«السقوط من السماء»: الإصدار السادس للروائية «آية سامي الشيخ»

صدر حديثاً عن دار ببلومانيا للنشر والتوزيع/ مصر – القاهرة، كتاب جديد للروائية السورية «آية سامي الشيخ» بعنوان «السقوط من السماء»، وهو عبارة عن نصوص وقصص قصيرة، يتألف من مئتين وتسع صفحات، مقسّم إلى ثلاثة أقسام.
ضمّ القسم الأول: سبع قصص قصيرة، قصّتان عن فلسطين، وقصّتان بوليسيّتان وثلاث قصص اجتماعية، أما القسم الثاني فضمّ عدداً من النصوص النثرية والقصص الأدبية، بعضها تناولت مشاكل اجتماعية وواقعية، وبعضها الآخر كان عن الحب والحرب…
تقول الروائية الشابة أن جميع إصداراتها السابقة كانت أعمالاً روائية، وأن «السقوط نحو السماء» هو تجربتها القصصية الورقية الأولى، وأرادت من خلالها أن تجرّب القارئ السقوط في الأدب، وتجرّب أيضاً طعم السقوط للأعلى.
آية سامي الشيخ محمد، مواليد سوريا ١٩٩٦م، مُجازة من جامعة دمشق كلية التربية «معلّم صف»، تبلغ من العمر أربعاً وعشرين عاماً، صدر لها سابقاً عن دار سما للنشر والتوزيع في الكويت ثلاث روايات:
– الصدف تأتي من الشمال: أُصدرت عام ٢٠١٨م.
– ليلة باردة في الجحيم: أُصدرت عام ٢٠١٩م.
– وهمٌ على مقصلة الموت: أُصدرت عام ٢٠١٩م.

