زورو متيني يبحث عن مخارج جديدة لمقامات مختلفة

 غريب ملا زلال 
كنت أعتقد إلى وقت قريب بأن الفنان التشكيلي عبدالغفور حسين وحده يرسم خارج السرب، يعزف اللون بسيريالية جميلة وبحرفية مذهلة، و لكن حين إقترابي من أعمال الفنان التشكيلي زورو متيني والإبحار في فضاءاته أدركت أنه هو الآخر يعزف عزفاً يقارب معزوفات عبدالغفور بل كاد كل منهمها أن يكون جناحاً لهذه المدرسة ليحلقان بها عالياً في سموات التشكيل الجزراوي الحسكاوي، السوري بل الآن في سماوات لم تلدهم لكنهما قادران على فرض تجربتهما كلّ على حدا، فمتيني يبدأ بإنجاز مساحات مفترضة فنياً، يرتديها بترحال جدي مع التركيز على ترحال الأشكال والنظريات فهنا يسبر متيني طروحات تكاد تشكل نماذج للتأثر 
وبمعنى آخر فهو مشبع بتوقعات غير معينة تندرج جميعها في الأفق الجمالي للبنى التحتية / التأسيسية / لأعماله فهو يملك موقفاً من لغة هذا السرد و لهذا يحاول أن يعيد الاعتبار لهذه المدرسة والتي باتت تدرس في الأكاديميات فقط فمتيني يبحث عن مخارج جديدة لمقاماته المختلفة ولهذا هناك ألفة كبيرة في الموضوع المطروح من قبله مع اهتمامه بإعادة عملية الخلق من خلال إعادة تأويل جديد يلغي التأويلات المتعارفة عليها / الرسمية / و يضع رؤية ليست بالضرورة أن تكون رؤية تسييس العمل المنتج / العمل الفني / و ينشئ جسوراً يمكن أن نقرأ من خلالها المتخيل الجمالي ولا نستغرب حين يقارب موضوعات هي عامة في سيرتها الذاتية وهكذا فعل عبد الغفور حسين وكذلك فعلها الأب الروحي لهذه المدرسة / السيريالية / وبالعودة مع متيني إلى إضاءاته والتغلغل العذب في منتجه الجمالي سنصل إلى مفرداته الفنية التي تحمل كل شروط البحث القائم على فكرة الكفاءة العالية والتي تؤكد بلوغ متيني مرحلة جميلة ويعبر عن ذلك محاولته اللحاق بركب السياق كحالة إستثنائية مع إصراره على إعتاق العمل المنتج من رق نصوص متوارثة وهذا يقودنا إلى القول بأن الوعي بجماليات العمل المنتج وبموازاة الحالة الإبداعية يدخلنا إلى جدل الغاية منها اللحاق بكل الأشكال الولودة المجدية منها وغير المجدية، فهو يختلف عن الآخرين، من جهة فهو لا يؤمن كثيراً بمقولة الأبعاد، فالسماء عنده مفتوحة لا ركن لها ولا أعمدة وهذا يكاد يشكل له كسر القيد الأول بعد منحه للعقل إجازة مفتوحة في لحظات الخلق فيغيب رقابته تماماً ولهذا تبدأ ريشته مغموسة بالأحلام التي ستتشظى مع ألوانه على فسحاته البيضاء، و من جهة ثانية يثري عمله بتجربته الذاتية اللاواعية، و لهذا وباعتباره نصاً تخيلياً لن يكون محكوماً بلغة خاضعة، بل يملك لغة تجعله أقرب من تقنية الفعل المفتوح، الفعل الذي لا نهاية له، فعل نلاحظ عليه كل دلائل التأويل حيث هي دلالات ربط الحدث بالعمق دون أية إشارة لملاحظات ما، عدا المنخرطة منها في خلفية فلسفية آساسها البحث عن إستفاضات جمالية للوصول إلى عوالم جديدة تختلف بأحداثها وأبعادها وأفعالها وعلاقاتها وكائناتها عن عوالم النسق العام.
و مما لا شك فيه أن متيني يذهب أبعد من أفق القارئ / المتلقي / فيهبه مساحات فيها يرسم بدوره مقولاته بكل دلائلها كمنتج جمالي جديد لا كظاهرة آنية، بل كمنتج له كل العلاقة مع تلك التحولات التي يخوض فيها إجتماعياً، فنياً، سياسياً، فمتيني يدرك أن التقنية والشكل ليستا ملكاً لأحد فمن البداهة حينها أن يخوض متيني تجربة غيرة معروفة تماماً لدى التشكيليين الأكراد على نحو خاص ولدى التشكيليين السوريين على نحو عام إلا ما ندر / عبدالغفور حسين /، فيستعين متيني بمدلول يكتمل صفته المرجعية / المفصلية وبالتداخل الإفتراضي ما بين محور التخيّيل الذاتي الذي يذهب به إلى البحث عن فضاءات سرمدية فيها يمارس متيني فعله الجمالي، ومحور الصياغة الناجزة من إحداثيات هي المسوّغ لتجليات بها يتواصل متيني مع عالمين الداخل و الخارج، وهذا يستدعي حتماً خلق لحظات حاسمة تتيح للتجربة صيرورة جديدة، وربما جرأة متيني تجعله يسير على سبل غير معبدة، يشقها بنفسه وإن كانت هذه السبل تتقاطع مع السبل التي شقها التشكيلي عبدالغفور حسين، بل تجربتهما تكاد تكونان جناحا التحليق عالياً باعتبارهما طرفان لمعادلة فيها ستغدو التشكيل إلى نص تخيلي تداولي يقوده و يقود القارئ أيضاً نحو بحر من تساؤلات هي الأخرى ستكون عناوين لوعي بجماليات الإعتاق.
‏—— 

