تشكّلت لدي قناعة مؤخراً, نتيجة جولاتي وزياراتي الأكاديمية في معظم أجزاء كوردستان, واحتكاكي المباشر بالنخب المثقفة في الشرق والشمال والجنوب ونقاشاتي معهم. خلاصة ذلك أن أكبر خيانة ارتكبت بحق هذه الأمة لم تأت من جانب الساسة إنما من طرف المثقفين ذوي الأصول الكوردية. وبخاصة في بدايات القرن العشرين, لقد تصرف هؤلاء بحقارة ودناءة نفس نحو أمتهم وبإذلال و دونية تجاه الـ ( غير). ففي الوقت الذي كانت هذه الأمة تتعرض للتقسيم والحرق والدمار والمجازر, أدار هؤلاء ظهورهم لشعبهم وانصرفوا صوب طهران واستنبول وبغداد ودمشق وأخذوا يتسولون على عتبات جلادي شعبهم, راحوا يتطبعون بالمجالين الاجتماعي والآيديولوجي للطبقات المتسلطة, ويفكرون ضمن أفق وأطر الخطاب السائد لدى الأمم الأخرى, وبوسعنا أن نسرد عشرات الأسماء في هذا السياق من نخب تلك الأمم المجاور ممن برز وتماهى في البنية الأيديولوجية للأمة المسيطرة. في هذا الوقت الحرج من التاريخ الكوردي لا نجد مثقفاً حقيقياً, إلا فيما ندر, حسم خياره الثقافي والسياسي في الانتماء إلى مشروع الأمة الكوردية والعمل لأجل, ولهذا, ربما, نحن نفتقر حتى الآن إلى خطاب ثقافي في الأمة والقومية, ونفتقر إلى نخبة مثقفة قومية حتى الآن, تدافع قولاً وفعلاً عن مشروع الأمة, وتنتج الأدوات النظرية والمفاهيم للازمة. سيبقى أحمدي خاني الأول واليتيم برغم من أنه سبق أوانه, ولسوء الحظ, بزمن طويل.
كيف نفسر في قولٍ واحد، هذا الانسلاخ عن الذات القومية والثقافية والتنكر لها ومن ثم التماه في هوية الآخر؟ كيف نعلل هذا النزوع إلى التخلي عن الهوية والاندماج، بالمقابل، في هوية الآخر، الذي غالباً ما أظهرت ثقافته القومية ميلاً اقصائياً وإنكاراً نحو الثقافة الكوردية والهوية القومية للكورد؟ كيف لنا أن نفهم طبيعة هذا المصير التاريخي الفاجع لدى مثقفي هذه الأمة ونخبها كي نتخطاه؟ … إن انشغالنا بهذا السؤال، نعني بفكرة غربة المثقف الكوردي ومصيره، أي بما يجب أن يكون عليه هذا المثقف مستقبلاً، حتى لا تظل هذه الأمة فاقدة لنخبها، لا ينفصل لحظة ما عن تناول مشكلات التاريخ والمجتمع والتقدم لدى الكورد ودور الفرد فيه. وفي المحصلة هو سؤال لم يزل وثيق الصلة في وجهه الآخر بهاجس هو: ما يجب أن يكون عليه عالمنا القومي مستقبلاً؟ ولعل إعادة النظر النقدي في الطبيعة التاريخية للمشروع القومي وفي طبيعة خطابه وآلياته يأتيان في مقدمة ذلك .
عن صفحة الكاتب