هذا وصدر لها عن دار ببلومانيا للنشر والتوزيع في جمهورية مصر العربية، روايتين وكتاب قصصي:
– وأحاطت به خطيئته: أُصدرت عام ٢٠٢١م.
– طيفك يسكنني «صيف ماطر»: أُصدرت عام ٢٠٢١م.
– السقوط من السماء: كتاب قصصي صدر مؤخراً من هذا العام.
من أجواء الكتاب نص «حبّة الفستق»:
«يا حبّة الفستق، يا حبّة الفستق».
تناديني أمّي بهذا الاسم كنوع من أنواعِ الدّلال، فأشعرُ أنّي أكثرُ المحظوظين على هذه الأرض.
في البدايةِ كانت عناقيد الكرز تتدلّى على وجهي وشعوب الحياء تُقيمُ احتفالاً بين حبالي الصّوتيّة حين أسمعه، أمّا الآن فَتُقام المآتم على ملامحي وتُأسرُ حبالي الصّوتيّة خلف غصّةٍ لعينة تجعلُ من الموت أكثرَ نضجاً في داخلي، إلى هنا ما زال كلُّ شيء طبيعيّ فالفرق جليُّ ودقيق لمن تذوّق حلو الطّفولة ثمَّ وجد نفسه بجثّةٍ كبيرة خاملة في حقولِ زقّوم تبوحُ بحقيقةِ حياةٍ مُرّة تفوحُ منها رائحة الهموم..
تقولُ جدّتي: الأسماء تبقى حروف إلى أن نُدرك المعنى لكن دعيني أخبرك، حقيقة الإدراك يا جدّتي مُتْعِبَةْ، كأن نحبَّ الغلاف الخارجيّ للأشياء، نبتكر تعريفاً للجمال والحبِّ والسّعادة ببراءة، ثمَّ بلحظة غباءٍ نختار أن نرى ما خلفها، فننزعُ الغلاف لتحترق كلُّ تعاريفنا وتنفجرُ البساطة، إنّنا نحبُّ أن نُقيم في الخدعةِ طالما أنّها تتماثل مع رغباتنا وتُشعِرُنا بأنّنا نملك بوصلة أقدارنا، نكرهُ المواجهة لأنّنا ندرك أنَّ لا شيء خاضعٌ لنا وأنّنا خاضعون لمزاج الحقيقة المعقّدة، لقد فعلتها ورأيتُ وجهَ الحقيقة المشوّه، أدركتُ أنّي حبّة الفستق الكريهة والتي اختارت أن تبقى داخل قوقعتها حتى لا يكتشف البشر كم هي مشوّهة ومثقوبة، ولكن لو جئنا للحقيقة والتي أمقتها جدّاً فأنا لستُ واثقة من أنّي لن أُكسَرَ في وقتٍ ما، وهذا يخيفني أكثر مما تتصوّرين.
أدركتُ حقيقة اسمي وحينها عرفتُ كم أنَّ نزغ الغلاف خطيئة لا تغتفر، ثمنها باهظٌ جدّاً، ليت اسمي بقي حروف!! ليتني لم أعهِ يا جدّتي!!
لقد تعرّفت على الألم حينما كان عمري ثماني سنوات، رأيتُه يجلسُ في صدرِ بيتنا، يلوّح لي بأصابعه، يستدعيني لرؤية عائلته، يا للجمال!!
فقد كانت أسرة الألم متماسكة، الفقد يحتضن الشّوق طوال الوقت، والعجز يمسّدُ رأس الحزن برقّة، والخوف يرقصُ مع الشّكوك ببراعة، لقد حزنتُ حقّاً!!
لأنَّ عائلتي ليست بارعة بالاتّفاق، إنّما تُجيد فنَّ الخلاف وتبدعُ في اختلاق المشكلات..
كان صراخ والدي يعلو يوماً بعد يوم، وكنتُ أجرّب أن أحوّل تلك الأصوات في عقلي إلى أغنية حماسيّة وأرقص، أرقص بارتعاش وأهمسُ في أذني” لا بأس” إنّها موسيقا صاخبة وحسب..
ولكنّي في الحقيقةِ..
كنتُ كعودِ ثقابٍ يعيشُ في علبةِ كبريت، أنتظرُ دوري لأحترق!!، أعيشُ وفقاً لقرار الأصابع، وأقول بخوف” متى يحين دوري” متى سأنتهي من فوضى الاحتمالات، لقد انتظرتُ احتراقي بشوق، صارت النّيران أمنية، في حين يجب أن تكون خطيرة على طفلة مثلي.
عندما تصبح الأيّام عبارة عن محطّة انتظار ستعرف بأنَّ حياتك بلا قيمة، إنّما رهينةُ أملٍ أخرق يجهلُ قراءة الخرائط..
مضت السّنين وأنا أقول
اليوم أحترق..
غداً أحترق..
ربّما بعد الغد أحترق..
ولم أحترق كما رغبتْ، إنّما صفعتني النّيران مزّقتْ جلدي وأوجعتني، بينما كنت أسعى لنهاية كالرّماد.
هناك شمسٌ لا أعرفها، لم أرها في بيتنا، ولكنّي أعرف الظّلام جيّداً، رأيتُ عائلتي وهي تنسج وشاحه كلَّ يوم، وكلّما سألتهم كيف هو شكلُ الشّمس؟! كانت تعلو الأصوات وتعاود الموسيقا الحماسيّة الصّراخ من جديد، لكنّي تعبتُ من الرّقص حقّاً، ولم تعد أذناي تصدّقني، كلُّ شيء تحوّل إلى شجار، بعد أن سأم الخداع منّي استدعى الحقيقة، راحتْ تقول: هذه ليست موسيقا حماسيّة إنّها ساحة حرب، ومجمل الضّحايا أنتِ..
وبعد..
اتّضحتْ الرّؤية وصار قميص العائلة يتمزّقُ يوماً بعد يوم، انهارت أزراره ولم يبقَ سوى زرٌّ أخير، كنت أراني هناك، الوسيلة الوحيدة والمتبقية والتي تجمع بين طرفي القميص، خلعها يعني النّهاية..
هل يمكن لقطعة صغيرة أن تحمل جبلاً!!؟
لقد دُهستُ وأصبحتُ العدم، سقط آخر الأزرار ووقع الطّلاق..
في عمرٍ صغيرة جدّاً، في الوقت الذي كان عليَّ أن أصادق الفرح وأبتسم، أصبحتُ أكثر فهماً وقرباً للمشاعر، لقد صار عقل جدّتي في رأسي وأصبحتْ الأفكار تشيب مبكّراً..
وهنا يمكنني أن أعترف بالشّوق؛ ثقيل لكنّه ذاكرة؛ لا تستطيع أن تنسى طالما أنّك تشتاق..
أمّا الفقد فيشعرك بالفراغ بينما أنتَ في الحقيقة ممتلئ بمن تفتقد.
العجز ُيشعرك بالفشل بينما أنتَ في الحقيقة نجحتَ في تقبّل الواقع الذي ينكره الجميع.
وفي الحزن يخيّل لك من غلافه على أنّه وهن وخمول، بينما بحضوره تُصبح الذّاكرة أقوى والقلب أكثر نشاطاً، والعيون أكثر نظراً..
اشتقتُ وفقدت وعجزت بردتُ كثيراً، واستجديتُ حضناً عائليّاً واحداً يكسر غرور الصّقيع، الجميع أغلق أذنيه وعادَ استجدائي إليَّ ليخبرني أنّي الوحدة والعزلة والصّمت.
كنتُ كبقعةِ الزّيت التي لوّثت ثوب العائلة، ولكن بعد دعكي، تمَّ الأمر وتمزّق الثّوب وأصبحتُ الضّحية، كسروا حبّة الفستق، ظهرتُ خلف القوقعة أنا، كما أنا بكامل ألمي وثقوبي عارية من القوّة متآكلة بلا ملامح تُذكر..
ليس هناك أقسى من أن تعرف أنّك لستَ نتيجة حبٍّ إنّما مجتمع..
ليس هناك أقسى من أن تعرفك فاتورة يجب تسديدها للحياة..
الحياة ليست سلعة لنشتريها ونقوم بتعديلها بالشّكل الذي نريد، الحياة لا يمكنها أن تنشأ سوى من الحبِّ، الحبُّ الذي لا يمكن تخطّيه أو تعديله..
عوضاً عن الوجه المشرق لقد أهدوني التّجاعيد..
دوّنتُ مراحل موتي هنا، كي لا يقولوا ماتت مرّة واحدة، الموت ليس سيّئاً إنّما الحياة أطلقت عليه هذه الصّفة تمويهاً وخوفاً من أن نكتشف أنّها الموت الأكبر..
المطرقة التي كسرت قوقعتي فتّت حبّة الفستق يا أمّي..
تحت عجلات السّيارة، وُجِدَتْ الورقة، كُتِبَ على غلافها..
” أيّها القارئ لا يغريك غلاف هذه الورقة، إذا كان قلبك قويّاً فانزع الغلاف ولكن أحذّركَ، ثمن الحقيقة باهظ..
وإذا سألتَ من أين ومن؟!
فالمُرسل: ضحايا التّفكّك الأسريّ
والمُرسل إليه: المجتمع.
على يمين السّيارة أطفال مبعثرون يشحذون المال بدلاً من السّعادة.
وعلى يسارها حبّة الفستق “سارة”، جثّةُ مفتّتة وحيدة كما كانت دائماً، عيونها تحكي بصوتٍ مسموع، تقول بقهرٍ:
– أنا نتيجة جهلكم، لا تنجبوا الأخطاء فالنّهاية مروّعة.


شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

غالب حداد

1. مقدمة: استكشاف “العالم الجميل الموجود”

تُقدّم مجموعة القاص والشاعر الكردي السوري عبد الرحمن عفيف، “جمال العالم الموجود”، نفسها كعمل أدبي ذي كثافة شعرية فريدة، يرسم ملامح مجتمع مهمش، ويحول تفاصيل حياته اليومية إلى مادة للتأمل الفني والوجودي. ويأتي تحليل هذه المجموعة، التي تمثل تطورا لافتا في مشروع عفيف الأدبي الذي تجلت ملامحه…

مصطفى عبدالملك الصميدي| اليمن

باحث أكاديمي

هي صنعاء القديمة، مدينة التاريخ والإنسان والمكان. من يعبر أزِقَّتها ويلمس بنايتها، يجد التاريخ هواءً يُتَنفَّس في أرجائها، يجد “سام بن نوح” منقوشاً على كل حجر، يجد العمارة رسماً مُبهِراً لأول ما شُيِّد على كوكب الأرض منذ الطوفان.

وأنتَ تمُرُّ في أزقتها، يهمس لك الزمان أنّ الله بدأ برفع السماء من هنا،…

أُجريت صباح اليوم عمليةٌ جراحيةٌ دقيقة للفنان الشاعر خوشناف سليمان، في أحد مشافي هيرنه في ألمانيا، وذلك استكمالًا لمتابعاتٍ طبيةٍ أعقبت عمليةَ قلبٍ مفتوح أُجريت له قبل أشهر.

وقد تكللت العمليةُ بالنجاح، ولله الحمد.

حمدا لله على سلامتك أبا راوند العزيز

متمنّين لك تمام العافية وعودةً قريبةً إلى الحياة والإبداع.

المكتب الاجتماعي في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الكرد في…

د. فاضل محمود

رنّ هاتفي، وعلى الطرف الآخر كانت فتاة. من نبرة صوتها أدركتُ أنها في مقتبل العمر. كانت تتحدث، وأنفاسها تتقطّع بين كلمةٍ وأخرى، وكان ارتباكها واضحًا.

من خلال حديثها الخجول، كان الخوف والتردّد يخترقان كلماتها، وكأن كل كلمة تختنق في حنجرتها، وكلُّ حرفٍ يكاد أن يتحطّم قبل أن يكتمل، لدرجةٍ خُيِّلَ إليَّ أنها…