أجرى الحوار: نصر محمد
يكتبنا قلمها أملا وتأملا ونبضا نحو الجرح والمضاد. تجلس في ابصارنا كلماتها. فنحتسي حكايات الذاكرة والنسيان من ملامحها المسافرة إلينا. معتقة تلك المعاني. على أهداب أوراقها. تسقي العطش فينا. وتعطر مزهرية رغبتنا. لنحلق مع تواشيحها. منا إليها. يلتحف البوح أنفاسها. انها الشاعرة السورية دارين زكريا ضيفتنا وضيفتكم اليوم داريـن زكـريـا شاعرة ســوريــة مقيمة ب ألمانيا دارسة إدارة أعمال. ام لطفلين صبي وبنت. عضو في اتحـاد الكـتّاب السـوريّيـن.
صدر لها ثلاثة دواوين:
ديـوان (حَيْرَةُ مَطَر) 2017- شعر- عن دار الرافدين- بيروت.
ديـوان (وسْــــواس) – هايكو و نبضة- 2019 عن دار الدراويش – بلغاريا.
ديـوان (كان القمر طفلاً) 2020 عن دار تأويـل- السّويد.
ديـوان (وسْـــواس) –هايكو و نبضة- مترجم إلى اللغة الإنكليزية 2020 تحت الطبع.
شاركت في مهرجان هالة زالة 2019 كولن- ألمانية ( ملتقى الشعر و القصّة القصيرة).
شاركت في مؤتمر السويد – مالمو بداية 2020 لدعم الثورة العراقية في الخارج.
تُرجمتْ العديـد من القصائـد من ديوانَي ( حيرة مطر- كان القمرُ طفلاً ) إلى اللغات ( الفرنسية- الألمانية- الإنكليزية- الإسبانية).
تكتب النصوص و القصة القصيرة بالإضافة إلى الشعر.
نُشـرتْ العديـد من القصائد في مجلات و صحف عربيـة متنوعـة منها ( جريدة القدس العربي اللندنية , مجلة كل العرب- فرنسا , جريدة الزوراء- العراق , جريدة العراقية – سيدني …و غيرها.
استعارَ الهيامُ أرقي
اتفقَ مع النعاسِ عليّ
لا نومَ بعد اليومِ
قرّرا سَوياً إيجادَ حلٍ للمعضلةِ
أيّةَ معضلةٍ؟
المعضلةُ تتوارى عنكم الآنَ
تحاولُ ألّا تفضحَ نفسها…
إلا أني غدوتُ أتجلّى تباعاً
بوجهٍ له ابتسامةُ هلالٍ خجولٍ
و عيونٍ بجرأةِ فضيحةٍ
بتدويرةِ بدرٍ يزاولُ عرشهُ على الدّوامِ
كيفَ… و لماذا؟
لأني أرى العالمَ… تشبّهَ بكَ
الغاباتُ … صدرُكَ
النهرُ … صلاةُ صوتِكَ
السّماءُ … سرديّةُ اتساعِكَ
الأرضُ … صوّانُ صلابتِكَ
الهواءُ … هواكَ لي و هُداكَ
الشمسُ… رؤيتَكَ و رؤاكَ
الناسُ صورُ لكَ و لربما ظلالُكَ
الضّجّةُ … أفكارُكَ في رأسي
تتفقُ فيما بينها
ثمّ تحطّ على السّطورِ
طيورٌ تبتدعُ المجازَ
المعضلةُ لم تستطع كتماناً
تحوّلتْ فجأةً إلى عرّافةٍ
لم أعوّل بدايةً على هذرِ وَدَعِها
حتى شاءتْ القولَ:
حبّ الذي تصفينَ
جناسٌ بين الكفرِ و الإيمانِ
سالمةٌ أنت منه
لكن ستصيبُك لعنةُ الافتتان
نومُكِ على كفّ الصّحوةِ
و صَحْوكِ على هدهَدَةِ النّوم
لا فكّ عندي لعقدةٍ
لمسها حبيبُكِ بيده
و نفخَ عليها فمُ القدر
ستبقينَ هكذا …
حلماً ناجياً على الشّطّ
غيرَ أنّ بحراً سيغرقُ فيه.
– متى بدأت مشوارك مع الكلمة و كيف تولد القصائد لديك؟
* لي قصيدة بديوان حيرة مطر مطلعها: عانتدتني قصيدتي و قالت: لا تناديني يا دُرّ / ساكِنَتُكِ أنا / و الرّحمُ الذي ضمّكِ كان لكلينا / حرفُكِ المائيّ المتمرّد / يملؤكِ كإثمٍ غير مُبرّر / و يبقى لإثمكِ عطشانا.
أنا من عائلة تهتم بالشعر و تكتبه فوالدي كان يقول الزجل و عمي شاعر لكنهما لم يوثّقا كتاباتهما لظروف معينة. برأيي القصيدة تولد مع الشاعر/ة , فإما أن يسقيها و يطعمها حتى تكبر معه أو يكتب لها سيرة الموت بمحيط صغير و هو داخله أو محيطه البسيط.
