إبراهيم محمود
ما أقوله هو عن معايشة عمرها الآن سبع سنوات، منذ حللتُ في إقليم كردستان لاجئاً مع عائلتي، وعيّنتُ باحثاً في مركز بيشكجي للدراسات الإنسانية – جامعة دهوك. من خلال ما شاهدته في معرض ” الرافدين ” مؤخراً، والذي ضم ذخيرة هائلة من الكتب ” دور نشْر مختلفة ” ويصعب إيجادها بسهولة، إنما في الواجهة: مجموعة كتب وضعت منضدة فوق بعضها بعضاً، وقد عرضت مجاناً، وبالكاد ينظر فيها، أو يحمَل كتاب، وتُقلَّب صفحاته سريعاً، ويوضع حيث كان، وهذه الحالة أثبتت حقيقة يقيني بأن هناك معاداة للكتاب إجمالاً. فكان هذا المقال الساخن.
نعم، هو مقال ساخن بمحتواه، وهو موجَّه لكل من له صلة بالعملية التربوية والتعليمية حصراً!
ما شاهدته في هذا المعرض، هو كيفية النظر إلى الكتاب، وفي قلب جامعة دهوك، التي تضم كليات علمية وإنسانية مختلفة، وهذا المعرض مرئي، عدا عن لوحات دعائية له أمام مدخل الجامعة وغيره، هو كيفية ” شيْل ” الكتاب، وتقليبه، من قبل الداخل إليه وهو ضمن خيمة كبيرة نسبياً. والخروج هو الذي يعلِم بهذا العزوف.
لكن، وكما أشرت إلى هذه النقطة بداية، تبقى حجة ” لا نملك النقود لشراء الكتاب ” ليست واهية فحسب، وإنما ” ساقطة ” بمقدار ما تشكّل إدانة كبرى لكل من يزعم ذلك أيضاً، لأن الكتب الموضوعة أمام مدخل الخيمة مجانية، ويمكن لأي كان أن يحمل أكثر من نسخة واحدة من الكتاب الواحد،وقد أعلمتُ أكثر من داخل، بأهمية عناوين كثيرة بينها، وهو يقف عند هذه المجموعة ” وهي الملحوظة حيث تكون جهتي اليمنى، كما هي الصورة الملتقطة لهذا الغرض “، إنما دون جدوى.
وحسبي أن أشير إلى بعض منها، وقد حملتُ أكثر من نسخة لأكثر من كتاب،لأقدمها لمن يهمه أمره:
بول هازار: الفكر الأوربي ” وهو مجلد تجليد فنياً ” كما يُرى في واجهة الكتب “.
محمود السيد دغيم: المادية التاريخية بين الوهم والواقع .
رينه ديسو: العرب في سوريا قبل الإسلام .
بول شاوول: موت نرسيس.
محمد علي شمس الدين ” الشاعر والكاتب اللبناني المعروف “: كتاب الطوائف ” سيرة مزدوجة “.
عبدالله البردوني: قضايا يمنية، وزمان بلا نوعية…
عبدالملك مرتاض: أهل الكهف ” رواية “…
….الخ.
ذكَّرني هذا المشهد بأكثر من واقعة، عشتها، كما علِمت بها شخصياً، من ذلك،ما قاله أحد الأكاديميين المخضرمين في الجامعة، وأثناء النقاش حول محاضرة قدّمت في ” مركزنا ” عن ” دور النخبة الثقافية في التطور الحضاري ” في ” 7-1/2020 “، عن أن أغلب الطلاب لا يحملون أقلاماً أو دفاتر، وأنهم لحظة أخذهم لدروسهم، إنما يصورون ما يكتبه ” أستاذهم ” على السبورة، كلٌّ بموبايله “. وهذا يطرح تحدياً كبيراً أمام المعنيين الفعليين بالتربية والتعليم في جامعات الإقليم عموماً، وفي جامعة دهوك، ضمناً، ومن ذلك: كيف يقدّم الطلاب امتحاناتهم في الحالة هذه؟ هل يستنسخون ما هو مصور؟
وهذه الواقعة، حفَّزتني على تذكَّر مثال يعنيني مباشرة، وهو أنني وزَّعت نسخاً من كتابي ” الأكاديمي: هل هناك أكاديمي كردي ؟ ” والصادر سنة 2015، وعبارة عن دراسة نقدية عن مفهوم الأكاديمي، وواقع الأكاديمية راهناً، وفي ” جامعاتنا، تحديداً “، هدايا على العديد من ذوي العلاقة ” وهم أكاديميون معروفون في الجامعة “، بغية الاطلاع، والمناقشة، أو تلقّي الملاحظات المنتظَرة، إنما للأسف، إذ لم يعلّق أي منهم، ودون استثناء، على الكتاب، كما لو أن الكتاب بعنوانه ذاك لا يعنيهم… وبعيداً عن أي تفسير لهذا المثال الأخير، فإن الذي يمكنني تأكيده هو كارثة التربية والتعليم في الإقليم، إذ يظهر ذلك جلياً، ومن خلال متابعة يومية، لحركة الطلاب والطالبات، وهم مشغولون بأمر واحد، ولا يخفى على أحد، وهو: كيفية التقاط المزيد من الصور، بهيئات مختلفة، والاستغراق في ” الهوس الموبايلي وملحقاته “، وهذا يدفع بنا ” بي ” إلى طرح السؤال الذي أتركه دون جواب : من المسئول عن كل ذلك ؟