بقعة ضوء على معاناة الشبيبة الكردية ( 13)

 دلكش مرعي

الأخلاقيات الاجتماعية المتناقضة مع الطبيعة البشرية

إن البيئة الاجتماعية وما يتضمن من عادات وتقاليد واخلاقيات وثقافات لها تأثير مباشر على سلوك الشخصية وتصرفاتها وحتى في تقرير مصيرها فالأنسان أينما وجد وفي أي منطقة من العالم يبقى محكوم بقيم مجتمعه وتقاليده والعقائد والثقافات السائدة فيه وتعد جملة هذه القيم بمثابة دستور المجتمعات يلتزم بها الجميع  واي خرق أو خروج عن هذه العادات والقيم حتى وإن كانت بالية وكابحة للحرية وللتفكير السليم يبقى في نظر المجتمع خروج عن المألوف وخرق في المحظور والمقدس وينظر الى الخارج عن هذه القيم  نظرة احتقار وتهكم وبأنه شاذ وغير اخلاقي وغيرها من الصفات المعروفة .
 ومن يلقي نظرة متفحصة على جملة القواعد الاخلاقيات التي تمارس داخل العديد من مجتمعات هذه المنطقة سيلاحظ بأنها هي اخلاقيات متناقضة مع الطبيعة البشرية ورغباتها علما أن الشعوب التي تمكنت من تحقيق انجازات علمية ومعرفية مميزة قد استعانت بشيء من هذه الطبيعة وليس بالضد من نقيضها وقد تمكنت عبر هذا التوجه من تجسيد العديد من القيم الإنسانية في سلوك الفرد كاحترام انسانية الإنسان وحقوقه العامة  وكرستها قانونيا ودستورياً على أرض الواقع …. أما في هذه المنطقة فمعظم المبادئ الاخلاقية المتناقضة مع الطبيعة الإنسانية هي التي ترفع من شأنها وتتعاظم وتتضخم اجتماعياً وتتحول إلى خطوط حمراء ومحاذير مقدسة في واقع  هذه المجتمعات وهي بعظمها اخلاقيات تحقر الطبيعة البشرية وتحض من قيمتها  وتتعامل مع البشر وكأنهم كتلة جامدة بلا روح وبلا حياة وبلا شعور وتتغابى هذه المجتمعات تماماً بأن الإنسان هو بالأساس كتلة من الأحاسيس والرغبات والعواطف والطموح والطاقات المتنوعة يمكن استثمارها علمياً لصالح التطور والرقي والتقدم عبر تقدير واحترام هذه الطبيعة وليس عبر تحقيرها وإزلالها فهذه المجتمعات تتجاهل  تماماً بان تكبيل  الدوافع الكامنة في الذات الإنسانية واحتقارها يجعل من الأنسان كائناً خاملاً متيبساً من الداخل والخارج وبدون هدف في هذه الحياة

 والغريب في الأمر هو ان معظم هذه الأخلاقيات لا يجسدها الأفراد في حياتهم العملية لأنها لا تتلاءم ولا تنسجم مع الرغبات الكامنة في الطبيعة البشرية فيتحول هذه الأخلاقيات إما إلى نفاق يتغلف بها الناس أو إلى خداع نفسي يخدعون عبرها انفسهم . فهم يجسدون نقيضها عملياً على الأرض فالذي يخرج من المسجد لا يتحول إلى ملاك من الملائكة والذي يحج يمارس ذات السلوك الذي كان يمارسه قبل الحج والجنس المحظور المحرم يمارس في الخفاء وفي الزوايا المظلمة والتلاعب بحقوق الإنسان ومصيره ومصير الشعوب تمارس في وضح النهار من قبل معظم الأحزاب السياسية وكذلك الكذب والنفاق والرشوة والمحسوبيات والفساد والظلم والطغيان والاستبداد والقتل والتعذيب الوحشي كلها تمارس في هذه المجتمعات التي تدعي الخلق والأخلاق … اختصارا فإن الإنسان داخل هذه المجتمعات يدفع دفعا لكي يتعلق فقط بأخلاقيات اجتماعية فارغة ومفرطة في المثالية وغير واقعية ويتعامون عن النظر في نتائجها السلبية على سلوك الشخصية وعلى تصرفاتها … فلا يوجد دراسات علمية ضمن هذه المجتمعات لتقييم نتائج هذه الأخلاقيات وفهم طبيعتها أي هل هي ضارة أو نافعة وماهي النتائج التي تتمخض عنها على مستوى الفرد والمجتمع وغيرها من الامور بسبب المحاذير الأخلاقية وخطوطها الحمر التي تحزر من البحث في هذه القيم  مما يجعل الفرد يدور داخل حلقة مفرغة لا يستطيع الخروج منها مدى الحياة أي ان هذه الشعوب عبر هذا التوجه ترتكب في الواقع خطئاً قاتلاً ضد مستقبلها ومستقبل أجيالها لأن معظم الشرور والتناقضات الاجتماعية هي ناتجة بالأساس عن الاضرار والاحتقان التي تتراكم  فوق الطبيعة البشرية

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

عبد الستار نورعلي

أصدر الأديب والباحث د. مؤيد عبد الستار المقيم في السويد قصة (تسفير) تحت مسمى ((قصة))، وقد نشرت أول مرة ضمن مجموعة قصصية تحمل هذا العنوان عن دار فيشون ميديا/السويد/ضمن منشورات المركز الثقافي العراقي في السويد التابع لوزارة الثقافة العراقية عام 2014 بـحوالي 50 صفحة، وأعاد طبعها منفردة في كتاب خاص من منشورات دار…

فدوى كيلاني

ليس صحيحًا أن مدينتنا هي الأجمل على وجه الأرض، ولا أن شوارعها هي الأوسع وأهلها هم الألطف والأنبل. الحقيقة أن كل منا يشعر بوطنه وكأنه الأعظم والأجمل لأنه يحمل بداخله ذكريات لا يمكن محوها. كل واحد منا يرى وطنه من خلال عدسة مشاعره، كما يرى ابن السهول الخضراء قريته كأنها قطعة من الجنة، وكما…

إبراهيم سمو

فتحت عيوني على وجه شفوق، على عواطف دافئة مدرارة، ومدارك مستوعبة رحيبة مدارية.

كل شيء في هذي ال “جميلة”؛ طيبةُ قلبها، بهاء حديثها، حبها لمن حولها، ترفعها عن الدخول في مهاترات باهتة، وسائر قيامها وقعودها في العمل والقول والسلوك، كان جميلا لا يقود سوى الى مآثر إنسانية حميدة.

جميلتنا جميلة؛ اعني جموكي، غابت قبيل أسابيع بهدوء،…

عن دار النخبة العربية للطباعة والتوزيع والنشر في القاهرة بمصر صدرت حديثا “وردة لخصلة الحُب” المجموعة الشعرية الحادية عشرة للشاعر السوري كمال جمال بك، متوجة بلوحة غلاف من الفنان خليل عبد القادر المقيم في ألمانيا.

وعلى 111 توزعت 46 قصيدة متنوعة التشكيلات الفنية والجمالية، ومتعددة المعاني والدلالات، بخيط الحب الذي انسحب من عنوان المجموعة مرورا بعتبة…