فرحان مرعي
لمحة تاريخية وتعريف :
المجتمع المدني هو مجتمع المدن ،مجتمع بيوت عديدة ، أضعاف مجتمع القرية ،مجتمع تخلق بأخلاق المدينة وخرج من حالة البداوة إلى حالة الحضارة والمدنية، ورغم انه في التاريخ البشري عرف ظاهرة المدن منذ آلاف السنين ولكن هذا لم يعني وجود مجتمع مدني بالضرورة ، والمدني هو خلاف العسكري، ويقابله المجتمع الأهلي الذي هو تكتل القبائل والعشائر والعائلات والقرى والطوائف ولديهم أعراف خاصة تنظم العلاقات الاجتماعية ، والفرد يسعى إلى الأمان في كنف الجماعة أو ضمن هذه التكتلات ، ويقع ضمن المجتمع الأهلي الجمعيات الخيرية والفرق الصوفية ،
لمحة تاريخية وتعريف :
المجتمع المدني هو مجتمع المدن ،مجتمع بيوت عديدة ، أضعاف مجتمع القرية ،مجتمع تخلق بأخلاق المدينة وخرج من حالة البداوة إلى حالة الحضارة والمدنية، ورغم انه في التاريخ البشري عرف ظاهرة المدن منذ آلاف السنين ولكن هذا لم يعني وجود مجتمع مدني بالضرورة ، والمدني هو خلاف العسكري، ويقابله المجتمع الأهلي الذي هو تكتل القبائل والعشائر والعائلات والقرى والطوائف ولديهم أعراف خاصة تنظم العلاقات الاجتماعية ، والفرد يسعى إلى الأمان في كنف الجماعة أو ضمن هذه التكتلات ، ويقع ضمن المجتمع الأهلي الجمعيات الخيرية والفرق الصوفية ،
ولقد أدى التعايش الإقطاعية مع الرأسمالية إلى التعايش المجتمعين الأهلي والمدني ، فالمجتمع الأهلي هو وريث العلاقات ما قبل الرأسمالية بينما المجتمع المدني يستند أصلاً إلى التطور الرأسمالي وظهر مع انتصار النهضة الأوربية وتحولاتها من ملكية مطلقة تستند إلى الحق الإلهي إلى ملكية دستورية مقيدة بدستور وقوانين تستمد شرعيتها من الحق الاجتماعي الدنيوي وهو أصل تعاقدي اختياري وليس حقاً لاهوتياً .
إن المجتمع المدني بهذا الشكل ظاهرة تاريخية تشكل في سياق تطور البرجوازية ونتيجة صراع طويل وثورات بدأت من الثورة الفرنسية إلى كومونة باريس وتبلور في عام 1750عند الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية البرجوازية وعند ظهور الحاجة إلى علاقة جديدة بين السلطة والشعب ، لقد اختفى مصطلح المجتمع المدني لفترة ما ليعود إلى الظهور في الحرب العالمية الثانية مع بروز البضاعة والبناء والصيرفة والهجرة من الريف إلى المدينة والاستيلاء على السلطة .
في الواقع أن السياسي الأوربي التقليدي لم يميز كثيراً بين الدولة والمجتمع المدني الذي هو تجمع سياسي أعضاءه مواطنون الذين يعترفون بقوانين الدولة ويتصرفون وفقاً لها ولكن العلاقة تغير حالياً باعتبار المجتمع المدني هو للدفاع ضد مخاطر الاستبداد السياسي ومحاولة تقليص هيمنة الدولة من خلال تنظيمات المجتمع وبانفصال نسبي عن الدولة حيث يعمل الفرد كفاعل اجتماعي .