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم أمين مؤمن

قصدتُ الأطلال

بثورة من كبريائي وتذللي

***

من شفير الأطلال وأعماقها

وقيعان بحارها وفوق سمائها

وجنتها ونارها

وخيرها وشرها

أتجرع كؤوس الماضي

في نسيج من خيال مستحضر

أسكر بصراخ ودموع

أهو شراب

من حميم جهنم

أم

من أنهار الجنة

***

في سكرات الأطلال

أحيا في هالة ثورية

أجسدها

أصورها

أحادثها

بين أحضاني

أمزجها في كياني

ثم أذوب في كيانها

يشعّ قلبي

كثقب أسود

التهم كل الذكريات

فإذا حان الرحيل

ينتبه

من سكرات الوهم

ف

يحرر كل الذكريات

عندها

أرحل

منفجرا

مندثرا

ف

ألملم أشلائي

لألج الأطلال بالثورة

وألج الأطلال للثورة

***

عجبا لعشقي

أفراشة

يشم…

قررت مبادرة كاتاك الشعرية في بنغلادش هذه السنة منح جائزة كاتاك الأدبية العالمية للشاعر الكردستاني حسين حبش وشعراء آخرين، وذلك “لمساهمته البارزة في الأدب العالمي إلى جانب عدد قليل من الشعراء المهمين للغاية في العالم”، كما ورد في حيثيات منحه الجائزة. وتم منح الشاعر هذه الجائزة في ملتقى المفكرين والكتاب العالميين من أجل السلام ٢٠٢٤…

ابراهيم البليهي

لأهمية الحس الفكاهي فإنه لم يكن غريبا أن يشترك ثلاثة من أشهر العقول في أمريكا في دراسته. أما الثلاثة فهم الفيلسوف الشهير دانيال دينيت وماثيو هيرلي ورينالد آدمز وقد صدر العمل في كتاب يحمل عنوان (في جوف النكتة) وبعنوان فرعي يقول(الفكاهة تعكس هندسة العقل) وقد صدر الكتاب عن أشهر مؤسسة علمية في أمريكا والكتاب…

عبدالرزاق عبدالرحمن

مسنة نال منها الكبر…مسكينة علمتها الزمان العبر..

بشوق وألم حملت سماعة الهاتف ترد:بني أأنت بخير؟ فداك روحي ياعمري

-أمي …اشتقت إليك…اشتقت لبيتنا وبلدي …لخبز التنور والزيتون…

ألو أمي …أمي …

لم تستطع الرد….أحست بحرارة في عينيها…رفعت رأسها حتى لا ينزل دمعها،فقد وعدت ابنها في عيد ميلاده الأخير أن لا تبكي ،وتراءى أمام عينيها سحابة بيضاء أعادتها ست سنوات…