صفحات منسية: مجزرة حاصده فوقاني أيار 1926م

كونى ره ش

انتهج الأتراك بعد ثورة الشيخ سعيد البيراني عام 1925م، في آمد (دياربكر)، سياسة الأرض المحروقة في المناطق الكوردية، وبشكل خاص على جانبي الحدود بين سوريا وتركيا.. ولم يكتفوا عن قتل الكورد وتهجيرهم في الداخل، بل لاحقوهم على الجانب الآخر من الحدود داخل الأراضي السورية أيضاً.. وهكذا توالت الأحداث وتحولت الكثير منن تلك الأحداث بمرور الزمن الى احداث تاريخية وذكريات أليمة ومرة.. والمجزرة التي تعرضت لها قرية (حاصده فوقاني)، تدخل في هذا السياق، وهنا لا بد من تسليط الضوء ولو قليلاً على أحداث قرية حاصده، كونها لا تبعد عن مدينة القامشلي سوى (20) كم فقط، وراح ضحيتها اكثر من (25)، شخصاً بريئاً..
 وهنا انقل لكم الحادثة كما سمعتها منذ الصغر من كبار السن، وهي متطابقة مع المقال المنشور في مجلة (الحوار)، العدد المذدوج (9-10)، خريف وشتاء 1995م، بقلم عبد الصمد داوود (دلوفان)، مع بعض التعديل وبالاتفاق معه:

حاصده فوقاني قرية تقع على الحدود السورية – التركية مباشرة وتبعد عن مدينة القامشلي غربا مسافة حوالي 20 كم وعن مدينة عامودا شرقا حوالي 10 كم, وكانت القرية في ذلك الوقت (تاريخ ارتكاب المجزرة) تتألف من حوالي 70 منزل يقطنها أكثر من 80 فلاحا و7 ملاكين وكان لديهم ماينوف على 100 بندقية. وكان مختارها حسين علي دللي وجميعهم من عشيرة الميرسينان.
في أواسط شهر أيار1926 رجعت كتائب من الجيش التركي من منطقة آليان، الواقعة على الحدود السورية، داخل الأراضي التركية، بعد أن نفذت مجزرة في قرية (آله قمشي)، الواقعة شمال قرية (ديرونا آغي)، بحدود 6 كم فقط والتي راحت ضحيتها أكثر من 1431 شخصاً بريئاً، قتلاً وحرقاً.. والشاعر (جكرخوين)، خلد هذه المجزرة في باكورة اعماله الشعرية بقصيدة (Pîra Torê)..  ووصلت مدينة (نصيبين). ثم توجهت منها باتجاه مدينة (ماردين) غرباً. حينها كان هناك عدد من رجالات الأكراد عائدين من بعض القرى التي تقع شمال الخط الحديدي الفاصل مابين سوريا وتركيا وصدف ان تلاقوا مع طلائع الجيش التركي العائدة نحو ماردين في شمال قرية حاصده فوقاني… لكن الجيش التركي توقف هناك ثم بدأ يغير اتجاهه وتحرك نحو قرية حاصده فوقاني, وقسموا قواتهم للهجوم على القرية من ثلاثة محاور, وعند الفجر بدأوا بضرب القرية بالمدافع. حينها تشاور الملاكون والمختار وقرروا المقاومة فحملوا أسلحتهم واحتلوا الخندق الموجود خصيصا للمقاومة.. ولكن بعد اشتداد القصف المدفعي ووضوح ضخامة الجيش المهاجم, تراجع عدد من أهالي القرية وجهزوا أنفسهم ودوابهم وهربوا جنوبا او اختبأوا بين حقول القمح والشعير.
وصل إلى أعلى التل ستة مدافعين وهم المختار محمود دللي وأخوه الأكبر حسين دللي (وقد كان حسين مختارا لقرية كردو التي تقع جنوب حاصده فوقاني على مسافة / 12/  كم، وقد كان في زيارة لأخيه محمود تلك الليلة ليمنحه أخوه محمود (زبارته: أي بعض الفلاحين لمساعدته في الحصاد..)، لكي يقوم بحصاد شعيره في قرية كردو قبل قدوم الجراد الآتي من الجنوب، فيصيب حقول قرية كردو قبل حقول قرية (حاصده فوقاني)، وكان منهما غلامان لهما وهما عيسى خرابباني واحمد علو قطو, كما احتل الخندق اعلا كان محمد شيخي علو ومحمد اسعد وعلى أساس ان يلتحق بقية المدافعين. لكن احد جنود الاستطلاع التركي كان قد وصل إلى مسافة قريبة من التل ولاحظ بوضوح ان أهل القرية يحتلون الخندق حتى أعلى التل فأطلق طلقة باتجاه احدهم فصيب وهو محمد شيخي علو, وفي نفس اللحظة أصابت طلقة مدفعية الراقم الموجود على التل وتوالت القذائف على التل والخندق ووجد المدافعون ان المقاومة من الخندق ومن أعلى التل لا تجدي نفعا فتقرر الانسحاب إلى القرية والمقاومة من سطوح المنازل والكوى ومن على السلالم المصنوعة من الطين واللبن وحمل الجريح إلى اقرب بيت وهو بيت محمود جمو. لكن اشتداد القصف المدفعي واقتراب الجيش التركي من القرية في ثلاث جهات اسقط في أيديهم وحصل هرج ومرج ولم يعد هناك مجال لتنظيم المقاومة والدفاع عن القرية وتسارع البعض في الهروب نحو الجنوب للاختباء بين حقول القمح والشعير, مع شروق الشمس كانت طلائع القوات التركية قد دخلت القرية وبدأت تقتل كل من صادفوه وفتشوا القرية بيتا بيتا فقتلوا كل من صادفوه ونهبوا البيوت حتى لم يتركوا شيئا ذات قيمة حتى وجوه الأسرة والمخدات والستائر ودخلوا مسجد القرية وكان عند بابه رجل فقتلوه في المسجد كان إمام القرية ملا حامد ملا عبد الرحيم ومعه 7 فقهاء يأخذون الدروس الدينية فقتلوهم جميعا بالحراب الطلقات واحمرت جدران الجامع الداخلية بدمائهم. وكانت هناك إمرأة على سطح دارها تصرخ وتولول هي نورة سليمان فأطلقوا عليها النار فماتت من فورها كما دخلوا بيت محمود جمو ولم يكن فيه إلا الجريح محمد شيخي علو وعند رأسه زوجته نورة خلو وأمه فاطمة حسن فأطلقوا عليهم النار حيث قتل الجريح وأصيبت نورة خلو في كتفها وفاطمة حسن في يدها. وكان مختار القرية وأخوه قد اختبأوا في بيت مهجور ومتهدم عائدة لصالح خنسة, وبعد ان التقى الجنود القادمون من المحاور (الشرق والغرب والشمال) وقتلوا كل من صادفوه عند تمشيط للقرية استراحوا في ساحة تقع في منتصف القرية وعلى رأسهم قائدهم. وكان البيت المهجور حيث اختبأ فيه الأخوان في مواجهة تلك الساحة وراح الأخوان يراقبان الجنود من كوة صغيرة, فخرج حسين الأخ الأصغر من البيت المهجور وتوجه نحو الضابط على أمل التفاهم معه بان يتركوا القرية فالقرية وأهلها لم يتعرضوا للجيش التركي, لكن الضباط التركي أمر جنوده بقتله فانهالت عليه وابل من الرصاصات وعندها خرج أخوه محمود أيضا فأطلقوا عليه أيضا 7 طلقات لكنه بقي حيا مدة يومين. بعد ان أنهى الجنود النهب والسلب والقتل غادروا القرية مخلفين ورائهم جثة 21 رجلا وجثة امرأة وثلاث جرحى هم عيسى منيرجي وفاطمة حسن ونورا خلو.
بعد ابتعاد الجنود الترك عن القرية الى مسافة كافية خرج أهالي القرية المختبئون بين حقول القمح والشعير جنوب القرية لننظرنتائج المجزرة البشعة وما حاقت بقريتهم وممتلكاتهم… وارتسم على وجوهم ندم كبير على عدم تعاونهم رغم عدم التكافؤ في القوة خاصة وان دم 22 شخص راح دون مقابل.

ملاحظة: نقلت وقائع هذه المجزرة من أفواه بعض المسنين مثل حاج احمد علو, شيخي سعدو ملا صديق, آل دللي. مع بعض الاختصار.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عصمت شاهين الدوسكي

 

ربما هناك ما یرھب الشاعر عندما یكون شعره تحت مجھر الناقد وھذا لیس بالأمر الحقیقي ، فالشاعر یكتب القصیدة وينتهي منھا لیتحول إلى تجربة جدیدة ،حتى لو تصدى لھ ناقد وبرز لھ الایجابیات وأشار إلى السلبیات إن وجدت ، فلیس هناك غرابة ، فالتحلیل والتأویل یصب في أساس الواقع الشعري ،وكلما كتب الشاعر…

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…

ربحـان رمضان

بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه ” حلم الأمل ” .

قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في…

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…