محمد سيّد حسين
بدايةً، أعبّر عن تقديري للقائمين على إدارة هذا الملتقى الثقافي، خصوصاً وأنه تم تلبية لدعوة، بغية مناقشة موضوع نقدي، مع الأستاذ الباحث إبراهيم محمود، وكتابه المعنون بـ ” وعي الذات الكردية: كيف يعرّف الكاتب الكردي بنفسه “.
وقبل كل شيء، أستميح الإدارة المحترمة، والأخوة المشاركين عذراً، وأنا أتكلم بلغتي الكردية الأم، ليس لأنني لا أقدّر اللغة العربية ” اللغة التي كتِب بها : وعي الذات الكردية “، أو أقلّل من مكانتها. أبداً، إنما كي أتجنب الوقوع في الأخطاء، إن تكلمت بها، وكوني أستطيع التكلم بلغتي الأم كما ينبغي، أقول ذلك، وأنا أنوّه إلى تقديري لكل اللغات الموجودة، هكذا يكون اعتقادي بالتنوع فيها.
دون استثناء، كان يوم ” 12 آذار-2004 ” لكرد روجآفا سورية، حدثاً مؤثّراً، أو انعطافة جديرة بالتقدير في واجهة التاريخ، إنه يذكّرنا بما جرى في 11 أيلول 2001 من تأثير في محيطه.
في الحديث عن موضوعنا، وفي سياق المشروع النقدي للأستاذ إبراهيم محمود، والذي باشر به في ” 14 ” شباط 2004، ونشره حلقة تلو حلقة، في موقع” efrîn.net “، سوى أنه توقف عند الحلقة ” 8 ” بسبب حدث ” 12 ” آذار، يوم الجمعة الدامي، مركَّزاً على هذا الحدث ، مؤجّله مشروعه، في الوقت الذي انكب آخرون على إثارة البلبلة والطعن فيه هنا وهناك.
انشغل الأستاذ إبراهيم بحدث آذار، بجرأة وشجاعة، بعكس كثيرين من الكتاب، نكَّسوا رؤوسهم، لائذين بالزوايا المعتمة، سلبيين تماماً، وبتعليقات مثيرة للاستهجان.
كان الأستاذ إبراهيم يسخّر قلمه في تناول المستجدات وفي مجالات مختلفة كردياً، بأسلوب نقدي وحاد. بعكس ما جرى في نطاق الحركة الكردية والثقافية من ردود أفعال سلبية.
وليعاود نقده الذي كان، ومتابعاً مشروعه النقدي، دون توقف، أو استبطاء .
لقد برزت مظاهر الحقد واللؤم والاستفزاز والخنوع والاستسلام تجاه الجاري من قبل كثير من الكتاب الكرد، تجاه كتابات كهذه، ومن قبل الأستاذ إبراهيم، معتمدين دعاية مغرضة ضد تعامله مع الحدث وسلوكاتهم. وبطريقتهم هذه، أرادوا إبعاد حدث ” 12 ” آذار عن تاريخ الشعب الكردي، أو إفقاره قيمياً، وهم يعتمدون أسباباً بغيضة، مثل: لماذا لا يجري اعتقال هؤلاء الذين تصدوا للجاري بشجاعة، من قبل الحكومة، ليُسقَط في أيديهم، وبذلك خدموا عدو شعبهم، لهذا استفزوا.
كتاب الأستاذ إبراهيم محمود، في موضوعه، نقدي، ومن تعرَّض لهم، كان على أساس نقدي، من زاوية طبيعة كتاباتهم وسلوكاتهم، وعبر نماذج كثيرة، وبأسماء أصحابها.
سوى أنه من المؤسف، أنه مع ظهور هذا الكتاب النقدي “اليتيم” وقد ذاع صيته، كان هناك من شكلوا خندقاً دفاعياً تآمرياً ضد نقد كهذا، من قبل من سماهم الباحث ومن خلال كتاباتهم، وهم يثيرون لغطاً.
هؤلاء الأشخاص، ودون أن يقوموا بنشاط معين، بذلوا محاولات لتكون أصواتهم أعلى من أفكارهم، لإسكات صوت النقد، النقد الديمقراطي والمدني، وهم في وضعية هستيرية كانوا يتنشطون، وعلى أعلى مستوى ضد النقد القائم ضدهم.
أقول ذلك، لأنني كآخرين كثر، كنت أتابع ما يجري، على صعيد انتشار وسائل الإعلام المتطورة، والتطور التكنولوجي في العالم، تأسفت كثيراً، لأن الباحث عرّى هؤلاء المتخاذلين، ممن خنعوا، وسمّاهم بأسمائهم، وفي سلوكياتهم، أثاروا النقع ” الغبار ” فوق رؤوسهم، وهدفهم المنشود، هو في كيفية دفن هذا المشروع النقدي الحي والثمين تحت التراب.
