د آلان كيكاني
ما إن هدأت الرياح قليلاً، وتفرقت الغيوم عن سماء برايتون، وتسربت من بين حواشيها المهدبة خيوطُ الشمس الواهنة وقت العصر لتسقط على شاطئ المانش باعثة فيه دفئاً لذيذاً، حتى امتدت الأنامل إلى الأزرار تحلها لتعرّي الأبدان الجالسة على رمل الشاطئ استعداداً للتعرض للشمس والماء. قطع جليسي مام علي، ذو الذوائب البيضاء، والأسارير المجعدة، والوجه المحفور بندب متعددة، والسيماء التي تجعل الناظر إليه يعتقد أنه تجاوز السبعين رغم أنه في التاسعة والثلاثين، قطع حديثه إليَّ بينما استقرت عيناه الحمراوان من فرط السهر والتدخين على امرأة قذفت بجسمها الأبيض البض العاري في الماء على مسافة عشرة أذرع منا أو أقل.
ولم يشف غليل تلك السيدة الإنكليزية الجميلة أن عرّت جسمها فيما عدا صدرها وعانتها، بل قامت بفك حمالة ثدييها وإلقائها على رمل الشاطئ كاشفة عن نهديها الكبيرين الأبيضين، والمنتهيين بحلمتين ناتئتين كل منهما بطول نصف إصبع من أصابع مام علي الطويلة.
قلت مازحاً:
– سأوشي لأم قهرمان بنظراتك هذه يا مام علي.
إلا أن مام علي لم يعر لدعابتي اهتماماً، ولم يحد ببصره عن صدر المرأة، وإنما قال مبتسماً وتائه الذهن:
– آه. أين أنت يا أحمد زورو لترتطم هذه الكرات البيضاء الطرية بشفاهك؟ أينك أيها المسكين الجائع ليضرب هذا اللحم الطازج فمك وأسنانك؟
ثم بعد قهقهة جهورية ضرب كفاً بكف وتابع ساخراً:
– هذا مسبح وذاك كان مسبحاً! سبحان الله إنه يخلق من المتناقضات ما يشاء.
بيد أن قهقهة مام علي المدوية انتهت بذبول رطب في عينيه، وبتجهم جلي في وجهه، استشففت من خلالهما أن ثمة المزيد من ذكريات مؤلمة في مخيلة مام علي لم يقصصها عليّ بعد، رغم مصاحبتي اليومية إياه.
معس مام علي عقب سيكارته الملفوفة يدوياً في رمل الشاطئ، ومد يده إلى جيبه ليرد على اتصالٍ من زوجته حليمة، أم قهرمان، المنهكة منذ الصباح بترتيب البيت وإعداد الحلوى والمقبلات، تدعونا من خلاله إلى الحضور للاحتفال بيوم ميلاد قهرمان الحادي عشر.
عند باب شقة عائلة مام علي المطلة على حديقة جميلة في ضاحية من ضواحي برايتون، المدينة الإنكليزية الجميلة الواقعة على بحر المانش، استقبلتنا أم قهرمان بحفاوة، ترفل في فستانها المنمنم بخرز ناعم، وقادتنا إلى غرفة الجلوس المزينة بأضواء خافقة وشموع ملونة بألوان زاهية هي قرة عين الكردي. وفي وسط الغرفة نصبت أم قهرمان منضدة وضعت عليها طبقاً كبيراً من الكيك وأحاطته بكؤوس ملأى بالشراب. أطفأنا الشموع ثم أكلنا وشربنا على أنغام عراقية شجية تتخللها طرائف مام علي التي لا تنضب. ثم قمنا، نحن الأربعة، وتوجهنا إلى مدينة ملاه إلكترونية طافية على البحر، تلبية لرغبة من قهرمان, الطفل النحيف ذي الشعر الخرنوبي الطليق، والوجه الأشقر المنمش بنثار بني، والحركة الصبيانية المفرطة حد إبكاء أمه.