– دارين زكريا كيف ترى قصيدة النثر . وهل اخذت مكان الشعر العمودي؟
* برأيي محيط قصيدة النثر محيط رحب، يسمح لقصة الكاتب أن تتجلّى كما يحلو لها دون قيود، و هذا ما يعطي الكاتب حريّة ليعبّر عما يحلو له و بالطريقة التي يهواها. لذلك تسمى القصيدة الحرّة
بالنسبة لشق السؤال الثاني، فبالتأكيد لا يمكن لقصيدة النثر أن تحلّ محل القصيدة العامودية، لكل جمال و قالب بل و حتى لغة تدعمها . لاشيء يحل محل شيء بأي مجال برأيي.
أشكرك على المشاركة مع الورد
– يمتلكُ المبدعون مزاجيّة خاصة عندما يكتبون, فما هي طقوس دارين حين تكتب؟
* أوافقك لكل مجتهد بالفن على اختلاف أنواعه مزاجيّة معينة, قد تؤثّر حتى على منحى حياته العّامة, حقيقةً أنا لا أبرّؤني من المزاجية, لكني لا أفتعل للقصيدةِ طقوساً معيّنة… عادةً أتركُ لها حريّة تامة في طريقة و وقت تجلّيها.
– حدثيني عن شعورك كمغتربة تجاه ما يحدث الآن في بلدك سورية .
* كما تعلم سيدي العزيز نارُ الحرب أكلتنا جميعاً, الوجع الذي يعيشونه السوريون في داخل سورية أم في الدول المجاورة لها و في المخيمات البائسة, يؤلم ضمائرنا جميعاً, خاصةً أننا لا نستطيع شيئاً إلا مساعدتهم نوعاً ما إما بالتعبير عنهم بالكلمة أو مادياً, بالطبع كلنا نتمنى أن تنجلي هذه الغيمة السوداء عن أرضنا الغالية سورية و يعود الأمن للبلاد و العباد إن شاء الله. قلتُ في ديوان وسواس: القمحُ في بلادي/ صبايا بفساتينٍ ذهبيّةٍ/ أكلتهم الغولةُ النار/ لتستعيدَ شبابها.
– هل تشعرين بالغربة؟ و هل هناك من فرق بين غربة داخلية و غربة خارجيّة, و أيهما أصعب؟
* قلتُ في وسواس: أنا مُشعةٌ/ آكلُ جمرَ الغربة فأضيء. هذا يعني من الممكن أن يكون للغربة دور كبير في رسم وجعك بطريقة فنيّة, برأيي, من الممكن أن تظلمكَ الغربة في حين و تنصركَ في حين آخر, بالنسبة لي بالرغم من أن وجودي هنا حرمني من رؤية جزء مني و هم أهلي … أحبابي.. أرضي و شجري, إلا أنها تكرّمتْ عليّ بإعطائي مساحة أوسع للكتابة و إنجاز ثلاثة دواوين للوقت الحالي, بالإضافة لتعلم لغة ثالثة إلى جانب لغتي الأم و الإنكليزية, بالتالي ساهمت نوعاً ما في تطوير مساري. أما بالنسبة للغربة الداخلية فأنا لا أشعر بها. الغربة الداخلية هي الأصعب بالتأكيد من الغربة الخارجية كما تعلم سيد نصر الراقي.
– إلى أي حد تعتبر الكتابة تعويضاً أو بدل فاقد بالنسبة للمغترب؟
برأيي الكتابة تساهم بشكل كبير في ترجمة الشخص لذاته و مكنوناته, سواءً أكان مغترباً أم لا. لاشيء أجمل من أن تعبّر عنكَ و عن ما تريد أو تشعر به, إنها تشبه لحد كبير عملية الزرع للنبات و سقايته ثم الاستمتاع بمناظرته و لربما مشاكسته.
– الشاعرة دارين زكريا ما هو أكثر شيء يحرضك على الكتابة. .. الليل .. لمسة حزن .. سحر الطبيعة والتأمل؟
* حقيقة الليل صديق قديم لي و أنا أراهُ يضجّ بالحياة و النقاء و له سحر خاص على نفسي. بالرغم من أنه من المتعارف أن الناس فبه يميلون إلى الراحة و السكون.
بالنسبة لي الليل خلٌ لي، حتى أن قصيدتي تهواهُ و معظم الأحيان تزورني في سردهِ لسيرتهِ.
الطبيعةُ أيضاً بسرّ خضارها و هيبة زرقتها لها تأثير لا يستهانُ به على مزاج القصيدة.
أما الحزنُ و الفرح… أي المشاعر الإنسانية بشكل عام فأظنّ أنها القدرُ الذي يغلي في ذواتنا و يساعد على استواء القصيدة على مهل.