والسؤال، هو ما الذي دفع بالكاتب القدير الأستاذ إبراهيم محمود، وبغية الإرتقاء بالنقد والثقافة، إلى مستوى محترم، بجرأة وجسارة، كباحث، أو قبل كل شيء، ككاتب كردي، وكل مسعاه تعزيز النقد الصحيح والمثمر، مقصد كتابه هو للدفع بالثقافة الكردية إلى نطاق أوسع وأرحب وأرقى، وإخراجها من الخانة الضيقة والخانقة لها. وبالتالي، من أجل يعرض صدره لرشق الحجارة وأفاعيل الجهلة .
إزاء ذلك، لم ينبض في أجسادهم نبض الشجاعة، أو أنهم لم يغاروا بالمرة، ولم تؤاتهم الجرأة، من ناحية ليباركوا في الثقافة النقدية، ومن ناحية أخرى، لم يستطيعوا الاعتراف بهذه الخطوة، وخصوصاً، لكي يتمكنوا من تحطيم سلسلة القهر والطغيان، أو ليفتحوا الباب أمام حبر أقلامهم وتحريرها، وإطلاق السراح لأفكارهم الحرة، وهم يعبّرون عن آرائهم، وليقتدوا أو يصفّوا إلى جانب أشخاص مثل الأستاذ إبراهيم محمود، إنما للأسف، لم يستطيعوا التخلص من أحقادهم، ومن لؤمهم، ومن دسائسهم ونفاقهم ودونيتهم.
من المؤكد أن أشخاصاً بمثل هذا المستوى من الضغينة والحسد والحقد والضحالة المعرفية، يعيشون حياة عقيمة. وأنهم يهدون- باستمرار- هدايا هزائمهم، لأعداء كردهم، في فترة، حيث العدو يترقب حجة، كي ينال من الكرد، مثلما ما جرى من تحد شبيه ” 12 ” آذار .
وصراحة، فإن ما يجري واضح مكشوف لي، ولا يهمني إن لم يسألني أحد حول موقفي مما يجري. فما أعرفه، هو أن حدث ” 12 ” آذار أوجد الكثير، وأثار الكثير، وأن كتاب الأستاذ إبراهيم محمود شكّل صدمة كبيرة ، صدمة صحو، لجسد الثقافة الكردية. لهذا، فإن ما أتمناه هو أن يُقرَأ النص بعين النقد، مثلما أن الذي أكتبه قابل للقراءة، وأن الذي أكتبه، أنا محمد سيد حسين، يثير أولئك الذين خنعوا، وطأطأوا رؤوسهم، ومن خلاله الأستاذ الباحث إبراهيم محمود،ـ حيث إنه قدَّم كتابه للقراء وعبَر بـ” مشروعه النقدي ” هذا، إلى ساحة الأدب والثقافة الكردية .
وهم في غاية الخطأ، حين يعتقدون، كما يتداولون فيما بينهم، أن لي يداً فيما يكتبه الأستاذ محمود، ليغطّوا على عجزهم، وهزيمتهم، ويعرّفوا بحقيقة أمرهم، سوى أن كتابه بالنسبة إلي، محل تقدير وفخر، خصوصاً وأنه أخذ موقعه المناسب بصورة جيدة في ساحة الثقافة الكردية.
مرة أخرى أشكر القائمين على إدارة هذا الملتقى المتعلق بكتاب “وعي الذات الكردية ” حيث أبارك هذا الكتاب من صميم القلب في العالم الكردستان، وأنا متفائل باستمرار النقد وبقائه* .
النقل من الكردية إلى العربية: إبراهيم محمود
*-المنشور موجز مقال طويل نسبياً للكاتب محمد سيّد حسين،يرجع تاريخ كتابته إلى 12-11/ 2004، ويتعلق بكتابي المذكور في المتن، ونشِر ضمن كتاب: ليالي قبسات الجهات الأربع، بالكردية، وهو :
Şevçiraxên çarmedor، مجموعة مقالات،2010، وبين صص 249-259.
وقد آثرت نقله مختصراً، وتبعاً لمحتواه، إلى العربية، أولاً، لأهميته التاريخية، وثانياً، لأنه لم ينتشر إلا في وسط ضيق، وثالثاً، ولعله مهم بالنسبة إلي، أنه لازال يؤكد حدته في مضمونه، بالتوازي مع كتابي الموسوم والذي نشِر سنة 2004 ، وفي الوقت نفسه، يكون المقال مهدى إلى كاتبنا الكردي الكبير، والذي يكابد أوجاعاً مرضية منذ سنوات، وآلام الغربة، وهو في ” التشيك ” مع أفراد عائلته، وكتقدير مني له.