نتيجة للتداخل بين عدة مفاهيم سياسية مثل المجتمع المدني والدولة والديمقراطية والعلمانية لا يوجد تعريف جامع شامل للمجتمع المدني ولكن هناك اتفاق شبه مشترك ومتفق عليه باعتبار المجتمع المدني هو : تجمع بشري خرج من حالته الطبيعية إلى الحالة المدنية ضمن مؤسسات مجتمعية ينضم إليها الفرد طواعية مثل النقابات والمدارس الخاصة ووسائل الإعلام ، أحزاب ، هيئات ، مجالس ، شرائح اجتماعية مستقلة غير حكومية هذه التنظيمات التي لها مصلحة فعلية في التحول الديمقراطي في المجتمع وبما يضمن الحد من السلطة القسرية للدولة وتعنى بنواح متعددة من حياة المجتمع بما في ذلك حقوق الإنسان وسيادة القانون ، إذاً المجتمع المدني يتميز عن وظيفة الدولة كسلطة باعتباره نمط من التنظيمات الاجتماعية المعنية بعلاقات الأفراد فيما بينهم في استقلال نسبي عن الدولة ، في النتيجة أن الدولة المدنية تشير إلى كل ما هو ليس بدولة وسلطة في حياة المجتمع ولكن ليس في انعزال كلي ومستقل كلياً فالدولة أيضا تنظم علاقات الإفراد من خلال القوانين والقواعد والدستور والبرلمان والقضاء والأخيرين ليسا من عناصر المجتمع المدني وإنما من مقومات وجوده وديمومته.
-المجتمع المدني في الفكر الفلسفي :
المجتمع المدني عند ماركس يمثل فضاء مواجهات بين المصالح الاقتصادية ، فضاء للصراع الطبقي، أي هو بناء أيديولوجي يتجلى فيه الصراع الطبقي والليبرالية الاقتصادية ومجتمع السوق وحرية الاستثمار وهذه التجليات تؤدي إلى الصراع الطبقي وبالتالي غاب المجتمع المدني عند ماركس باعتباره بضاعة برجوازية، بينما المجتمع المدني عند هيغل دائرة من الحياة الأخلاقية ، صلة وصل بين العائلة والدولة، في الانتقال من مجتمع القرابة ورابطة الدم إلى مجتمع المواطنة والولاء للدولة كسلطة وهو أداة توازن عمل السلطة فالمجتمع المدني عند هيغل يساوي المجتمع البرجوازي ومن تجليات الدولة التي حلت مسألة الصراع الطبقي وكفلت بإرضاء حاجات الفرد وتوفير العمل لهم ، إما غرامشي استعاد فكرة المجتمع المدني بعد طول غياب امتد من 1850الى 1920 وهو مجتمع ليس فضاء للصراع الطبقي بل للتنافس الثقافي والأيديولوجي، بنية فوقية ،وهو فضاء للهيمنة الأيديولوجية الثقافية أي مجموعة التنظيمات الخاصة التي تحتوي العلاقات الثقافية والأيديولوجية وكل النشاط الروحي والعقلي وله وجود خاص مستقل عن الدولة التي تساوي المجتمع السياسي + المجتمع المدني .
المجتمع المدني والعلمانية :
العلمانية من مقومات وأسس المجتمع المدني فالمجتمع المدني بدون وعي علماني هو مجتمع ناقص وغير كامل والعلاقة بينهما جدلية متداخلة ،ولكن العلمانية كخصوصية هي مجموعة تدابير تنظيمية وقانونية للمجتمع لرفع يد رجال الدين عن الدولة ، فصل أمور الدولة عن أمور الدين – أي دين – بما يضمن حرية المواطن والاعتقاد والرأي وهي- العلمانية – فكر الإنسان العادي الذي يفسر الأشياء عن طريق العلم ويرى الأسباب العلمية للأشياء مثل نظرية التطور عند نشوء الكائنات الحية بينما التفسير اللاعلماني ينظر إلى الأشياء من منظور ميتافيزيقي غيبي ، بينما المجتمع المدني هو مجموعة تنظيمات مجتمعية مستقلة غير حكومية تعتمد العلمانية في ثقافته، ،وإذا أرادت الدولة أن تكون علمانية لا بد أن تفصل الدين عن الدولة والسياسة أو توافق بينهما بحيث لا يستغل أي طرف من قبل الآخر وان يكون وظيفة الدين في القيام بتقوية القيم الأخلاقية للدولة وان تمنع الدولة الرجال الدين من اللعب بالدين في سبيل السياسة، لذلك في الدولة المدنية: الديمقراطية + العقلانية = العلمانية، في النتيجة : من مقومات الدولة المدنية الديمقراطية ومن مقومات الديمقراطية العلمانية ومن مقومات العلمانية فصل الدين عن الدولة .
