أصحاب الأقلام في مجال الأدب الكردي منذ السبعينيات. الرواية صدرت في قامشلي وهي مكتوبة باللغة الكردية الأم، تقع في 200 صفحة من القطع المتوسط، وبطباعة أنيقة وغلاف جميل وسميك، وقدّم لها الناقد برزو محمود بمقدمة…

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…