الملان في برية ماردين

كونى ره ش

نمت الإمارات الكوردية شبه المستقلة إبان انتصار العثمانيين على الصفويين في معركة تشالديران 1514م, ووقف الكثير من أبناء الشعب الكوردي إلى جانب السلطان سليم الأول العثماني، وكان على رأس كل إمارة أمير معترف به من قبل الدولة العثمانية, وهكذا حازت هذه الإمارات على استقلالية ذاتية في ممارسة سلطتها على المجتمع القبلي الكوردي من حولها، القائم على العلاقات الزراعية والرعوية. ومن أهم هذه الإمارات التي كانت لها نفوذ ذات طابع عشائري في برية ماردين هي الإمارة المللية (إمارة الملان). كانت هذه الإمارة تحكم آنذاك حوالي أربع وأربعين عشيرة, بالإضافة إلى بعض العشائر العربية الصغيرة والمسيحية واليذيدية  والزعامة فيها كانت تدور في محورين أساسيين وهما (آل كلش عبدي) و(آل خضر آغا) من نسل محمد (باف مير) وهذه العشائر شكلت ما يسمى بـ (إمارة الملان الاتحادية).
خضر آغا المللي:
 في منتصف القرن السادس عشر الميلادي استطاع الأمير خضر آغا المللي وولده إسماعيل آغا  البدء بتأسيس كيان الإمارة المللية في برية ماردين وذلك اعتباراً من منحدر ماردين الجنوبي ولغاية السهول الواقعة بين جبل عبد العزيز وجبل شنكال.. وتزامن مع ذلك قيام أولاد عمومتهم من أحفاد كلش عبدي البدء بإنشاء الإمارة المللية في ويرانشهر، غرب نهر الخابور، ضمن ما يسمى  بـ (بلاد الملان).
أثناء استقرار الأمير خضر آغا المللي في المنطقة الجنوبية من برية ماردين (غونه وحويزيه)، المتاخمة لحدود عشيرة طي العربية آنذاك، اتفق مع أمير عشائر الطي على رسم الحدود, وكان نهر خابور في مجراه الجنوبي، جنوب مدينة الحسكة هو الحد الفاصل بين مناطق الطي ومناطق الجزيرة العليا حتى عامودا وما بعدها بما فيها جبل كوكب (كوكبي ملان).. ويوجد حالياً قبر خضر آغا المللي في تلك المنطقة (غونه وحويزيه) وتدعى (قبة الخضر).
بلغت الإمارة المللية أقصى اتساع لها في نهاية القرن الثامن عشر ويظهر ذلك جلياً في الخارطة التي أعدها المستشرق الدنمركي (كرستن نيبور) في عام 1776م, حيث تظهر فيها بلدة (عامودا) وقرية (حاصدا) في الجزيرة السورية، على الطريق الرئيسي من مدينة الموصل إلى ماردين (طريق الحرير)، وعلى جنوب الخريطة كلمة (Mullîe) أي (الملان)، وهو اسم الإمارة المللية الذي مرّ منها نيبور وسمّاها في خريطته.
 ينحدر خضر آغا المللي من سلالة الأمير(محمدي باف مير: الذي والده أمير) وتعتبر البافميرية أو الباف ميران محور اتحاد القبائل المللية وهم بالترتيب: خضر آغا ، كوران ، كم نقش، هجكا، جمكا، جبكا، كلش عبدي. ويسمى المللية من نسل خضر آغا بمللية الخضر أو ملان كبير (ملاني مزن), ويعتبرون من اكبر العشائر الموجودة في الجزيرة السورية.. حيث حكم ملان الخضر آغا في القرى التالية: (تل حبشة, منصور, صوفيا, كودحي، خرزة، قرن ﮔوزي، خشافية، سيمتك، تل باتي، دوغاني، ﮔري موزا، موريكا تحتاني, موريكا فوقاني، تل مجدل، ﮔندور، فندي، ﮔر مير، شيخ فاطمي، خربة بستان، عين القرديه، سنجق خليل، نايف، ﮔر حصار، جولي, بلاقية..).
كما يعتبر أل خضر آغا المللي من السكان الأصليين للمنطقة والتاريخ الكوردي يشهد بذلك، بالإضافة إلي بعض شواهد القبور. فهناك على سبيل المثال في أعلى تل قرية تل موزان  (ﮔري موزا/  اوركيش)، ضريح (تمي مجدل بك) من نسل الأمير مجدل بك خضر آغا المللي، المتوفي عام 1810م، والتاريخ مدون عليه لغاية اليوم. كما يوجد ضمن الإرث الحضاري لآل خضر آغا  بعض الرموز التذكارية، مثل (قبة الخضر) و(حجر المجدل) و(وادي الملان) و(جبل كوكب الملان) القريب من الحسكة وأيضا الاسم القديم لـ “ﮔرى موزا” هو “ملا تبه” أي (تلة الملان) وبعد التعريب أصبح “تل المال”.
 أما مجدل بك: فهو ابن (جلاله) عمر آغا ابن إسماعيل آغا ابن خضر آغا المللي,  وفي عصره بدء مجدل بك وأخواه مامد (قاف فرين: قاطع الرؤوس)، وحسين آغا، بوضع الحدود التأسيسية  للإمارة المللية. ويعتبر صاحب الفضل الأكبر في توسيع حدود عشيرة الملان جنوباً. إذ كان له سيطرة تامة على الإمارة المللية التي كانت حدودها تمتد من إطراف ماردين مرورا بقرية ﮔري موزا (مسقط رأسه)، الواقعة جنوب عامودا وقرية تل مجدل (مكان دفنه)، الواقعة جنوب (تل تمر) ووصولا إلى جبل كوكبى ملان وجبل عبد العزيز وجبل شنكال.. علماً بان (تل مجدل)، كانت في الماضي بمثابة قرية حدود فاصلة بين فرعي المللية من أحفاد خضر آغا وأحفاد كلش عبدي, وبناء على ذلك قام فرع أحفاد كلش عبدي بإنشاء قرية في تلك الفترة وأسموها تل تمر (بلدة تل تمر حاليا)، نسبة إلى تمر باشا وبذلك تكون تل تمر تقابل تل مجدل من اجل الفصل بين حدود الفرعين.
 ويعرف مجدل بك بـ (راعي الريمات)، حيث يروى عنه بانه كان يملك نوعاً نادراً من (النوق البيض) واسمها (الريمات أو الرومات)، وكان يحافظ عليها جدا،ً لدرجة انه كان يقوم برعيها بنفسه في بعض الأحيان ولذلك كان يطلق عليه لقب (مجدل بك راعي الرومات)، والتي انتشرت صيتها بانتشار صيت مالكها، وهذا الأمر أدى إلى رغبة جميع زعماء المنطقة في الحصول على تلك النوق البيض أو الرومات. مازال العديد من مسني الجزيرة يتداولون قصص الملان وبطولاتهم وبشكل خاص شجاعة علي علي..
 