أسس ومقومات المجتمع المدني :
أن بناء المجتمع المدني يحتاج إلى وضع سياسي واجتماعي معين وقوى اجتماعية قادرة ومهيأة لمثل هذا البناء فكرياً وثقافياً وحضارياً لذلك لا يمكن بناء مجتمع مدني دون أرضية مناسبة فهو ليس بضاعة مستوردة ولا عملية نقل ميكانيكي لنموذج أو ظاهرة ، إن من أهم الأسس التي تبنى عليها المجتمع المدني الديمقراطية ،بما تحكمه من مؤسسات ،تضمن حرية المواطن ، حرية تكوين الأفراد ، حرية القضاء ، سيادة القانون ، حرية التجارة ، حرية التملك ، حرية الضمير ، وهذه السبل جميعاً أسس لنقل المجتمع من حالته المأزومة إلى حالة الاستقرار تحترم فيه حقوق الإنسان، فانعدام الديمقراطية تعني سلفاً انهيار المجتمع المدني، كما إن لإرساء مجتمع مدني شرط استقرار سياسي واجتماعي ، إرساء دولة القانون، التعددية السياسية والفكرية ، التداول السلمي للسلطة، وتحديث الوعي الاجتماعي -الانتقال بالمجتمع من وعي غيبي ميتافيزيقي إلى وعي علمي – و لا بد من ربط الديمقراطية السياسية والاجتماعية بالتنمية الاقتصادية لتتكامل بناء المجتمع المدني على أسس قوية .
معوقات المجتمع المدني :
إن من أهم معوق للمجتمع المدني هو الدولة التسلطية والنخب الحاكمة الديكتاتورية، لذلك نجد إن البلدان المتخلفة وخاصة الشرقية حيث هيمنة الدولة التسلطية والشمولية والتي لم تحدث فيها الفصل بين السلطات تلغى فيها كل المفاهيم وعناصر الاجتماعية المدنية ، ويضاف الى الديكتاتورية والتسلط كمعوقات التخلف الاقتصادي والاجتماعي وهيمنة العقلية الريفية ، كما تعتبر الفئات الوسطى الاستهلاكية من معوقات المجتمع المدني لأنها في الأصل هزمت سياسياً في النشاط السياسي ولن تكون ناجحاً في النشاط المدني .
المجتمع المدني عند الكورد :
لم يظهر في التاريخ دولة كوردية مستقلة بل ظهرت دويلات وإمارات في العهد الإسلامي كدولة الدوستكية وإمارتي كلس وبوطان لذلك لم يتكون مقوم أساسي لبناء مجتمع مدني كوردي أذاً غياب الدولة + النمط الزراعي الرعوي وعدم نشوء برجوازية حقيقية كحاضن اجتماعي مناسب، هذه العوامل وغيرها عرقلت من بناء مجتمع مدني كوردي، ومع ذلك وجدت حالات وتجارب عن طريق هيئات ومجالس وأحزاب عبرت عن رغبات المجتمع الكوردي في بناء مجتمع مدني كوردي للحد على الأقل من سطوة وهيمنة السلطات الحاكمة على كوردستان .
في كوردستان العراق وجدت عبر مراحل معينة محاولات للانتقال بالمجتمع الكوردي من الحالة الأهلية الريفية إلى الحالة المدنية الحضارية ففي عهد الشيخ محمود الحفيد عامي 1922 و1923 برز متنورون أكراد وبنوا ذواتهم المستقلة بعيداً عن العشيرة عن طريق بناء منظمات وجمعيات ثقافية وأندية سياسية انتقدوا فيها النزعة العشائرية ولكنهم جوبهوا بمقاومة من الجهات التقليدية والمحافظة واغتيل عدد من المثقفين بتهم الإلحاد مثل جمال عرفان والأديب جميل صائب اللذان اشتهرا بالنزعات الفردانية الواضحة وكذلك الشاعر يونس دلدار الذي مات في ظروف غامضة وقيل انه مات مسموماً .
