أصالة الرّجل الكرديّ تظهرُ حين يفتقدُ البدرُ

نارين عمر
 narinomer76@gmail.com

اعتدنا – نحن البشر- أن نقوّمَ الكائنَ الحيّ منّا طبقاً لشكله ومستوى عائلته وتحصيله العلميّ, أو وفق تصرّفاته اليوميّة الاعتياديّة أو نموذج معيشته, أو حسب فزلكاته الّلفظيّة والّلغويّة التي تتراوحُ بين المجاملةِ والزّخرفةِ في القول والمزايدات, ولكنّنا قلّما نحاول اختباره في الشّدائدِ وفي المواقف الجدّيّة والفاعلة لنكتشفَ معدنه, ونتعرّفَ إلى أصالته كإنسان سليم المبدأ والموقفِ؟
في ليلةٍ ليلاء –كما تُسمّى في قاموس الشّعراء- كنّا نسعى إلى تحقيق حلم جميل لنا بزيارة الجزء المحرّر من كردستاننا الغالية, حيث كان من المقرّر أن نعبر الحدود عبر الممرّ المائيّ ولكن شاءت مشيئة البعض أن نجتاز عبر المعبر التّرابيّ الذي كان بالنّسبة إلينا مجهول الهويّة والانتماء, ولهذا السّبب وافقنا على القرار, لنجدَ نفسنا فجأة وجهاً لوجهٍ, وعيناً لعين, وقدماً لقدمٍ أمام طريقٍ مظلم, مكفهرّ, متعدّد الصّفات والمآثر, تتجمّعُ فيه كلّ أنواع التّضاريس من تلال ووديان وأخاديدَ وتعرّجاتٍ وحجارةٍ صغيرة وكبيرة, وحصيّات شائكة وملساء.
سرنا عدّة أمتارٍ وحقائبنا فوق الظّهر والكتِفِ أو مشدودة بين الأكفّ, وكلّنا تحدٍّ وحيويّة بأنّنا سنعبرُ الطّريقَ بثقةٍ وأمان دون أن نأخذَ بعين الاعتبارِ أنّ تحدّي السّماءِ لا تعلو عليه قوّة, حين بدأت تمطرُ بقوّةٍ حيناً وبرخاوةٍ حيناً, وكأنّها كانت ترأفُ بحالنا.
وصلنا إلى تلّةٍ نحاولُ تجاوزها إلا أنّها أبت, وتحدّينا, فعبرناها بسلامٍ, وبدأنا نرى الطّرقَ كلّها مسدودة أمامنا, حتّى صرنا كالكرةِ في كفي التّرابِ المتحوّل إلى وحلٍ, وهو بدوره يمارس علينا شتّى صنوفِ الزّحلقةِ والوقوع والسّقوط. المهمّ أنّنا وصلنا إلى حدّ اليأسِ والاستسلام, فجأة ودون سابق إنذار وتصميم وجدنا أمامنا ملائكة لكن بهيئةِ بشر, لا نعلم إن كانوا هبطو علينا من السّماءِ أم انبثقوا من تحتِ الأرض؟ ما نعرفه يقيناً أنّهم ظهروا لنا. الشّيء الوحيد الذي تأكّدنا منه أنّهم كانوا رجالاً وشباباً  يرتوون من صدق أمّهاتِ كردستان, يتغذّون بشهامةِ آباءِ كردستان, ينحدرون من نسل كرديّ أصيل, نقيّ كنقاءِ حليبِ أمّهاتهم, تتمازجُ لهجاتهم بين الكوجريّة والدّيمانيّة والبوطانيّة .
عرضوا علينا المساعدة فوافقنا على الفور دون أن نعرفَ عنهم شيئاً, المهمّ أنّنا وجدنا على تلك الأرضِ مَنْ يشبهنا في الهيئةِ والحديثِ والمنطق. بعد أن أفقنا من ذهولنا, وتمكّننا من لملمة ذاتنا ولمّ أشلائنا المتناثرة بدأنا نسأل ونستفسر عنهم لنجدهم باختصارٍ:
نخبة من رجالنا وشبابنا الكرد الذين يُسمّون –مع الأسفِ الأكثر من شديد- بمهرّبي الدّخان والمازوتِ والبنزين, ولدى بعضنا الآخر يُسمّون بقطّاع الطّرق أو قليلي المروءةِ والذمّةِ ومسمّياتٍ أخرى على الرّغم من أنّ العديد منهم كان يحملُ شهادة علمية.
هؤلاء هم الذين لا يحسنون فنون تطبيق الكرافيتة على الصّدر, ولا يميّزون ألوان القميص على الطّقم الرّسميّ, ولا يجيدون زخرفة الحديثِ ولا فزلكة النّطق والكلام, ولا يتنافسون على المقاعد الأماميّة في المناسبات, ولا يتنافسون إلى تقبيل خدّ هذا أو كفّ ذاك مقابل مصالح شخصيّة أو غير شخصيّة.
أمّا حول أسباب مساعدتهم لنا فلخّصوها في التّالي:
-بعض نساءِ الكردِ احتجن إلى المساعدةِ في هذه الطّريق المظلمة, فرأوا من واجبهم نجدتهنّ ومساعدتهنّ على اعتبار أنّ كلّ امرأةٍ, كلّ فتاةٍ كرديّة هي بمثابةِ الأمّ والأختِ والابنةِ لهم.
-كان زميلٌ لنا يشاركنا مسيرنا ومأساتنا قد أخبرهم أنّنا مجموعة من الإعلاميّين والكتّاب ضمن الوفدِ الإعلاميّ الذي سيزورُ اقليم كردستان العراق لحضور (ملتقى إعلاميي جنوبِ وغرب كردستان), فأكّدوا على أنّ تقدير الإعلاميّين والكتّاب الكردِ واجب عليهم على اعتبارهم يمثّلون الوجه الحضاريّ المشرق للثّقافةِ والأدبِ الكرديّين. حقاً وجدنا في هذا التّقدير والتّكريم العزاء والمواساة لنا.
نعم, أصالة الرّجل الكرديّ تظهرُ في الملّمّاتِ والمصاعب وحين النّجدةِ والاستغاثة بهم, والأصيل منهم معروفٌ دوماً بشهامته وغيريته وإيثاره على شعبه ومجتمعه.
-ألف تحيّةٍ وسلام إلى أولئك الرّجال الطّيّبين.
آلاف ورود وأزاهير الشّكر والعرفان نغرسها في رياض قلبهم ونفسهم الأصيلة.
آلاف الشّكر إلى أمّهاتهم الّلواتي أرضعنهم نقاء الطّيبةِ والإيثار, وإلى آبائهم الذين ربّوهم على الشّهامةِ والنّخوة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