المراجع والمصادر:
 1- لقاء خاص مع آل مجدل بك في قرية موزان يوم 31/05/2013م.
 2- خريطة كرستن نيبور المرسومة في عام 1776م.

3 – احمد عثمان ابو بكر: أكراد إبراهيم باشا المللي.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ألمانيا- إيسن – في حدث أدبي يثري المكتبة الكردية، صدرت حديثاً رواية “Piştî Çi? (بعد.. ماذا؟)” للكاتب الكردي عباس عباس، أحد أصحاب الأقلام في مجال الأدب الكردي منذ السبعينيات. الرواية صدرت في قامشلي وهي مكتوبة باللغة الكردية الأم، تقع في 200 صفحة من القطع المتوسط، وبطباعة أنيقة وغلاف جميل وسميك، وقدّم لها الناقد برزو محمود بمقدمة…

إبراهيم محمود

أول القول ومضة

بدءاً من هذا اليوم، من هذه اللحظة، بتاريخ ” 23 تشرين الثاني 2024 ” سيكون هناك تاريخ آخر بحدثه، والحدث هو ما يضفي على زمانه ومكانه طابعاً، اعتباراً، ولوناً من التحويل في المبنى والمعنى القيَميين والجماليين، العلميين والمعرفيين، حدث هو عبارة عن حركة تغيير في اتجاه التفكير، في رؤية المعيش اليوم والمنظور…

حاورها: إدريس سالم

ماذا يعني أن نكتب؟ ما هي الكتابة الصادقة في زمن الحرب؟ ومتى تشعر بأن الكاتب يكذب ويسرق الإنسان والوطن؟ وهل كلّنا نمتلك الجرأة والشجاعة لأن نكتب عن الحرب، ونغوص في أعماقها وسوداويتها وكافكاويتها، أن نكتب عن الألم ونواجه الرصاص، أن نكتب عن الاستبداد والقمع ومَن يقتل الأبرياء العُزّل، ويؤلّف سيناريوهات لم تكن موجودة…

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…