وفي عام 1970اسس مؤسسة روانكا ( المرصد ) بدعوة من الشاعر شيركو بيكه س دعا فيها إلى احترام الفرد وعدم التفريط بقيمته على مذبح الجماعة ولكن روانكا جوبهت بحملة تشويه وتهديد وتصفية والتصاق التهم بهم مثل الدعوة إلى تحرر المرأة ونشر الزرداشتية والمسيحية والإلحاد ونشر القيم الغربية ، وفيما بعد استطاعت الأحزاب القومية الكوردية والأحزاب الشيوعية والهيئات والمنظمات إلى استقطاب مثقفين كورد عديدين أمثال إبراهيم احمد ونوري شاويش ونوري احمد ومصطفى خوشناو وممارسة نشاطات ثقافية واجتماعية واقتصادية متميزة فكانت اربيل بتنوعها الثقافي والسليمانية من مراكز الثقافة الكوردية ولكن أيضا الحروب والاقتتال الداخلي فقد كوردستان العراق الكثير من بريقها الثقافي والمدني .
إما أكراد سوريا وتركيا لم يستطيعوا إقامة تجارب ثقافية واجتماعية متميزة بسبب هيمنة الدولة التسلطية وعدم الاعتراف بالكورد كمجتمع متميز ومع ذلك ظهرت جمعيات وأحزاب كوردية عبرت عن نزعات مدنية وثقافية مثل جمعية خويبون ونشوء الحزب الديمقراطي الكوردستاني في سوريا وكذلك انخراط الكورد في صفوف الأحزاب الشيوعية والجمعيات الثقافية .
الكورد ومعوقات الفردانية :
يتميز الكورد بطبع الميل إلى الحرية والانفلات من سطوة الدولة ولكن ليحتمي بالقبيلة والجبال والأحزاب القومية والإيديولوجيات الشمولية حيث النزعة الجماعية والانصهار في إطار الكل ، فكانت العشائرية من أهم معوقات الفردانية وبناء المجتمع المدني فالكوردي لا يستطيع إلا أن يبقى إلا في إطار عشيرته ، فالعشيرة حلت محل الدولة وكانت بمثابة الدولة لها خصوصياتها الذاتية المتميزة هذه المسألة خلقت إشكالية غياب أو ضعف الروابط الاجتماعية القومية بين الكورد ثم كان امتزاج العشائرية بالدين، فكان معظم الزعامات الكوردية مرتبطة بالطرق الصوفية لإعطاء صبغة شرعية للهيمنة الاقتصادية والاجتماعية وكان هذا يعني أو كان يؤدي إلى زعامة الحركات القومية الكوردية فكان الزعيم الكوردي زعيم عشيرة + يحمل صفة دينية + طريقة صوفية مما كان يؤهله إلى زعامة الحركات القومية الكوردية، في الاستنتاج الأخير: إن الوا لاءات الثلاثة : الولاء للعشيرة + الولاء للدين + الولاء للحزب شكلت عقبات إمام ظهور النزعات الفردانية وغياب مظاهر المجتمع المدني عند الكورد.
إن المجتمع المدني بهذا الشكل ظاهرة تاريخية تشكل في سياق تطور البرجوازية ونتيجة صراع طويل وثورات بدأت من الثورة الفرنسية إلى كومونة باريس وتبلور في عام 1750عند الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية البرجوازية وعند ظهور الحاجة إلى علاقة جديدة بين السلطة والشعب ، لقد اختفى مصطلح المجتمع المدني لفترة ما ليعود إلى الظهور في الحرب العالمية الثانية مع بروز البضاعة والبناء والصيرفة والهجرة من الريف إلى المدينة والاستيلاء على السلطة .