وسط ضجيج يصدع له الرأس، ركب قهرمان سيارة كهربائية سارت به بسرعة هائلة على سكة حديدية تلتوي يمينا ثم يساراً ثم صعودا ونزولا بطريقة تكاد تلفظ الراكب خارجاً لتطرحه في البحر. لاحظ مام علي القلقَ الذي انتابني وأنا أتعقب بعيني سيارة قهرمان المنطلقة بصورة مرعبة وكأنني أتهيأ لتلقفه إن هو سقط منها، فمط عنقه حتى كان فمه عند أذني وقال يهدئ من روعي:
– لا تخف، قهرمان مثل القط، له سبع أرواح!
ثم سحبني من يدي إلى الشاطئ ليحدثني هناك على انفراد، تاركاً أم قهرمان في مراقبة ابنها.
تربع مام علي على رمل الشاطئ، ثم لف سيكارة من كيس تبغه وأشعلها وبدأ حديثه الذي بدا مكملا لجملته التي قالها في أذني قبل قليل حيث قال:
– نعم يا صديقي، قهرمان قط له سبع أرواح، وقد سميته قهرمان لأنه قهر الموت وهزمه حين سقط من أمه في واد سحيق يفصل بين جبلين شامخين عند الحدود العراقية التركية عندما كنا نسير مع سيل من البشر في تضاريس وعرة هرباً من جحيم يتبعنا من فوهات المدافع وحمم الطائرات، ننشد عبور الحدود على أقدامنا، لا آلة نركبها ولا دابة نمتطيها. لم يكن وقتئذ قد مضى على زواجنا أكثر من ثمانية أشهر، ولم يكن الحمل قد بان جلياً على أم قهرمان، إلا أنها في لحظة توقفت عن السير شاعرة بألم ماغص في أسفل بطنها، وما هي إلا لحظات حتى سقط منها قهرمان مع مشيمته، صغيراً بالكاد أكمل سبعة أشهر في بطن أمه، لا صوت ولا حركة يدلان على حياته.
توقف مام علي عن الحديث حين استلقى عاشقان إنكليزيان بالقرب منا على الرمل ملاصقي البطون والشفاه يمارسان القبل بآهات جهورية وقت العشاء، ثم شهق نفساً عميقاً من سيكارته زافراً دخانها في الهواء واستأنف يقول دراكاً:
– نعم، ولدت أم قهرمان وهي واقفة، كما الطير يبيض واقفاً. وسقط منها قهرمان مثلما الثمرة تسقط من شجرتها عند تمام الاستواء بخلاف أن قهرمان لم يكن قد استوى بعد. ظلت واقفة صامتة تكتم أنفاسها منعا لخروج آهات الألم من فمها خجلاً من رجال يسيرون مع السيل البشري. هكذا تمارس المرأة عندنا عادة الحياء المتوارثة، تتألم ولا تتكلم، وتجوع ولا تأكل في حضور الرجال.
بعد أن وضعت حملها مشت خطوتين ثم التفتت إلى الوراء تحدج كومة اللحم التي خلفتها وراءها بنظرة مريبة، ثم ذرفت دمعتين، وشهقت حسرة وألماً، وقالت بصوت متهدج: دعه يا علي، فلا أمل في قطعة اللحم الميتة هذه، دعه وسر بنا فعسانا ننجو بأرواحنا، دوي الانفجارات يقترب، فقد يسقط علينا الغاز السام في أية لحظة. إلا أن المشهد عزّ علي كثيراً وقلت: سأحمله في كيس وأينما حط بنا الترحال سأدفنه شرعا، فإني والله لست بتارك فلذة كبدي طعاما للجوارح والضباع ولو ميتاً. وضعته عارياً في كيس خيش بال خلّفه بعض الرعاة هناك وحملته على كتفي أجرُّ أمه من يدها ودم النفاس يسيل على فخذيها ويشرشر من قدميها وحواشي فستانها ثم يريق على الأرض حتى اجتزنا الحدود قليلاً وتسرب شيء من الشعور بالأمان إلى نفوسنا. وكان الإعياء قد بلغ مني مبلغاً حتى أن قدميَّ هاتين بدأتا بالتورم من مسير شاق زاد عن الألف ميل وطال عن الأربعين يوما، بدأ من الحدود الكويتية السعودية، وانتهى في الحدود العراقية التركية. إذ كنت آنذاك جندي احتياط في الجيش العراقي، أخدم كرامٍ لقذائف الـ (آر بي جي) في كتيبة عسكرية في أقصى الجنوب الغربي من دولة الكويت على الحدود السعودية بعد أن دعيت إلى الالتحاق بالجيش قبل غزو العراق للكويت بعشرة أيام. كانت كتيبتنا في الكويت لا تملك من العتاد سوى بضع مدافع صدئة وعربات قديمة أكل عليها الدهر وشرب وبالكاد تتحرك.
