هل يوجد أكرادٌ في سوريا فعلاً..!؟

حسين جلبي

كان ذلك في وقتٍ متأخر من ليلةٍ رمضانية صيفية عندما كنتُ أقود السيارة على الطريق السريع قُرب أضنة متجهاً مع عائلتي من أسطنبول نحو باطمان في رحلةٍ طويلة بدأت من ألمانيا، كنا متعبين و نبحث عن مأوى نبيت فيه الساعات المتبقية من الليل لنستأنف بعدها رحلتنا نحو مقصدنا، وصلنا إلى إحدى محطات الوقود حيثُ كانت الشاخصة تشير إلى وجود (موتيل) للمبيت، أوقفتُ السيارة و توجهتُ إلى النُزل المنعزل بين الأشجار، دخلتُ و بدأتُ أُنادي دون أن يرد علي أحد،
كان رجعُ صوتي يزيد من شعوري بأنني في بيت أشباح، أسرعتُ بالخروج متجهاً إلى الأستراحة القريبة حيثُ كان بعض الناس يتناولون طعامهم في صمتٍ قطعتهُ موجهاً كلامي إلى لا أحد، متسائلاً: هل يوجد هنا كُردي أو أحدٌ ما يتحدث الكُردية؟ إلتفت الجميع و هم ينظرون إلي شزراً بينما كانت أفواههم تتابع لوكَ الطعام، و بينما أنا في حيرةٍ من أمري، أسأل نفسي عن الخطأ الذي ربما أكون قد إرتكبته، تقدم مني نادلٌ في الثلاثينيات من عمره، حياني باللغة الكُردية عارضاً علي خدماتهُ، بادلتهُ التحية و شكرته و شرحتُ لهُ ما جرى معي فتقدم أمامي نحو (الموتيل) و طلب مني أن أتبعهُ ففعلت، في الطريق سألني عمن أكون و ماذا أفعلُ هناك مستغرباً عدم معرفتي بالتركية رغم أنني كُردي كما يبدو، قلتُ دون تردد: نعم أنا كُردي من سوريا، لكنه صفعني قائلاً: و هل يوجد أكرادٌ في سوريا..!؟ فقلت لهُ: أنت لست جاداً بالتأكيد في سؤالك، فقد كنت أظنهُ يمازحني أو في أحسن الأحوال يسألني على خلفية الهجرة الملعونة التي كادت تفرغ سوريا من أكرادها، لكنهُ أكد أنه يعني ما يقول، و رغم ذلك رحتُ أبحثُ بين كلماته عن أملٍ ما في أن يكونَ غير جادٍ، إلا أنهُ أضاف قائلاً: آبي (أخي) أنا أعمل هنا منذُ سنوات طويلة بمعدل إثنتا عشرة ساعة في اليوم ثم أذهب بعدها منهكاً إلى البيت لأرتمي في فراشي كالميت، قلت يائساً: ألم تلتقي بكُردي من سوريا قبل الآن؟ و التلفزيون، ألا تشاهد التلفزيون؟ قال بأنه يُتابع برامج التلفزيون التركي عدا نشرة الأخبار، قلت: أتعلم أنهُ لم تبقى دولة أو يبقى شخص و خاصةً خلال السنتين الأخيرتين على الأقل لم يسمع بالكُرد السوريين نتيجة ما يجري في مناطقهم حيثُ تشردوا في كل أصقاع الأرض، قال: أنا لم أسمع.
كان ما يشفع للرجل الأنيق الذي ينكر وجودي هو لغتهُ الكُردية الجيدة و شهامتهُ، سبقني في الدخول إلى (الموتيل) فإنشق الحائط ليخرج منهُ رجُلٌ شبح راح يتبادل معهُ الحديث، و كان الشخص الذي يُمثلي يغضب أثناء ذلك و يشير إلي كل مرة ترد فيها كلمة (سوري)، في إحدى اللحظات السريعة شعرت بقرب وقوع قتال بين الطرفين بسبب إحتداد صاحبي الذي إلتفت إلي أخيراً ليعلن قرارهُ القاطع: (آبي)، لا أريدك أن تبات هنا، سألتهُ عن السبب فوضح لي بأن الرجل الشبح عديم الناموس لأنهُ عرف بأني من سوريا و هو يظن بأنني هاربٌ و مُضطر للمبيت في نزله الوضيع، لذلك هو يستغل وضعي و يطالب بضعف الأجرة، فقلتُ و أنا أوافقك الرأي ليس بسبب المال و لكن لسبب يتعلق بكرامتي التي تأبى أن يستغلني أحد حتى لو أُضطررت للمبيت على قارعة الطريق، شكرته و أنا أودعهُ قائلاً: أرجو أن لا تنسى بأن هناك أكراد في سوريا، فوعدني بذلك.
