«يا رايح كثّر الملايح»

غسان جان كير

حدثنا العطال البطال قال : لمّا استنفذ النظام جُلّ حيله , وتيقّن من استحالة أمله , وأنّ نجمه آفل , وطغيانه في الحكم لابد زائل , تمادى في سِعاره , وكان كالطرشان في حواره , يصمّ اذنيه عن مطلب الرحيل , وبغباءٍ يرى في نفسه البديل , مُستعيناً بالإستمالات التخويفية , و مُمارسات الجماعات التكفيرية , و طابور من الأبواق تنتهج التحريفية , في تحرير الاخبار الصحفية , ومع الأسف الشديد , قام بالقتل والتشريد , وعلاوة على ذلك , أحالنا في ظلام حالك , وتخلّت الحكومة عن تسيير امورنا , وتناست واجبها في تأمين عشاءنا وفطورنا , وقصم غلاء الاسعار ظهورنا ,
 والذي زاد الطين بلة , أن جاء الشتاء على غفلة , ولم نُخزّن مازوتا أو بعروراً او جلّة , فاتقينا شره بالبطانيات , وزدنا على النظام اللعنات , على حيطان الفيسبوك وفي المظاهرات , فلمّا زاد الشتاء مِن برده , عملنا الفكر في صده , واهتدى البعض الى كنس البراري كي يلمّ البعرور , وتوجه البعض الى الحقول المفلوحة لجمع الجذور , وتقمّصنا حياة انسان ما قبل العصور , و كُدنا أن نفقد استقامة القوام , ونشبه بقية الهوام , لولا شفطنا للبعرور والجذور خلال ايام .
وبينا أضرب اخماسٍ بأسداس , طنّ في أذني الوسواس الخناس , وذكّرني بقصة القروي مع حماره , الذي تاه في الجبال ولم يهتدي الى دياره , فلمّا بلغ به الجوع حدّه , وعجزت الأعراف عن صدّه , قال : ” ما أشبه أُذنيّ حماري بأُذنيّ أرنب , بل أنّ حماري هو أرنب ” .
وفيما اشحذ فأسي , و أوهم نفسي , بيباس شجرة الزيتون , وأطفالي مِن البرد يتأوهون , وفي يوم الجمعة , وعلى وجه السرعة , وضعت برنامج يومي على تكّة الساعة , كي الحق بالمظاهرة بعد صلات الجماعة , وإذ بالبابِ يُطرق , بحذق و تأنٍ و نسق , فوجدّت الطارق صديقي الموظف , قد جاءني مودعا , وهو من الحصار يتأفف , يريد الهجرة الى برلين , طالبا منيّ بصوت حزين , تصويره في المظاهرة , لزوم أخذ الإقامة و المفاخرة , فأجبته بالإيجاب , وقلتُ له : هيا بنا يا حباب , فأدركته مخافة , أنّ تُنشر صوره في الصحافة . فقلتُ له : الويل لك , لا أبا لك , و ما الضير في ذلك , وأنت هاربٌ من المهالك . قال : أخشى أن تتقطّع بيّ المسالك , فيشبه حالي بعد طردي من الوظيفة , مِثلُ حالك .
Ghassan.can@gmail.com

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ا. د. قاسم المندلاوي

يؤكد علماء التربية على اهمية التعاون بين البيت والمدرسة بهدف النهوض الافضل بمستوى التلامذة. ولو تابعنا المشهد اليومي لوضع البيت والانشطة التي تجري داخل المدرسة لوجدنا اختلافا بين الجانبين.

هناك اتهام من قبل المدرسة على غياب اولياء الامور وابتعادهم عن المساهمة الجادة للجوانب…

إبراهيم أبو عواد / كاتب من الأردن

الحسن بن هانئ المَعروف بأبي نُوَاس ( 145 _ 198 ه / 762_ 813 م ) ، شاعر عربي مِنْ أشهرِ شُعَراءِ العصرِ العَبَّاسِي ، وَمِنْ كِبار شُعَراءِ الثَّورةِ التجديدية . أحدثَ انقلابًا في مَضمونِ الشِّعْرِ العربيِّ وأُسلوبِه ، فَقَدْ تجاوزَ الأغراضَ التقليدية كالمَدْحِ والفَخْرِ ، واتَّجَهَ إلى…

حيدر عمر

هناك حكايات تتنازعها عدة ثقافات، مثل حكاية “شَنْگلو مَنْگلو / şekgelo menglo”التي تتنازعها الثقافتان الكوردية والفارسية، وهي مروية على لسان معزاة توصى صغارها الثلاث بألَّا يفتحوا باب الحظيرة في غيابها إلَّا بعد أن يسمعوا منها أغنية معينة تغنيها لهم. سمعها ذئب في أحد الأيام، كان يمر في الجوار. بعد ابتعادها عن صغارها،…

تنكزار ماريني

الصمت يتسلل إلى الوجود،

بدون ضجيج، صمت متلاشي.

الوقت يتساقط،

يرقص، يكشف ويبقى في طيرانه

متى يعود الدائرة،

متى يتم إعادة تحديد المسار؟

بسهولة، على حافة الصمت،

متشابك مع النهاية؛

تتساقط قطرات من الكلمات،

تنهار جسور من السطور،

تفتح الحروف الساكنة البوابات.

تتفكك الأصوات، تلمع الورقة،

تنبعث منها ضوء المقاطع؛

تستقر الكلمات أو تتدفق،

تتحول بهدوء.

الفن يعانق الحب.

في كل حصاة يعيش أنا.

السماء تتسع،

كل نظرة هي جنة صغيرة.

اليوم يمسح…