صرخة شرف !!!

  راشدار سعيد

الشرف ؟؟؟, هذا المصطلح الذي باتَ يقلبُ المجتمعات رأساً على عقبْ, كلمةٌ ظُلِمَتْ تحت وصايتها الكثيرون واختبئ في ثناياها الكثيرون من المجرميّن .

كثيّراً ما نسمع بهذا المصطلح عند تقييّمنا لنساءٍ معيّناتٍ, فنقوم بتوزيّع صكوك الإيجابيّة بحسب ضمائرنا ومصالحنا فنمنحُ إحداهنّ صكّاً في الإيجابيّة بدرجة إمتياز وننزع من الأخرى كل الإيجابيات .
هذا كلّه لأننا لم ندرك بعد معنى المصطلح وما يحمله من معانٍ وقيّمٍ سامية .
مفهوم الشرف من زاويةٍ عامّة, هو مفهوم نسبي يختلف من مجتمعٍ لآخر ومن بيئةٍ لأخرى ومن زمن لآخر .
فكان مفهوم الشرف عند الكورد متمثّلاً بالشجاعة والجرأة والصلابة في المواقف , وعند الغرب كان يتمثّل في العدلِ والصدقِ في الوعد . امّا عند العرب فكان متمثّلاً في الأخلاق الحسنة والعلّي في النسب . . .
أيّ أنّ مفهوم الشرف لمْ يكن على صلةٍ بالمرأة (متمثّلاً باعضاءها الأنثويّة والتناسليّة) أو بتصرّفاتها, حيّثُ أنّ مفهوم الشرف تم ربطه بالمرأة في فترةٍ زمنيّة ليست ببعيّدة , فقد تم ذلك بهدف النيل من مكانتها التي كانت عليها وقتها , فالمرأة كانت متمتّعةٍ بمكانةٍ رفيّعةٍ جدّاً ,لدرجةِ ان المجتمعات في العصوّر الاوليّة من تاريّخ البشريّة كانت تسمّى بمجتمعات الأموّمة .
وهذه المكانّة الرفيّعة للمرأة كانت نتيجة مجموعةٍ من العوامل , ربّما كان أهمّها , هو إكتشاف المرأة صدفةً للزراعة .
طبعاً ومن المعروف , أنّ إلحاق مفهوم الشرف بالمرأة قد أساء للمرأة وللمفهوم على حدٍّ سواء , فالآف الجرائم تم إرتكابها تحت مسمّى القتل بدافع الشرف , كانت الغالبيّة العظمى منها إفتراءً وبهتاناً , تمّت الجريّمة إمّا بحكم تخلّف الجاني عقليّاً أوذهنيّاً وإمّا لغاياتٍ أخرى لا تتعلق بالشرف أبداً ( هنا أقصد الشرف كما يّدرِجه الناس , لا كما هو الأصل )
طبعاً ما من إحصائيات دقيقة حول هذه الظاهرة لأن جرائم الشرف تجري في إطار عائلي وغالبًا ما يتمّ تمويهها لتظهر بمظهر حوادث عاديّة . ومع ذلك فإن ما بين (25 و50) امرأة وفتاة يذهبن ضحايا جرائم الشرف في الأردن كل سنة، وحوالي( 200) يلقين المصير ذاته لدينا في سوريا، وقرابة ( 500 ) في اليمن وأكثر من ألف في باكستان. أمّا في الأراضي الفلسطينية، فـ70 بالمائة من الجرائم المرتكبة بحق النساء مرتبطة بقضايا “الشرف” ولو أنها تنسب في أغلب الأحيان إلى دوافع أخرى.
ومع أن جرائم الشرف تنفّذ مع سبق الإصرار والتصميم إلا أن العقوبات المنزلة بمنفذيها خفيفة جدًا إذ تتراوح في بعض البلدان بين بضعة أشهر وسنتين كحد أقصى. ويستفيد الجاني من العذر المخفّف في حالات جرائم الشرف لا بل في بعض الأحيان من العذر المحِلّ الذي يعفيه من أيّ عقوبة.
الشّرفُ قيمة تتربع في أعلى سلّم القيم الإجتماعية والإنسانية, ولا يجب عليّنا حصرها في المرأة بل اللأفضل هو تفعيّله والنظر إليه كما هو عليه في الاصل, فالشرف منظوّمة متكاملة وعملاقة من القيم المتضافرة مع بعضها كالتفوق والقيادة والمروؤة والإحسان والشجاعة والحلم والإقدام والكرامة والنزاهة والصدق والأمانة .. وغيرها من القيم العليا التي يحاول الناس امتثالها .
ولهذا فإنّ من واجبنا كجيّل جديد القيام بكل جهد ممكن في سبيّل السيطرة على الإنتهاكات التي تتعرضُ لها المرأة بسبب جشع البعض من فاقديّ الإحاسيس والقيم , كفانا نحارب ظلالنا ونصرخ ردّاً لصدى صوتنا , كفانا إجحافاً في حقّ المرأة فقد آن لنا ان نضع النقاط على الحروف وأن نعلن اهميّة دور المراة على مرّ العصور . . .
فلابدّ للهيئات المعنيّة أن تتحمّل الواجبات التي تفرض عليها توعية المجتمع عبرالاساليّب التي تتبعها ( من محاضرات ودوراتٍ ) وكذلك لابدّ لكل من يرى في نفسه مثالاً للإنسان المثالي أن ينشر قيم الشرف الحقيقيّة بين عائلته ومجتمعه , فلقد بلغَ السيلُ الذُبى , والتاريّخ لن يرحمنا إن لم نقمْ بدورنا في المجتمع كما ينبغي . . .
أخيّراً وليس آخراً , أدعو الجميّع من منظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الانسان إلى انتهاج برنامج جدّي ودقيق يتوزّع فيه شرحٌ مفصل للقيم السامية التي تحملها كلمة الشرف , وبيان السلبيات التي عاشها المجتمع سابقاً ويعيشه حاليّاً بسبب ربط كلمة الشرف بالمرأة دون الرجل . فالعدالة تقضي علينا أن نعيّد الحال كما كان عليه سابقاً , وأن نسعى جاهدين وبشكل مستمر دون كللٍ إلى نشر القيم الفاضلة والأخلاق الحسنة بين المجتمع وعدم النظر إلى الآخر من زاويةٍ ضيّقةٍ .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…