– ماذا تريد دارين من الشعر؟ و كيف تصف للقارئ الشاعر بداخلها؟
* أريد أن أتلمّسَ الكتابة بشكل عام و الشعر بشكل خاص بكلتي يديّ و أختبر ملامحَهُما جيداً, و لن يسمحَا لي بذلك إلا إن اجتهدتُ أكثر فأكثر بمناغاتهما.
بالنسبة كيف أصف الشاعرة بداخلي, فهذا الأمر يتوضح بشكل جلي في القصائد – النصوص- القصص القصيرة التي أكتبها و أنشرها, من الممكن أن تُشعر قارئكَ بأنك تكتب عنه و ليس عنك, أي أن تصل لمرحلة أن يراهُ بكتابتك.
– هل يكون الرقيب أو القارئ في مخيلتكِ عندما تكتبين, يجلس بجانبك و يرسم معكِ وجهة القلم و خارطة القصيدة؟
* حقيقةً سؤال جميل منك, في البداية أنا أكتب القصيدة بالشكل الذي تأتي فيه لأول مرّة, إنما القارئ أو الناقد يكون موجود إلى جانبي حين أرتّب لها ملابسها و إكسسواراتها إن صحّ التعبير لتبدو أكثر أناقة.
– برأيك ما جدوى القصيدة إن لم تصل للقارئ و تؤثر فيه, أو تُنسى؟
* برأيي القصيدة تتعلق بصاحبها أولاً ثمّ بالقارئ ثانياً, هذا يعني إن استطاعت قصيدتكَ أن تخفّف عنك الحمل الذي بداخلك فتكون قد وصلتَ لنصف الطريق, و إن استطاعتْ أن تلامس نسبة معيّنة من القرّاء و أقول هنا نسبة لأن أذواق و بيئاتهم بالإضافة إلى مستوى عمقهم مختلفة كما تعلم صديقي العزيز. هناك قصائد تستهوي الجميع و هناك قصائد تستهوي نسبة معينة من القرّاء و هذا شيء طبيعي جداً. فإن وصلت القصيدة لنسبة معينة منهم و شاركتهم شيئاً منهم, فهنا تكون قد وصلتْ القصيدة إلى نهاية طريقها.
– يقال بأن القصيدة و الموسيقى توأمان, فالقصيدة التي لا تطرب سامعها لا يحقّ لها الانتماء إلى الشعر… ما رأيك بهذا القول؟
* هذا القول ينطبق على الشعر الموزون الذي يعتمد بشكل أساسي على الموسيقى, برأيي أن إحساس القصيدة و طريقة سكبها و تأثيرها على المتلقي سواءً أكانت قصيدة موزونة تعتمد في أسلوب كتابتها على البحور أو التفعيلة أو بطريقة النثر التي أكتب بها أنا هو الأهم, هناك الكثير من النقاد كما تعلم سيد نصر, قالوا بأن قصيدة النثر تتخللها الموسيقى أيضاً في كثير من الأحيان, في الحقيقة لديّ الكثير من القصائد المطبوعة التي تدعم هذا الرأي مثل قصيدة: هَشّهنّ إليّ/ ذاكَ راعي النجوم/ سرى لمساري ببعضهنّ/ قال هنّ بناتُ أفكاري/ مُذ خلقني الزمانُ فيكِ/ و أنا بالنّور لحقولكِ التي لم تلد أسمّنهنّ…… إلخ.
– الشاعرة دارين زكريا هل ترين أن تقدير الشعراء والكتاب اجتماعيا وإعلاميا فى السنوات الأخيرة قد قل أم لا ؟ ولماذا؟
*حقيقةً هناك نسبة كبيرة من الشعراء و الكتّاب لم يأخذوا و لو جزء بسيط من حقهم إعلامياً بل و حتى اجتماعياً و للأسف.
طبيعة الأنظمة في بلداننا العربية تستند في معظمها على عدم مساندة المبدعين سواء بالمجال الأدبي أم العلمي … إلخ.
لا أريد التعميم هنا أيضاً، فهناك نسبة من المبدعين أخذوا حقهم و حق غيرهم أيضاً في الظهور و الشهرة.
– أجمل قصيدة كتبتيها و تعتزين بها و ماذا تقولين فيها؟
*حقيقة نظرة الشاعر لقصيدته تختلف عن نظرة المتلقين لها على اختلاف رؤيتهم و ركائزهم, من الممكن أن أرى قصيدةً ما هي الأجمل لأنها الأقرب إلى نفسي, و هذا من الممكن ألا ينطبق على القارئ كما تعلم صديقي الراقي نصر.
بالنسبة لي أحبّ الومضة التي قلتُ فيها : كلمّما شقّ الشوقُ قلبي شقّين…. شقيتُ من تشاقي دمكَ في فروعي.
أسلوب هذه الومضة هو الاعتماد تقريباً على مصدر واحد لمعظم الومضة.