في الواقع أن السياسي الأوربي التقليدي لم يميز كثيراً بين الدولة والمجتمع المدني الذي هو تجمع سياسي أعضاءه مواطنون الذين يعترفون بقوانين الدولة ويتصرفون وفقاً لها ولكن العلاقة تغير حالياً باعتبار المجتمع المدني هو للدفاع ضد مخاطر الاستبداد السياسي ومحاولة تقليص هيمنة الدولة من خلال تنظيمات المجتمع وبانفصال نسبي عن الدولة حيث يعمل الفرد كفاعل اجتماعي .
نتيجة للتداخل بين عدة مفاهيم سياسية مثل المجتمع المدني والدولة والديمقراطية والعلمانية لا يوجد تعريف جامع شامل للمجتمع المدني ولكن هناك اتفاق شبه مشترك ومتفق عليه باعتبار المجتمع المدني هو : تجمع بشري خرج من حالته الطبيعية إلى الحالة المدنية ضمن مؤسسات مجتمعية ينضم إليها الفرد طواعية مثل النقابات والمدارس الخاصة ووسائل الإعلام ، أحزاب ، هيئات ، مجالس ، شرائح اجتماعية مستقلة غير حكومية هذه التنظيمات التي لها مصلحة فعلية في التحول الديمقراطي في المجتمع وبما يضمن الحد من السلطة القسرية للدولة وتعنى بنواح متعددة من حياة المجتمع بما في ذلك حقوق الإنسان وسيادة القانون ، إذاً المجتمع المدني يتميز عن وظيفة الدولة كسلطة باعتباره نمط من التنظيمات الاجتماعية المعنية بعلاقات الأفراد فيما بينهم في استقلال نسبي عن الدولة ، في النتيجة أن الدولة المدنية تشير إلى كل ما هو ليس بدولة وسلطة في حياة المجتمع ولكن ليس في انعزال كلي ومستقل كلياً فالدولة أيضا تنظم علاقات الإفراد من خلال القوانين والقواعد والدستور والبرلمان والقضاء والأخيرين ليسا من عناصر المجتمع المدني وإنما من مقومات وجوده وديمومته.
-المجتمع المدني في الفكر الفلسفي :
المجتمع المدني عند ماركس يمثل فضاء مواجهات بين المصالح الاقتصادية ، فضاء للصراع الطبقي، أي هو بناء أيديولوجي يتجلى فيه الصراع الطبقي والليبرالية الاقتصادية ومجتمع السوق وحرية الاستثمار وهذه التجليات تؤدي إلى الصراع الطبقي وبالتالي غاب المجتمع المدني عند ماركس باعتباره بضاعة برجوازية، بينما المجتمع المدني عند هيغل دائرة من الحياة الأخلاقية ، صلة وصل بين العائلة والدولة، في الانتقال من مجتمع القرابة ورابطة الدم إلى مجتمع المواطنة والولاء للدولة كسلطة وهو أداة توازن عمل السلطة فالمجتمع المدني عند هيغل يساوي المجتمع البرجوازي ومن تجليات الدولة التي حلت مسألة الصراع الطبقي وكفلت بإرضاء حاجات الفرد وتوفير العمل لهم ، إما غرامشي استعاد فكرة المجتمع المدني بعد طول غياب امتد من 1850الى 1920 وهو مجتمع ليس فضاء للصراع الطبقي بل للتنافس الثقافي والأيديولوجي، بنية فوقية ،وهو فضاء للهيمنة الأيديولوجية الثقافية أي مجموعة التنظيمات الخاصة التي تحتوي العلاقات الثقافية والأيديولوجية وكل النشاط الروحي والعقلي وله وجود خاص مستقل عن الدولة التي تساوي المجتمع السياسي + المجتمع المدني .