وذات ظهيرة، ولم تكن حرب تحرير الكويت قد بدأت بعد، خرجت للغائط في العراء، ولم أكد أنتهي منه حتى دوّى دوّي عظيم هز الأرض هزاً عنيفاً وغطاها بسحابة كثيفة من الدخان الأسود والغبار، وملأ الجو رائحة البارود. بصورة فطرية كببت على بطني دون حراك حتى انحسر الدخان وعادت الرؤية قليلا، قمت دائخاً أعاني من صداع وغثيان، نفضت الغبار المتراكم عن جسمي الذي بدا سليماً لم يصب بأذى. التفتت إلى حيث رفاقي وعدّتهم فلم أجد شيئاً سوى قطعا متناثرة من الحديد والأجسام، فقد تحول كل شيء في لحظة إلى هباء منثور، أشلاء ستين عسكرياً تناثرت على مساحة كبيرة من تلك الصحراء، كانوا قبل ثوان يرتعون ويمرحون في ظل مركبة عسكرية طويلة، أياد وأرجل ورؤوس تبعثرت هنا وهناك في مشهد فظيع جعلني أبكي بحرقة. كنت الوحيد الذي كتب له البقاء من تلك المجموعة من الجنود، جلست في ذهول وحيرة من أمري أفكر فيما يمكنني أن أفعله لأنقذ نفسي، حتى الاتجاهات لم أعد أميزها. وضعت الشمس في ظهري مطلقاً العنان لقدمي، أسير في صحراء تمتد على مد البصر دون هدى أو معلم يبدو في الأفق، لا أعلم إلى أين، ولم يكن معي لا زاد ولا شراب، وكل ما كنت متأكداً منه هو أن وجهتي كانت باتجاه الشمال. لا أدري كم سرت، وعند الساعة التي أحاطني فيها الليل بظلامه الدامس بدأت قواي تنهار شيئاً فشيئاً. كنت على وشك الاستلقاء وتسليم أمري إلى الله لولا أن بريقاً من ضوء خافت بدا بعيداً في الأفق ملقياً في نفسي بصيصاً من الأمل. استجمعت آخر طاقة بقيت في جسمي واقتديت به وسرت مسرعاً. ورغم أن الضوء كان يبدو قريباً إلا أنني ظللت أمشي حتى قرب الفجر حتى أدركته، وكان البدوي يلملم خيمته استعداداً للرحيل خوفاً من أن تطاله وحشية الحرب.
وحين قصصت على هذا البدوي قصتي أصر على تأجيل الرحيل إلى الغد ليذبح على شرفي خروفاً من قطيع أغنامه يعشيني به تلبية لواجب الضيافة، إلا أنني حذرته من خطورة الموقف وضرورة المغادرة قبل أن يحدث له مكروه، فقد كنا نسمع بين الحين والحين دويّ انفجارات يصم الآذان، عندئذٍ أعارني الرجل حماراً كان يستخدمه لجلب الماء من الآبار ووضع خُرجاً على ظهره وضع فيه بعض التمر، وفتات الخبز، وخابية من الماء, وعندما بزغ ضوء الفجر ارتحل هو مع قطعانه ناحية الغرب، بينما اتجهت أنا برفقة حماري شطر الشمال وسط صحارى جرداء تمتد دون أن يكون هناك مؤشر على نهاية لها.
