المقامة الامتحانية

غسان جان كير

حدثنا العطال البطال قال : لمّا ساءت بنا الأحوال, وكادت أن تضيع منّا الآمال, ونفذت مدخّراتنا من الأموال, وشفطها التضخّم كما المياه في الرمال, وتقطّعت بالناس سُبل العيش والأعمال, نتيجة حربٍ أسعر النظام المافيوي أوارها, ولم يحسب لمخاطرها وأضرارها, لأسباب تافهة يخشى من إظهارها, ويسترها بدعاية سمجة جوفاء, تُرددها مُذيعة فوهاء, تستند الى فتنة في عقل العجوز الشمطاء, التي حذّرت العالم من فتنة طائفية, والناس لم تطلب سوى الحرية, وبعناد تعامل النظام مع الناس وفق هذا المنظور, ليخلط الأوراق ويُعقّد الأمور, ويُغيّب عن الرأي العام أبسط الحلول, الذي يُرضي الشعب بشكلٍ مقبول, وهو تنحّي نظامٍ يقودنا الى المجهول.
وفي هذا المقال حدّثنا أبو مخطة فقال : ولمّا طال أمد الحرب, و زاد في نفوسنا الكرب, من حصارٍ ليس منه مهرب, وأمراضٍ مُتفشّية أهونها الجرب, ولاجئات سوريات يبعن الهوى في بلاد العرب, ومُخيمات الغربة في مهبّ الريح, و سيول تجرفها على المستريح, و مُعارضة تتضخّم في العدد, وتزداد معها العُقد, تُسارع في تلقف المناصب, وهي أقصى طموحها في المكاسب, وليس عليها من مُحاسب, جُلّها مُسيّرة بعقلية اللهم نفسي, مُتورّطة في القبائح من القدم حتى الرأسِ, شاركت النظام في السلب والنهب, وبنفاقها رفعته الى مرتبة الرب, تملٌقها واضحٌ في الظهور, ومآربها كامنٌ في الصدور, تُؤثر نفسها بأفخم الفنادق, وتُزاود على تضحيات مَن في الخنادق, تبيع ماء وجهها للسفارات, فتستحصل منها على الدولارات, والله أعلم بما يملكونه من العمارات, ومن غير المُستبعد أن يمتلكوا البواخر, ويُديروا في المدن السياحية المواخر , ويستهزءوا من مثاليتنا بشكل ساخر.
وبينا أبو مخطة مُسترسلٌ في الحديث , وإذ يوشوش في أذنه ابنه الخبيث, فأحمر وجه أبو مخطة واصفر, وأزبد وأرعد, فقال : بسيطة يا بعثيكو قربانو, والله لأفضحنّه بين أهلو و جيرانو, فقلت : ماذا جرى لك ؟ لا أبالك . قال : في الوقت الذي يترنّح فيه النظام , يُطبّق بعثيكو قربانو على ابنيّ النظام, يُفسفس لرئيس قاعة الامتحان, عن سماعات الأذن لولدي كي يرسب و يُهان .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أعلنت منشورات رامينا في لندن، وبدعم كريم من أسرة الكاتب واللغوي الكردي الراحل بلال حسن (چولبر)، عن إطلاق جائزة چولبر في علوم اللغة الكردية، وهي جائزة سنوية تهدف إلى تكريم الباحثين والكتّاب المقيمين في سوريا ممن يسهمون في صون اللغة الكردية وتطويرها عبر البحوث اللغوية والمعاجم والدراسات التراثية.

وستُمنح الجائزة في20 سبتمبر من كل عام، في…

في زمنٍ تتكسر فيه الأصوات على صخور الغياب، وتضيع فيه الكلمات بين ضجيج المدن وأنين الأرواح، يطل علينا صوتٌ شعريّ استثنائي، كنسمةٍ تهبط من علياء الروح لتفتح لنا أبواب السماء. إنه ديوان “أَنْثَى عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيحِ” للشاعرة أفين بوزان، حيث تتجلى الأنوثة ككائنٍ أسطوري يطير فوق جغرافيا الألم والحنين، حاملاً رسائل الضوء، ونافخاً في رماد…

ماهين شيخاني

كان مخيم ( برده ره ش ) يرقد بين جبلين صامتين كحارسين منسيّين: أحدهما من الشمال الشرقي، يختزن صدى الرياح الباردة، والآخر من الغرب، رمليّ جاف، كأنّه جدار يفصلنا عن الموصل، عن وطنٍ تركناه يتكسّر خلفنا… قطعةً تلو أخرى.

يقع المخيم على بُعد سبعين كيلومتراً من دهوك، وثلاثين من الموصل، غير أن المسافة الفعلية بيننا…

إدريس سالم

 

ليستِ اللغة مجرّد أداة للتواصل، اللغة عنصر أنطولوجي، ينهض بوظيفة تأسيسية في بناء الهُوية. فالهُوية، باعتبارها نسيجاً متعدّد الخيوط، لا تكتمل إلا بخيط اللغة، الذي يمنحها وحدتها الداخلية، إذ تمكّن الذات من الظهور في العالم، وتمنح الجماعة أفقاً للتاريخ والذاكرة. بهذا المعنى، تكون اللغة شرط لإمكان وجود الهُوية، فهي المسكن الذي تسكن فيه الذات…