مرآة

عبد اللطيف الحسيني / هانوفر
ليست المرآةُ وحدَها تردّدُ ملامحَ المرءِ وصوتَه وكآبةَ داخلهِ وثورةَ ذاتِه الهائِجة , المرآةُ لا تردّدُ ما يقولُهُ المرءُ لنفسِه بالنجوى أو بأصواتِه التي لا تسمعُها إلا مرآةُ ذاتِه الكثيفة – الشفّافة .
ما سيحصلُ للمرءِ إنْ وجدَ لوجهِهِ في مرآةِ بيتِه وجوهاً : وجهُ الصّبا يسلّمُه للشباب , ووجهُ الشباب يسلّمُه للكهولة ؟ ما سيحصلُ للمرءِ إنْ وجدَ ذاتَه كهلاً دونَ المرور بوجوهِ الصبا والكهولة ؟
مرآةٌ واحدةٌ – كما حياة واحدة -لا تكفي ليعيشَ المرءُ حياتَه أو ليعرفَ ويتعرّفَ على ذاتِه المغرقة غموضاً وفوضى , باتَ الإنسانُ لا يعرفُ نفسَه لأنّه اكتفى بأقرب صديق أو مرآةٍ على الحائِط مقعّرةٍ لا تمنحُ إلا ثباتاً لرأيٍ واحدٍ , و يبقى ذاك الرأيُ مفهوماً لا يعدّاه .
استطراداً لرأيٍ يُناقش يوميّاً : هات فكراً تتفاعلُ معه مرآةُ الواقع لأضعَ أمامَكَ صحّة ذاك الفكر ومرونتَه وحيويّتَه , بالأدقّ “تطبيقه” (هكذا علّمني ماركس).
هل جرّيتَ مرّةً واحدةً وناديتَ في مرآتكَ أو في مرآةٍ غريبةٍ عنك ؟, ؟وهل سمعتَ و لمستَ ذاتَكَ تضجُّ في مرآة الآخر الذي يجاريك ؟
كأنّ مرآة ذات الآخر تمسخُ امرأً إنْ ردّدها فوقَ صفيحة وجهه إنْ دنا منها , أو ستقصفُه لو تحدّثَ منها إلى ذاتِه بغرورٍ يتصنّعُه , أو هو أهلٌ  له وجار  .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…

ماهين شيخاني.

 

وصلتُ إلى المدينة في الصباح، قرابة التاسعة، بعد رحلة طويلة من الانتظار… أكثر مما هي من التنقل. كنت متعبًا، لكن موعدي مع جهاز الرنين المغناطيسي لا ينتظر، ذاك الجهاز الذي – دون مبالغة – صار يعرف عمودي الفقري أكثر مما أعرفه أنا.

ترجّلتُ من الحافلة ألهث كما لو أنني خرجتُ للتو من سباق قريتنا الريفي،…

إبراهيم سمو

عالية بيازيد وشهود القصيدة: مرافعةٌ في هشاشة الشاعر:

تُقدِّم الكاتبة والباحثة عالية بيازيد، في تصديرها لأعمال زوجها الشاعر سعيد تحسين، شهادةً تتجاوز البُعد العاطفي أو التوثيقي، لتتحوّل إلى مدخل تأويلي عميق لفهم تجربة شاعر طالما كانت قصائده مرآةً لحياته الداخلية.
لا تظهر بيازيد في هذه الشهادة كامرأة تشاركه الحياة فحسب، بل كـ”صندوق أسود” يحتفظ…