مهما حييت سوف لن أنسى عينيّ حماري الذابلتين، وفمه الخالي من اللعاب، بعد مسير أربعة أيام تتخللها غفوات قصيرة وفشلي في العثور له على ماء أسقيه منه. ففي اليوم الرابع بدأ الحيوان يترنح ويغزو الذباب عينيه، فصرت أمشي على أقدامي أجرّه من لجامه على أمل الاهتداء إلى ماء، وعند الغروب فقد القدرة على المشي وربض منهكاً. كان ينظر إليّ بعينين متوسلتين. تمنيت لو يفهم الكلام لأقول له: لو كنت أستطيع حملك لما ترددت لحظة واحدة، ولحملتك معي حيثما أذهب. تركته وفي عينيّ دمعتين، وتابعت رحلتي واضعاً في الحسبان مواجهة نفس مصيره، فلم يبق من الماء والخبز الذي دب فيه العفن إلا القليل. وفي اليوم الخامس وقبيل الغروب لاحت في الأفق خيمة حسبتها للشرطة العسكرية تراقب منها الهاربين من الجبهة، إلا أن وجود المواشي حولها أثلج صدري وصرت أعدو نحوها بشوق. وبعدها صرت أتنقل من بدوي إلى آخر، أتجنب القرى والمدن وركوب الحافلات خشية الوقوع في قبضة رجال المخابرات العراقيين الذين لا يعلم إلا الله بأي تهمة سيتهمونني وبأي طريقة سيقتلونني إن هم عثروا عليَّ.
في اليوم الأربعين من بداية مسيرتي مساءً وصلت قريتي الرابضة على سفح جبل لا يبعد كثيراً عن الحدود العراقية التركية بعد نأي عنها دام سبعة أشهر، ولم أكد أهنأ بليلة واحدة من الراحة في أحضان أهلي بعد شقاء مرير، حتى طال القصف المدن والبلدات الكردية المنتفضة ضد الرئيس صدام حسين. وكانت الهجرة المليونية إلى إيران وتركيا.
نهض مام علي وذهب إلى بائع المثلجات وعاد بمخروط من الآيس كريم يبرد به قلبه الملتهب، وتابع يقول:
– بعد اجتياز الحدود حفرت حفرة صغيرة، ودلقت ما في الكيس في غورها، ومددت يدي إلى التراب لأطمر به الجثة الصغيرة، إلا أن عجوزاً كانت جالسة بقربي قالت فجأة: مهلا يا بني! توقف من فضلك. فتوقفت مستفسراً. فتابعت العجوز قائلة: ما أعرفه أن المولود إذا مات ازرقت شفتاه وأنامله، فما لي أراها وردية شقراء هنا، تمهل يا بني فقد يكون ابنك حياً. فقلت من خلف ابتسامة باهتة: وما السبيل أيتها الأم، من أين لنا في هذه الظروف بطبيب يكشف عليه؟ فقالت: إن الأمر لا يحتاج إلى طبيب يا ولدي، أخرجه من الحفرة ثم اضربه على أخمصي قدميه وإليتيه. ففعلت … وصرخ الولد … وبالغ في صراخه …. وردد الوادي والجبل صدى بكائه، وأضحك مَن حوله من الناس رغم ما هم عليه من البؤس والشقاء. واستمرت العجوز في نصيحتها وقالت وهي تشير إلى امرأة جلست هناك وأخذت ترضع ابنها: والآن ضعه في حضن تلك المرأة ليتناول شيئاً من صدرها. فوضعناه في حضنها وشرع الوليد يمص حلمتها بنهم وعنف. وهكذا انبعث قهرمان بعد موت لم يشك به أحد. مكثنا بعدها في خيمة للمنظمات الدولية سنة كاملة قرب الحدود، ثم سنة أخرى في ضواحي مدينة ديار بكر ثم بضعة أشهر في إسطنبول، حتى وصل بنا المطاف إلى هنا في هذه المدينة الإنكليزية. وها هو قهرمان يمارس شقاءه كل لحظة، يرتع ويمرح ويلثغ بالإنكليزية ويغني بالكردية ويتأتئ بالعربية. أنا بنفسي أكاد لا أصدق ما جرى. لو أن أحداً روى لي القصة التي قصصتها عليك لما كنت صدقته، ولكن هذا الذي شاءه الله سبحانه أن يحدث.
