قرابين…

  صالح جانكو

  امتحان الظلِّ لسقوط الأممِ, التي
مازالت ترضعُ من ثديِّ الخوفِ
الذي يمارسُ سطوتهُ
كُلما تنهدتِ الأرضُ من يأسِ الحقيقةِ,
وانهمارِ الأضرِحةِ,

على صفحةِ المساءِ الهاربِ,
إلى سُباتهِ الأبديِّ..!
كَم مِنْ الحلماتِ تكفي
حتى نُرضِع أوهامنا منْ ثديِّ الحقيقةِ
الهائمةِ فوق أضرحةِ المكان..؟
حيثُ المكانُ لا يأوي الذين
لا مكان لهم في زحمةِ الأحلامِ
الهاربةِ مِنْ نومها ,
إلى مقابر الشهداءِ
لتقلق هدوء الشواهد
التي لا تفصحُ عن أسماءِ ساكنيها..!
مُدُنٌ
بالأمسِ كانت مدناً لَهُمْ
ولها أسماءٌ لا تدلُّ عليها,
حيثُ غابت العناوينُ
عن جُدرانها التي لم تعُد جُدراناً
لتدُلَّ على بطلان الحقائق
وزيف اليقين الهاربِ
إلى الأمكنةِ التي لم تعُد أمكنةً لأصحابها
بل خزائِنَ للنهب
فيا ليت …
أن يستدلّ إلينا
مَنْ ينبشِ ذاكرةَ هذهِ الأرض
التي لا تكشفُ عن أسرارها
إلا للذين غادروها
إلى حيثُ اللامكان..!
…………
يا الله…..
كم من القرابين تكفيك
لترى كلَّ هذهِ الأكفَّ المرفوعةِ
إلى عليائك
كلهم بشر
أنت خلقتهم …
ليمارسوا ما كلفتهم به مع الجن
يقولون تمهلوا ليأخذوا كفايتهم من المهل
ولنأخذ كفايتنا من الموت,
ونملأ سلال العشق
بأسماء شُهدائنا
هو ذاته ذلك الموت الذي لا يصغي
إلى ثرثرات الاجتماعات,وقاعات المؤتمرات,
والمؤتمرين والمتآمرين على مصائرنا
لصوصٌ يتربصون بالشمس
ليملؤا سلالهم بالضوء,
ويسيرون بها إلى مغارةٍ هي آخر المرتجى
من رحلة قنص المتعبين السائرين
وراء نعوشِ بعضهم بالتناوبِ
اليومَ اهتِفُ لهُمْ
ليهتفوا لي
حينما أغادرهم إلى حَيثُ تَسكُنُ أحلامنا
وانضمُ إلى سهرةٍ هيأَها الشُهَداءُ لي,
ونَتَألمُ على كلِّ مَنْ أخطأهُ القناصُ.
آ آ آ هٍ…
لوْ يُدْرِكَ الباقونَ كَمْ نَحِنُّ إلى أجْسادِنا
التي توغَلَتْ في رِئَةِ الأرضِ
شهيقاً
وحينَ زَفيرها تَتَلَوَنُ بأحْلامِنا
كمْ رَبيْعاً سَنَنْتظِرْ
حتى يَرْحَلَ الطُغاةُ عَنْ أجْسادِنا
لِتَسْتَبْدِلَ هذهِ الأرض سُكانَها
بعُشّاقٍ يَتَراشَقونَ بالأحلامِ قَبْلَ أنْ تَدْهَسها نِعالهُمْ
وتُبَعثِرُها طَلقاتُ مدافِعِهِمْ ..!
هيَّ ذاتُ الحكايةِ
تُطْوى في كلِّ مَرَةٍ
ليَعودَ سارِدٌ ما ويَسْرِدَها عَلَينا مِنْ جَدِيدْ.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…

إبراهيم سمو

عالية بيازيد وشهود القصيدة: مرافعةٌ في هشاشة الشاعر:

تُقدِّم الكاتبة والباحثة عالية بيازيد، في تصديرها لأعمال زوجها الشاعر سعيد تحسين، شهادةً تتجاوز البُعد العاطفي أو التوثيقي، لتتحوّل إلى مدخل تأويلي عميق لفهم تجربة شاعر طالما كانت قصائده مرآةً لحياته الداخلية.
لا تظهر بيازيد في هذه الشهادة كامرأة تشاركه الحياة فحسب، بل كـ”صندوق أسود” يحتفظ…