المجتمع المدني والعلمانية :
العلمانية من مقومات وأسس المجتمع المدني فالمجتمع المدني بدون وعي علماني هو مجتمع ناقص وغير كامل والعلاقة بينهما جدلية متداخلة ،ولكن العلمانية كخصوصية هي مجموعة تدابير تنظيمية وقانونية للمجتمع لرفع يد رجال الدين عن الدولة ، فصل أمور الدولة عن أمور الدين – أي دين – بما يضمن حرية المواطن والاعتقاد والرأي وهي- العلمانية – فكر الإنسان العادي الذي يفسر الأشياء عن طريق العلم ويرى الأسباب العلمية للأشياء مثل نظرية التطور عند نشوء الكائنات الحية بينما التفسير اللاعلماني ينظر إلى الأشياء من منظور ميتافيزيقي غيبي ، بينما المجتمع المدني هو مجموعة تنظيمات مجتمعية مستقلة غير حكومية تعتمد العلمانية في ثقافته، ،وإذا أرادت الدولة أن تكون علمانية لا بد أن تفصل الدين عن الدولة والسياسة أو توافق بينهما بحيث لا يستغل أي طرف من قبل الآخر وان يكون وظيفة الدين في القيام بتقوية القيم الأخلاقية للدولة وان تمنع الدولة الرجال الدين من اللعب بالدين في سبيل السياسة، لذلك في الدولة المدنية: الديمقراطية + العقلانية = العلمانية، في النتيجة : من مقومات الدولة المدنية الديمقراطية ومن مقومات الديمقراطية العلمانية ومن مقومات العلمانية فصل الدين عن الدولة .
أسس ومقومات المجتمع المدني :
أن بناء المجتمع المدني يحتاج إلى وضع سياسي واجتماعي معين وقوى اجتماعية قادرة ومهيأة لمثل هذا البناء فكرياً وثقافياً وحضارياً لذلك لا يمكن بناء مجتمع مدني دون أرضية مناسبة فهو ليس بضاعة مستوردة ولا عملية نقل ميكانيكي لنموذج أو ظاهرة ، إن من أهم الأسس التي تبنى عليها المجتمع المدني الديمقراطية ،بما تحكمه من مؤسسات ،تضمن حرية المواطن ، حرية تكوين الأفراد ، حرية القضاء ، سيادة القانون ، حرية التجارة ، حرية التملك ، حرية الضمير ، وهذه السبل جميعاً أسس لنقل المجتمع من حالته المأزومة إلى حالة الاستقرار تحترم فيه حقوق الإنسان، فانعدام الديمقراطية تعني سلفاً انهيار المجتمع المدني، كما إن لإرساء مجتمع مدني شرط استقرار سياسي واجتماعي ، إرساء دولة القانون، التعددية السياسية والفكرية ، التداول السلمي للسلطة، وتحديث الوعي الاجتماعي -الانتقال بالمجتمع من وعي غيبي ميتافيزيقي إلى وعي علمي – و لا بد من ربط الديمقراطية السياسية والاجتماعية بالتنمية الاقتصادية لتتكامل بناء المجتمع المدني على أسس قوية .
معوقات المجتمع المدني :
إن من أهم معوق للمجتمع المدني هو الدولة التسلطية والنخب الحاكمة الديكتاتورية، لذلك نجد إن البلدان المتخلفة وخاصة الشرقية حيث هيمنة الدولة التسلطية والشمولية والتي لم تحدث فيها الفصل بين السلطات تلغى فيها كل المفاهيم وعناصر الاجتماعية المدنية ، ويضاف الى الديكتاتورية والتسلط كمعوقات التخلف الاقتصادي والاجتماعي وهيمنة العقلية الريفية ، كما تعتبر الفئات الوسطى الاستهلاكية من معوقات المجتمع المدني لأنها في الأصل هزمت سياسياً في النشاط السياسي ولن تكون ناجحاً في النشاط المدني .
المجتمع المدني عند الكورد :
لم يظهر في التاريخ دولة كوردية مستقلة بل ظهرت دويلات وإمارات في العهد الإسلامي كدولة الدوستكية وإمارتي كلس وبوطان لذلك لم يتكون مقوم أساسي لبناء مجتمع مدني كوردي أذاً غياب الدولة + النمط الزراعي الرعوي وعدم نشوء برجوازية حقيقية كحاضن اجتماعي مناسب، هذه العوامل وغيرها عرقلت من بناء مجتمع مدني كوردي، ومع ذلك وجدت حالات وتجارب عن طريق هيئات ومجالس وأحزاب عبرت عن رغبات المجتمع الكوردي في بناء مجتمع مدني كوردي للحد على الأقل من سطوة وهيمنة السلطات الحاكمة على كوردستان .