بعد صمت دام دقائق سألت مام علي عن سبب الندوب المتعددة في وجهه ورقبته وهو الذي لم يصب في حرب الكويت كما قال فرد يقول:
– قبل الغزو العراقي للكويت قاتلت ست سنوات متواصلة في الجبهة الإيرانية، مجنداً في الجيش العراقي. شاهدت فيها الويلات. المئات من رفاق السلاح قتلوا وجرحوا أمام أعيني، كانت مشاهد مروعة، وحياة قاسية, لم نعلم آنذاك في أي لحظة يسقط علينا صاروخ أو ينفجر فينا لغم. ورغم ذلك نجوت منها سالماً. أما الندوب التي تراها في وجهي فهي آثار إطفاء سجائر الجلادين في سجن أبي غريب على جسمي، فبعد ست سنوات في الجبهة تعرضنا مرة لهجوم إيراني مباغت شرس حصد نصف أفراد وحدتنا، ومن تبقى منا اقتيد إلى سجن أبي غريب بتهمة الإهمال إن كان جنديا أو صف ضابط، والخيانة إن كان ضابطاً. فأما الضباط فراحوا في مصير مجهول، قيل إنهم أذيبوا في الآسيد، وقيل أنهم رُبطوا أحياءً بصواريخ قُصفت بها إيران.
في أبي غريب، يا صديقي، يثبت الإنسان على أنه أقوى الكائنات على وجه الأرض، فلو كنا فيلة أو دببة لقضينا نحبنا من اليوم الأول. كان فطورنا من أحشاء الفئران والضفادع، وإن تماطل أحد في البلع تأتيه ضربة عنيفة من حيث لا يدري، ويعقب الفطور جلسة ركل ورفس وضرب بالعصي والسياط. وغداؤنا كان كسرات متعفنة من الخبز تسرح فيها الديدان والصراصير، ويعقبه حفلة تدخين يتم فيها حرق جلودنا بأعقاب السكاير، أما عشاؤنا فكان سباحة حتى الصباح في مستنقع في القبو من مياه المجاري الصحية ارتفاع الماء فيه حوالي المتر ونصفه، تطفو على سطحه كتل من الخراء، وروث الحيوانات، وفئران وضفادع ميتة ومنتفخة تفوح منها رائحة تبعث على الغثيان، عندما كان ينهار أحدنا من التعب والنعاس يتكئ على اثنين من رفاقه كي يتمكن من الإغفاء قليلا دون أن يسقط ويموت غرقاً… إلا أن شر البلية كان عند أحمد زورو، فقد كان المسكين قصير القامة، ومستوى ماء المستنقع يصل إلى ذقنه وما إن نبدأ بالسباحة حتى يبدأ صراعه المرير لإبعاد الكتل الطافية على الماء عن فمه .
ومن خلف ابتسامة باهتة لا حياة فيها، وبعد توقف قصير تابع مام علي قائلاً:
– وذات مرة، وفي لحظة هدوء، رأيت أحمد زورو في المسبح قد سند ظهره إلى الجدار، ورفع رأسه مثبتاً عينيه إلى السقف غارقا في تفكير عميق. سألته: بماذا تحلم يا أحمد زورو؟ فرد بصوت هادئ يقول: أحلم أن تتحول هذه الكتل بغمضة عين إلى أثداء وفروج لنساء جميلات، وأن تنقلب هذه الفئران والضفادع إلى فاكهة ولحم شهي، وأن يؤول هذا الماء إلى خمر وعسل. فقهقه السجناء لحديثه رغم ما كانوا عليه.
وضحك مام علي بمرارة. وقال:
– لقد تداركنا الوقت، هيا بنا إلى البيت.
اتصل مام علي بحليمة يطلب منها التوجه إلى حيث سيارته، وركبنا الأربعة وانطلق المام بسرعة كبيرة وعند منعطف كادت السيارة أن تجنح بنا فاعتراني خوفٌ، فنظر إليّ المامُ يقول بهدوء غامزا بعينه:
لا تخف، لا نموت، لا نموت.