بقعة ضوء على معاناة الشبيبة الكردية ( 12)

دلكش مرعي

أن المناخ الثقافي أو السياسي أو العلمي الذي يتواجد فيه الفرد هو المحدد الإبداعي الوحيد له . فحسب – zuckerman – إن ما يزيد عن نصف الحائزين على جائزة نوبل في العلم وبعض المجالات الإنسانية الأخرى قد تعلموا على أيدي بعض من سبق لهم الحصول على هذه الجائزة فالنشأة السياسية والثقافية والعلمية الصحيحة في مجتمع ما هي بذاتها تفضي إلى التطور والإبداع في العلم والسياسة والثقافة وغيرها من المجالات فالإعجاب بالقدوة المبدعة المتميزة في المجالات المذكورة هي القوة الدافعة للذات ولها تأثيرها على تطور الشخصية وتميزها والسير على خطى القدوة وتطوير ما أنجزها..
يقول في هذا الصدد أسحق نيوتن – إن السبب الذي جعلني أرى الأشياء أكثر من غيري فلأنني وقفت على أكتاف العمالقة – أي إن كل جيل من المبدعين يطور ما أنجزه الجيل السابق ويضع فوقه لبنات جديدة أكثر تطوراً وإبداعا وهكذا وعلى هذا النحو يستمر الإبداع ويزدهر ويدفع بالثقافة الإنسانية  نحو النماء والتطور على مختلف الصعد لكن السؤال هنا ماذا سيحدث عند غياب القدوة المحفزة للإبداع العلمي أو السياسي أو الثقافي أو لنقل إذا كان القدوة ذاتها لا تمتلك إلا بنية فكرية متخلفة قائمة على قيم الغيبيات والأساطير والعصبيات والأعراف القبلية المتكلسة والعقائد الشمولية القائمة على ثقافة العنف والغزو وغيرها من الأمور ؟ إن الجواب على هذا السؤال سيكون ببساطة وبدون ادنى شك بأن المبدع في هذه المجتمعات سيكون مبدعا في الطغيان والظلم والعنف والقتل والسلب والنهب والجريمة  كالنظام السوري ونظام صدام والقذافي وغيرها من الأنظمة المقبورة ومن يدقق النظر إلى تصرفات الأحزاب  الكردية سيلاحظ بأنها مصابة بهذه الآفة الشرقية المزمنة نتيجة تأثرها بالمناهل الثقافية المتخلفة لهؤلاء واعتقد بأن معظم سكرتيري الأحزاب الكردية في غرب كردستان لا يختلفون ببنيتهم الفكرية والقيمية من طغاة العرب ولو ضمن صورة بدائية مقزومة  فالصراع الجاري بين هذه الأحزاب حول أحقية من سيقود الشعب الكردي في المستقبل ولجوء معظمهم إلى عسكرة المجتمع لتحقيق هذه الغاية على حساب مصير الشعب الكردي وحقوقه المشروعة تأكد ما نحن بصدده فمن يدقق فيما يسمى بالهيئة الكردية العليا سيلاحظ بأن تركيبتها الحالية لا تختلف عن تركيبة الجبهة الوطنية التقدمية للنظام السوري فهناك من يسيطر عبر منظماته على معظم مفاصل الحياة في المنطقة الكردية وقد انطوت تحت هيمنته بعض الأحزاب التي تبحث عن بعض من نصيبها من الكعكة غير الناضجة عبر هذا التوجه بينما هناك أحزاب أخرى مازالت خارج الرف وليس ببعيد من إن يتفق مجالس هؤلاء في القادم من الأيام إذا اتفقوا على تقسيم الكعكة الكردية فالصراع هنا من اجل المصالح الحزبية وليس من أجل مصلحة الشعب الكردي مع احترامنا لكل مخلص ونزيه داخل هذه الأحزاب ….
 اختصارا  لن يتمكن القدوة من أن يبدع  إلا في ما هو كائن داخل القيم والثقافة التي نهل منها  ولن يحقق الطموح المرتجى منه عبر القيم والوصفات والصيغ المستوردة التي تأتي من محيطه الخارجي  وكمثال للتوضيح  فقد بدأ – جون ستيوارت مل – الخارق الذكاء بدأ في تعلم اللغة اليونانية وهو في الثالثة من عمره وناقش مزايا  مالبرن ولنغتن بالمقارنة مع مزايا مالرلبورو في الخامسة وكتب تاريخاً لروما وهو في السادسة وقرأ أفلاطون في السابعة ودرس الهندسة والجبر في الحادية عشرة بينما ظهر طفل إيراني خارق الذكاء على بعض الفضائيات العربية كان حافظا للقرآن غيباً وعندما كان يقرأ له احدهم آية ما كان يحدد الصورة التي يوجد فيها الآية ورقمها اي أن كلا الطفلين سيبدع في المجال الذي اختصا فيه ولكن قارئ القرآن لن يستطيع تطوير الآيات أو تغيرها أو نقدها بينما – ستورت مل – تمكن من تطوير ما اختص فيه أي أن القيم والمعارف والثقافات السائدة داخل المجتمع هي التي تأثر تأثيراً بالغاً على سلوك الفرد وتحدد وجهته في الحياة … فظاهرة الخيانة على سبيل المثال كانت منتشرة تاريخيا داخل المجتمع الكردي ويعود سبب انتشار هذه الظاهرة إلى عدم وجود أعراف وقيم صارمة تردع الخائن وتحتقره وتقتص منه وتحاسبه فالخائن أو العميل كان يعيش حياة شبه طبيعية وأحياناً مبجلة داخل المجتمع الكردي فعلى سبيل المثال فأن ألبعثي الكردي الآن ينتسب إلى الأحزاب الكردية ويلقى قبولا منقطع النظير بل أصبح البعض منهم يقود بعض المنظمات هنا وهناك بينما الخائن والعميل في بعض المجتمعات كان وما يزال يحاكم وينال جزائه العادل