تابعت السفر و كانت الساعة قد بلغت الواحدة ليلاً، بعد عدة كيلومترات صادفت دورية للشرطة توقفت عندها و سألت عن هوتيل، فأشار علي شرطي بمغادرة الطريق السريع في أقرب فرصة ممكنة للتوجه إلى بلدة (أضنة جيهان)، إستعملت المخرج التالي و كان أول ما وقعت عليه عيناي حينذاك رجلين جالسين يتسامران قرب بيتٍ معزول، توقفت بمحاذاتهما فتقدم الأصغر سناً مني فرحت أشرح لهُ ما أحتاجه مستعملاً ما تيسر لي من اللغات و الإشارات، فهمت من الرجل الشاب الذي كان يتحدث التركية أن أقرب فندق يقع في البلدة التي تبعد عشرين كيلومتراً، و إنهُ سيرافقني إلى البلدة لأنني سألاقي و لسببٍ ما صعوبةً في الإستدلال عليه، رفضت أول الأمر عرضه، لكنني و أمام أصراره الشديد و بسبب عدم فهمي للمشكلة الحقيقية التي ستُصادفني، لم أجد مهرباً إلا القبول، في الطريق تابعنا الحديث باللغة الخاصة التي إخترعنا معاً أبجديتها، فهم دليلي أنني كُردي من سوريا و قد رحب بي و أظنهُ كان يذكر أشياء تدل على معرفته بالكُرد و مناطقهم في سوريا و ما يجري في بلدي عموماً، حاول الرجل كثيراً التخفيف عني و مواساتي و حاولتُ إظهار إمتناني لهُ خاصةً على تركه لصاحبه وحيداً هناك، كنت أُفكر طوال الطريق عن السبب الذي يدفع شخصاً ما إلى تقديم العون لشخصٍ لا يعرفه بحيثُ يترك صاحبه لأجل ذلك وحيداً و قد كنتُ أُفكر طوال الوقت في كيفية عودته إليه، و صلنا إلى الهوتيل، أيقظ صاحبي العامل و أخذ يحدثهُ، كانت هناك غُرفة مناسبة و قد طُلب مني أُجرةً تقلُ عن التسعيرة الظاهرة على الحائط المقابل بما يُعادل النصف، كان الشخصين يتحدثان بطريقة ودية للغاية شعرت بأنها إنعكست على تعامل رجُل الهوتيل معي، أجرى صديقي مكالمة هاتفية ثم طلب مني إيصالهُ إلى مكانٍ ما و طلب من عامل الأوتيل الإنتظار، قطعنا شوارع البلدة النائمة حتى وصلنا إلى أحد البيوت، و عندما قرع صديقي جرس الباب خرج شخصٌ آخر رحب بي و كأنهُ يعرفني، ثم صعد الإثنان إلى سيارة كانت أمام المنزل بعد أن طلبا مني أن أتبعهما، قاداني إلى الفندق ثانيةً، و بعد أن إطمئنا إلى صعودي إلى غرفتي، غادرا إلى حيثُ ينتظر الشخص الآخر أمام ذلك البيت المهجور.
01.09.2013

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…

شكري شيخ نبي ( ş.ş.n)

 

والنهد

والنهد إذا غلا

وإذ اعتلى

صهوة الثريا وابتلى… ؟

فما ضل صاحبك

ولا جرى في الغوى… !

 

والنهد

اذا علا

حجلين اضناهما

الشرك في اللوى

او حمامتين

تهدلان التسابيح في الجوى… ؟!

 

والنهد

اذا غلا

عناقيد عنب

في عرائش السما… ؟

توقد الجلنار

نبيذا في الهوى… !

 

والنهد

اذا غلا

وإذ اعتلى صهوة الثريا والنوى

تنهيد في شفاه التهنيد…؟

كالحباري

بين مفاز الصحارى

اضناه

مشاق اللال والطوى… !

 

والنهد

اذا علا

وإذ اعتلى كالبدر وارتوى… ؟

فما ضل صاحبك

ولا وقع في شرك…