المُخْبِر ورصاصة في الفم

  عمر كوجري

بلا سبب أو داع، تداعت بي الأفكار إلى قريتنا،  فتذكرت ونحن في أجواء عيد، مخبر قريتنا، الذي كان يعاني من أكثر من عاهة ولادية في القدم واليد.

 هذا الشخص كان خطيراً للغاية، يعمل لمصلحة الأمن العسكري بالرميلان، وقيل لأمن الدولة في ديرك، ما إن يصل أحدنا من الشام أو غيرها، في المساء المتأخر للقرية، حتى تأتيه ورقة “استدعاء أمني” من مفرزة الأمن العسكري غالباً، مذيلة بالجملة التالية “وكل تأخير في مراجعة المكتب يعرّضك لأقصى العقوبات”
كان هذا المخبر قد شكّل في القرية خلايا من بعض الشباب الصغار، وجنّدهم بحيث كانوا يعدون أنفاس شباب القرية ومحازبيها.
استفاد من تعامله مع الأمن، وكانوا يغضّون النظر عن متاجرته بالدخان المهرّب، كان سكيراً عربيداً يتحاشاه الشباب درءاً لمساوئه، وغلاظة طباعه..
كان مستعداً أن يسافر كل يوم للحسكة لمسافة ثلاث ساعات، ويذهب لفروع الأمن متجاوزاً المفارز الأمنية، من أجل إيذاء شخص في القرية.
أحبّ ابنة عمّه لكنها رفضت الاقتران به للعاهات الجسدية التي اتصف بها.
لا أزال أتذكر صوته الأجش، وتشوّش نطقه للكلام، وأتذكر كيف كان ينافق أمامك، وبعد دقائق يكتب فيك تقريراً.
له “الفضل السيئ” في تجنيد الكثير من الشباب الصغار في القرية الذين ضغطوا على شباب القرية من كثرة الاستدعاءات الأمنية، فتركوا أحزابهم، وهربوا لخارج القرية، وصار كل حزبي مستمراً بالانخراط في الحزب الكردي بمثابة “بطل”
هذا الإضعاف سيفسح المجال لخلايا البعث كي تنتشر بكثرة في القرية، وصارت قريتنا الكردية الخالصة تنطق بأشواق العروبة والأمة العربية الواحدة، و “كن مستعداً لبذل الروح كرمى للقائد” !!
لم تكن قريتنا الوحيدة في ازدياد عدد البعثيين والمخبرين، ففقر الناس جعلهم يرفعون طلبات الانتساب للبعث من أجل التوظيف وسواه، لأن الأمن فرض صرامة فظيعة على توظيف الكرد السوريين.
  البعثي الكردي لم يكن يشتغل بالسياسة، ولا بتحقيق أهداف الأمة العربية في ثالوثها المستحيل قدر اشتغاله بوظيفة مخبر عند جهاز أمني معيّن، وصار كل واحد يعمل لمصلحة جهة أمنية معينة، والكل يخبر عن الكل.. !!
المهم، ذلك المخبر العصبي انتهى به المقام في لحظة غضب من ابنة عمه بإنهاء حياته، واضعاً في فمه بارودة صيد، وضغط على الزناد منهياً حياته، وعدّ انتحاره  خسارة كبيرة للأمن في المنطقة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

دريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…