الطبع يغلبُ التطبّع

غسان جانكير

حدثنا العطال البطال قال: لمّا زاد النظام المافيوي من طغيانه, وهدّد بعدم استقرار أحوال جيرانه, وأحرج بموبقاته أحبابه وخلانه, إنفضّ من حوله الجمع, وخسر من المنافقين الطاعة والسمع, ومالوا عنه بلا ندم, خشية أن يأخذهم معه إلى العدم, فهاموا على وجوههم مدة قصيرة, وراحت عنهم النعم والفرش الوثيرة, وباتوا يقعدون على الأرض ويفترشون الحصيرة, إلى أن أهدتهم البصيرة, في ممارسة نفاقهم المتأصل بطريقة مُثيرة, فحرّموا على أنفسهم شرب العرق والبيرة, وزايدوا على السلفيين بتطويل اللحى, وأطالوا صلاة الفجر الى الضحى, ونفضوا الغبار عن مفردات نادرة, قد طُمرت مع العصور الغابرة .
فبينا أهمُّ بالعبور إلى تركيا, مع رفقة إعلاميين من سوريا , جُلّنا لا يحمل جواز السفر, وكذا مُعظم المسافرين في المعبر, وكأنما يوم الحشر في تل ابيض, وكلُّ رميم من لحده نهض, أو كأنما غولٌ يتبدّى للبشر في النهار كما المساء, على شكل براميل مُتفجّرة تسقط من السماء, وتخطف الأرواح خبط عشواء, والعيون ترنو إلى مُخيم (آكجقلي) , وميلهم إلى رجحان كفة الغربة التي كطعم الحنظلِ, أمتعتهم تشي بفقر الحال, فرشٌ و بطانيات و أسمال . وكما الموج نترنح يمنة ويسرة, والصراخ والعويل يصل إلى أقاصي المجرة, بسبب العبور من باب صغير كما خُرم إبرة, و تحكّم المزاج في السماح بالعبور, ودفع الرشا للبعض منهم ليس بالأمر المحظور , وفي البحث عمّن بيده مفاتيح الفتح والإغلاق, علّ و عسى نستدرّ منه الإشفاق, توسّمت الخير في وجه أحد العناصر, وحادثته برقّة وأسلوبِ شاعر, وقلت له: هلا عبّرتنا بالبطاقة الشخصية, فتكسب ثواباً من رب السماء والبرية, وندعو بالتوفيق لك في المساجد والمزارات التركية. ولمّا لم أجد منه سوى الصدّ, ولم يجبني بمأمول الردّ, تفرّست في ملامحه, فطفحت إلى السطح فضائحه. كان يغمز بطرفه بين الفينة والفينة, فأردّ بمثلها بين الحين والحينة, إلى أن استدرك جهلي في هكذا مسائل, ولابُدّ إني لمبتغاه حائل, فوشوش في أُذني قائلاً : أعلمُ صعوبة الحصول على الجواز, فأنا في هذا الاختصاص مُجاز, قد كنتُ عنصراً في الأمن الجنائي, و مراجعته من أجل (لا مانع) أمرٌ غبائي , وبالعربي الفصيح, يا ذا الوجه المليح, أُمرركم و كل شخص بألف, على ألّا تحسبها رشوة أو بلف .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…