وهل سيرتفعُ سعرُ الإنسانِ أيضاً في وطني؟!

نارين عمر
narinomer76@gmail.com

كلّ شيءٍ في علوّ, في ارتفاعٍ يكادُ يخترقُ أبعد الآفاقِ والفضاءات. كلّ السّلعِ الماديّة والمعنويّة تسيرُ في خيَلاءٍ وزهو, لم تعد مقيّدة بتسعيرةٍ خاصّةٍ بها, ولم تعد بحاجةٍ إلى رجال تموينٍ ليزرعوا بعض الخوفِ والفزع في القلوب والنّفوس.

بالكادِ يتمّ ترقين قيدها على تسعيرةٍ خاصّةٍ بها, لتجدَ نفسها مضطرة لإعادةِ ملء استمارتها على تسعيرةٍ أخرى, ويتمّ ذلك بين لحظةٍ وأختها, بين ثانيةٍ وثانية.
الكائنات الحيّة والجامدة, الصّامتة والنّاطقة كلّها مسعّرة بأرقام وأعداد سائرة نحو الارتفاع والعلوّ ما عدا كائن واحدٍ وحيدٍ هو فقط ظلّ حتّى الآن بدون قيدٍ أو خانةٍ, من دون تسعيرة تمنحه بعض الحقوقِ التي تصون وجوده وترافقه في بقائه.
الكائنُ بالتّأكيدِ هو الإنسانُ الذي ما يزالُ يتوهّمُ أنّه سيّد الكائناتِ الحيّةِ والجامدةِ على الأرضِ وفي باطن الأرض.
نعم, الإنسان في وطني يعيشُ هكذا بدون هويّة, من دون قيدٍ أو نسبةٍ وكأنّ عدوى أجانب ومكتومي قيدِ الشّعبِ الكرديّ  قد سرَت إلى أوصاله, فهم في شريعةِ القتل والاختطافِ والموتِ والتّعذيبِ لا يُعتبرون حتى مكتومي القيدِ, لأنّ مكتوم القيدِ كان يحصلُ على شهادةِ تعريفٍ تثبتُ حقّه في التّعليمِ والعمل والعيش.
في وطني, الإنسانُ عاد إلى أسفل السّافلين, عادَ إلى عصورٍ بائدة لم يدوّنها حتّى التّاريخ الموغلُ في القِدَمِ.
قتل الإنسان, اختطافه, اغتصابه صار من أهون الأمور وأكثرها سهولة في وطني.
هكذا يُهدر دمه, يحلّل قتله, تُداسُ كرامته من أجل بعض المال, مقابل سيّارةٍ قديمة الصّنع أو حديثة, بل مقابل جهاز موبايل أو ساعة يدويّة, بل صار حقّاً لا يساوي قشرة بصلةٍ واحدة لأنّ البصل في وطني بات سعره أغلى من دم الإنسان.
المصيبة الكبرى والخطْبُ الجلَلُ أنّ مَنْ يفعلُ كلّ هذا بالإنسان في وطني هو إنسانُ وطني ذاته, أي هو ليس من الكائنات الأخرى التي يسمّيها إنساننا بغير النّاطقة أو التي تسمّى في عرْفه بالجامدة, حتّى أضافوا إلى عرفهم, إلى شريعتهم بنداً آخر سمّوه “الانتقام”, وأيّ انتقامٍ يمارسونه بحقّ بعضهم البعض, انتقام لا يستند إلى شرائع أيّ دين سماويّ أو دنيويّ, شرائع لا تتضمّن استثناءاتٍ إنسانيّة أو بشريّة, لا تمتّ بأيّة صلةٍ أو علاقةٍ بمبادئ الحقوق التي يصدر أشخاص مثلهم , يخدعون العالم بها.
أسعار كلّ شيءٍ في علوّ وارتقاءٍ في وطني إلا الإنسان, فهل سيرتفعُ سعر الإنسان أيضاً؟
السّؤال هو هل الإنسان في وطني سلعة كي يتمّ عرضه للبيع أو الشّراء؟ هل وصل بنا الحدّ إلى تصنيفه في خانةِ البضائع والحاجات الأخرى؟ لماذا يحصلُ كلّ هذا؟ أمِنْ أجل الكرامةِ الإنسانيّة –كرامةِ إنساننا-؟  أم من أجل الحصول على الحرّيّةِ؟ يا لها من كرامةٍ تهان! يا لها من حرّيّةٍ تدنّس!

أسعار البضائع في ارتفاعٍ, لم يعد في وطني تاجر كبير أو صغير, لم يعد في وطني تاجر محنّك وآخر ساذج, كلّ التّجّار في وطني باتوا كباراً, كلّهم صاروا يرتدون عباءة الحنكةِ والذكاء, بل تحوّل القسم الأعظم من شعبنا في وطني إلى تجّار بمختلفِ مهنهم وحرفهم واتجاهاتهم الحزبيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة والثّقافيّة والفكريّة, ويظلّ شعارهم الأوحد “التّجارة شطارة”, فهل حقّاً سبب تحوّل الإنسان إلى سلعةٍ رخيصة هو الإنسان ذاته؟؟  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…