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عصمت شاهين الدوسكي

 

ربما هناك ما یرھب الشاعر عندما یكون شعره تحت مجھر الناقد وھذا لیس بالأمر الحقیقي ، فالشاعر یكتب القصیدة وينتهي منھا لیتحول إلى تجربة جدیدة ،حتى لو تصدى لھ ناقد وبرز لھ الایجابیات وأشار إلى السلبیات إن وجدت ، فلیس هناك غرابة ، فالتحلیل والتأویل یصب في أساس الواقع الشعري ،وكلما كتب الشاعر…

فيان دلي

 

أرحْتُ رأسي عندَ عُنقِ السماءْ،

أصغيْتُ لأنفاسِ المساءْ،

بحثْتُ فيها عن عُودٍ ثقاب،

عن فتيلٍ يُشعلُ جمرةَ فؤادي،

ناري الحبيسةَ خلفَ جدرانِ الجليد.

 

* * *

 

فوجدْتُه،

وجدْتُه يوقظُ ركودَ النظرةِ،

ويفكّكُ حيرةَ الفكرةِ.

وجدْتُه في سحابةٍ ملتهبةٍ،

متوهّجةٍ بغضبٍ قديم،

أحيَتْ غمامةَ فكري،

تلك التي أثقلَتْ كاهلَ الباطنِ،

وأغرقَتْ سماءَ مسائي

بعبءِ المعنى.

 

* * *

 

مساءٌ وسماء:

شراعٌ يترنّحُ،

بينَ ميمٍ وسين.

ميمُ المرسى، عشبٌ للتأمّلِ وبابٌ للخيال

سينُ السموّ، بذرةٌ للوحي…

ربحـان رمضان

بسعادة لاتوصف استلمت هدية رائعة أرسلها إلي الكاتب سمكو عمر العلي من كردستان العراق مع صديقي الدكتور صبري آميدي أسماه ” حلم الأمل ” .

قراته فتداخلت في نفسي ذكريات الاعتقال في غياهب معتقلات النظام البائد الذي كان يحكمه المقبور حافظ أسد .. نظام القمع والارهاب والعنصرية البغيضة حيث أنه كتب عن مجريات اعتقاله في…

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…