الشهيد فؤاد بشير علي في عرسه الأخير

عمر كوجري

بدم بارد، وبقلب من حجر وصخر صلد يعلن “أحدهم” أن قلب فؤاد علي لم يعد مفيداً ليضخ كل هذا الحب، وكل هذا النبع الذي يسيل من جوارحه، بكل حقد، وبكل خسة  قرر” أحدهم” أن يتسلى بسلاحه في لحظة ملل، فوجّه رصاصته في قلب الشاب العشريني الممتلئ عزة بالنفس، وطيبة قلب، وطيب معشر.

هذا الشاب الجميل، لم يكن يرنو في الأفق غير أن يعيّش أسرته ببعض قوت في زمن عزّ فيه العمل والعيش في الجزيرة التي تعاني حصار الموت كل لحظة.. بل تموت كل دقيقة وثانية، وثمة من يتفرّج على دمها وهو يسيل ويسيل دون أن يرفّ لعينه جفن !!
فؤاد.. اسماً على مسمى لم يؤذ حتى فراشة، فأي قلب غاضب من نور الله فاض بكل هذا الغضب على قلب فؤاد؟؟ أي إصبع لا روح ولا حياة فيها قررت أن تجعل من جسد فؤاد بارداً كل هذا البرود؟؟ بأي لحظة “انتشاء وفرح” كانت الإصبع وهي تضغط على ذلك الزناد الأحمق لينظر فؤاد نظرته الأخيرة في أفق الحياة.
  ويقول: أيها الشاب العشريني، أيها العريس، ليس شأني أنك لم تهنأ بعدُ بعشك الزوجي الجديد، لا شأن لي بأمك وهي ترى قطعة من قلبها أو أغلب قلبها يهرس، ويمرّغ في التراب أمام عينيها..
لا شأن لي بحبيبتك، وهي تموت واقفة حالما تسمع بخبر مقتلك..
حبيبتك يا فؤاد في لحظة تشعر أن كل الروعة التي ملكتها احترق دون أن تعرف من حرق قلبها؟ ولماذا فعل فعلته الشنيعة تلك.. ما تزال تجهل ماذا استفاد ذلك المتواري والمرتدي عباءة الليل في ذلك المكان المنخفض، وهو يهم بإزهاق روحك.
سيقول ذلك المتواري لا شأن لي بولدك الذي سيأتي بعد شهرين أو أكثر.. سأحرمك من رؤية ابنك، سأحرمك من فرح عينيك، حين يرقصان وهما ينظران إليه.. إلى ابنك، وهو يكبر ويكبر حتى يصير رجلاً مثلك..
في آخر ليلة قرر فيها الشهيد فؤاد علي أن يذهب ليلقط رزقه من فم الحوت، وشوشت له حبيبته: فؤاد أشعر بضيق يذبح روحي، لا تذهب الليلة إلى هناك، هناك حيث الوحشة والليل والخوف من كل الأشباح..
بحكمته وبروح الشباب أقنع حبيبته أن الحياة هنا في هذه الجزيرة الظالمة تقسو.. تقسو.. ولا بد من كد وكدح حتى يأتي ولدنا سعيداً.. فرحاً بأبويه..
لكنْ، قلبُ فؤاد انفجر برصاصة ليست طائشة.. لكنْ، قلبُ أم فؤاد انشطر إلى ملايين ذرات الألم.. لكن قلب والد فؤاد الأستاذ بشير واهن إلى حدّ الصمت لهول الفجيعة.
 لكنْ عينا حبيبة فؤاد مازالت تنتظر فؤاداً يفتح بابهم الحزين والصغير كل لحظة..
سيأتي بعد أيام فؤاد الصغير.. كم سيكون حزيناً حين يفتح عينيه ولا يرى أباه.. الفؤاد الكبير..!!!
في لحظة سيقرر فؤاد الصغير أن يكون كبيراً كأبيه..
أيها المنشغل بقتل الفرح على وجوه الناس.. رحل فؤاد.. وبعد أيام سيأتي فؤاد جديد..

قل لي بحق كل المقدّسات: ماذا استفدت؟؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إلى أنيس حنا مديواية، ذي المئة سنة، صاحب أقدم مكتبة في الجزيرة
إبراهيم اليوسف

ننتمي إلى ذلك الجيل الذي كانت فيه الكتابة أمضى من السيف، لا، بل كانت السيف ذاته. لم تكن ترفًا، ولا وسيلة للتسلية، بل كانت فعلًا وجوديًا، حاسمًا، مزلزلًا. فما إن يُنشر كتاب، أو بحث، أو مقال مهم لأحد الأسماء، حتى نبادر إلى قراءته،…

أصدرت منشورات رامينا في لندن رواية “مزامير التجانيّ” للجزائريّ محمد فتيلينه الذي يقدّم عملاً سردياً معقّداً وشاسعاً يتوزّع على خمسة أجزاء، تحمل عناوين دالّة: “مرزوق بن حمو، العتمة والنور، الزبد والبحر، الليل والنهار، عودٌ على بدء. “.

في رحلة البحث عن الملاذ وعن طريق الحرية، تتقاطع مصائر العديد من الشخوص الروائية داخل عوالم رواية “مزامير التجاني”،…

الترجمة عن الكردية : إبراهيم محمود

تقديم : البارحة اتحاد الكتاب الكُرد- دهوك، الثلاثاء، 8-4- 2025، والساعة الخامسة، كانت أربعينية الكاتبة والشاعرة الكردية ” ديا جوان ” التي رحلت في ” 26 شباط 2025 ” حيث احتفي بها رسمياً وشعبياً، وبهذه المناسبة وزّع ديوانها: زكاة الحب Zikata evînê، الصادر عن مركز ” خاني “للثقافة والإعلام، دهوك،…

فواز عبدي

 

في نقّارة، قريتي العالقة في زاوية القلب كقصيدة تنتظر إنهاء قافيتها، لم يكن العيد يأتي… بل كان يستيقظ. ينفض الغبار عن روحه، يتسلل من التنّور، من رائحة الطحين والرماد، من ضحكةٍ انبعثت ذات فجرٍ دافئ ولم تعد ، من ذاكرة عمّتي نوره التي كانت كلما نفخت على الجمر اشتعلت معها الذكريات..

تنّورها الطيني الكبير، ذاك…