في كوردستان العراق وجدت عبر مراحل معينة محاولات للانتقال بالمجتمع الكوردي من الحالة الأهلية الريفية إلى الحالة المدنية الحضارية ففي عهد الشيخ محمود الحفيد عامي 1922 و1923 برز متنورون أكراد وبنوا ذواتهم المستقلة بعيداً عن العشيرة عن طريق بناء منظمات وجمعيات ثقافية وأندية سياسية انتقدوا فيها النزعة العشائرية ولكنهم جوبهوا بمقاومة من الجهات التقليدية والمحافظة واغتيل عدد من المثقفين بتهم الإلحاد مثل جمال عرفان والأديب جميل صائب اللذان اشتهرا بالنزعات الفردانية الواضحة وكذلك الشاعر يونس دلدار الذي مات في ظروف غامضة وقيل انه مات مسموماً .
وفي عام 1970اسس مؤسسة روانكا ( المرصد ) بدعوة من الشاعر شيركو بيكه س دعا فيها إلى احترام الفرد وعدم التفريط بقيمته على مذبح الجماعة ولكن روانكا جوبهت بحملة تشويه وتهديد وتصفية والتصاق التهم بهم مثل الدعوة إلى تحرر المرأة ونشر الزرداشتية والمسيحية والإلحاد ونشر القيم الغربية ، وفيما بعد استطاعت الأحزاب القومية الكوردية والأحزاب الشيوعية والهيئات والمنظمات إلى استقطاب مثقفين كورد عديدين أمثال إبراهيم احمد ونوري شاويش ونوري احمد ومصطفى خوشناو وممارسة نشاطات ثقافية واجتماعية واقتصادية متميزة فكانت اربيل بتنوعها الثقافي والسليمانية من مراكز الثقافة الكوردية ولكن أيضا الحروب والاقتتال الداخلي فقد كوردستان العراق الكثير من بريقها الثقافي والمدني .
إما أكراد سوريا وتركيا لم يستطيعوا إقامة تجارب ثقافية واجتماعية متميزة بسبب هيمنة الدولة التسلطية وعدم الاعتراف بالكورد كمجتمع متميز ومع ذلك ظهرت جمعيات وأحزاب كوردية عبرت عن نزعات مدنية وثقافية مثل جمعية خويبون ونشوء الحزب الديمقراطي الكوردستاني في سوريا وكذلك انخراط الكورد في صفوف الأحزاب الشيوعية والجمعيات الثقافية .
الكورد ومعوقات الفردانية :
يتميز الكورد بطبع الميل إلى الحرية والانفلات من سطوة الدولة ولكن ليحتمي بالقبيلة والجبال والأحزاب القومية والإيديولوجيات الشمولية حيث النزعة الجماعية والانصهار في إطار الكل ، فكانت العشائرية من أهم معوقات الفردانية وبناء المجتمع المدني فالكوردي لا يستطيع إلا أن يبقى إلا في إطار عشيرته ، فالعشيرة حلت محل الدولة وكانت بمثابة الدولة لها خصوصياتها الذاتية المتميزة هذه المسألة خلقت إشكالية غياب أو ضعف الروابط الاجتماعية القومية بين الكورد ثم كان امتزاج العشائرية بالدين، فكان معظم الزعامات الكوردية مرتبطة بالطرق الصوفية لإعطاء صبغة شرعية للهيمنة الاقتصادية والاجتماعية وكان هذا يعني أو كان يؤدي إلى زعامة الحركات القومية الكوردية فكان الزعيم الكوردي زعيم عشيرة + يحمل صفة دينية + طريقة صوفية مما كان يؤهله إلى زعامة الحركات القومية الكوردية، في الاستنتاج الأخير: إن الوا لاءات الثلاثة : الولاء للعشيرة + الولاء للدين + الولاء للحزب شكلت عقبات إمام ظهور النزعات الفردانية وغياب مظاهر المجتمع المدني عند الكورد.