سمكو عمر لعلي

مقدمة

لم يكن الحاج أحمد ملا إبراهيم مجرد اسم عابر في تاريخ الحركة الكردية، بل كان رمزًا للنضال والمثابرة من أجل قضية شعبه. وُلد عام 1923 في بلدة عين ديوار، التي تقع اليوم ضمن الحدود السورية، لعائلة مناضلة تمتد جذورها إلى شرق كردستان من اقرباء سمكو اغا الشكاك ، حيث كان والده الملا إبراهيم…

تقرير صحفي: شهدت جامعة النجاح الوطنية يوم الخميس الموافق 20/11/2025 إنجازاً أكاديمياً لافتاً، تمثل في مناقشة رسالة الماجستير المقدمة من الطالبة رجاء رشيد محمود الحلبي في برنامج اللغة العربية وآدابها، جاءت الرسالة تحت عنوان: “روايتا “الحاجز” و”حب في منطقة الظل” للكاتب عزمي بشارة دراسة تحليلية في المضمون والفن”، وقد أعلنت اللجنة نجاح الطالبة وحصولها على…

عِصْمَتْ شَاهِين الدُّوسَكِي

 

يَا لَيْلُ

أنَاجِي الرُّوحَ وَهِيَ بَعِيدَةٌ

تَلْهُو فِي صَمْتِي الْمَجْرُوحِ

آهٍ يَا لَيْلُ

صَمْتِي كَحَرِيقٍ فِي صَدْرِي

وَجُدْرَانُهُ تَكْتُمُ قَدَرِي

آهٍ يَا لَيْلُ نَوَافِذُ مُغْلَقَةٌ

وَأَبْوَابٌ صَامِتَةٌ

كَتِمْثَالٍ جَمِيلٍ

أُنَادِي وَكَأَنَّ السَّمَاءَ تَسْمَعُ صَوْتِي

وَلَا أَهْجُو أَحَدًا

بَلْ أَهْجُو كُلَّ النِّدَاءَاتِ

يَا لَيْلُ كَمْ طَوِيلٌ هَذَا الظَّلَامُ

كَمْ طَوِيلٌ هَذَا الْخِصَامُ

كَمْ طَوِيلٌ هَذَا الْحُسَامُ

الَّذِي يَقْطَعُ شَرَايِينِي

يَا لَيْلُ لَا أُعَزِّيكَ

وَلَا أَثْرِي بِكَ

وَلَا أُعَزِّي إِلَّا نَفْسِي

مُرَادُكَ…

عبدالجابر حبيب

 

خارطة

جلبوا الأطلس؛ دليل إثبات وجودهم على أرضهم، بحثوا عن دولتهم التائهة في عمق الجغرافيا، احتد النقاش بينهم، اختلفوا حول التفاصيل الدقيقة، اشتد الصراع بينهم حول الكرسي،

 

حسرة

بعدما عثروا على جذورهم الراسخة في دهاليز التاريخ،

أخبروهم أن الشرق الأوسط الجديد لا يضم سوى الأسماء الموجودة سابقاً على خريطة العالم

 

إنسانية

كتب المؤرخ: الحفاظ على الكائنات المهددة بالزوال….