حوار مفتوح مع العاشق للفن و الحياة عنايت عطار (8)

 اجرى الحوار: غريب ملا زلال
غريب :
عنايت عطار و نتيجة للفعل الجمالي المتراكم لديه ، و لقدرته على إلتقاط اللحظة الإبداعية و حتمية وجودها ، يتحسس الأفق بلهفة و إصرار ، فالضوء لديه أفق ، و الحلم أفق ، و هفهفات الروح لنسائه أفق ، بل تكاد النساء بكل كيانهن الأفق الأبرز الذي يحوم إليه عنايت ، دعني بوخزة هنا ، فالأفق الذي يسير إليه عنايت يختلف عن أفق الآخرين ، أفقه مغاير ، لولبي و دائري ، يجره ببطء شديد ليلف وجوه نسائه بتلاحمات ، و تمازجات لونية موظفة على نحو هادىء تعود به إلى تداعياته التي بنيت على مقاطع جلّها لغز عنايت ، و سره بقفطانه القديم الجديد ، و حيناً يجر أفقه ليلف به رؤاه ، يقيناً منه أن الإقتراب من نبضات ملحمية ستوسع دائرة مؤثراته .
الأفق الذي تمشي إليه و تجره رغماً عنه ، و الأفق الذي يجرك أيضاً رغماً عنك ، كيف تستطيع خلق حالةمن التوازن بينهما دون أن تنسى الداخل رغم لجوئك إلى الخارج .
عنايت :
أرى انه من المفيد أن نبدأ من آخر السؤال – الداخل والخارج –
و دعني هنا أروي لك شيئاً عن النحات انجلو الذي قال يوماً : إني أرى داخل كل صخرة من الرخام جسداً ,,,,,فكل ما أفعله هو أن أقشر الأطراف لإطلاق سراحه ، و قد سبق إن ذكرت لك بأنني أملأ المساحة وكأني مغمض العينين ، وكأنني أشكل الصخرة بادئ ذي بدء ثم أتبصر لأكتشف ولو بصيصاً ، أو ظل إمراة مثقلة بالعتم ، أو متلاشية بالضوء ، أو مغمورة بالماء فأبدا بالإظهار و كأنني أساعدها للخروج ، و أرسم لها منفذاً للأفق كي أمنحها الحرية حاذفاً حتى الجاذبية الأرضية ، أو قسرية الجهات فقلما تجدني أحاصرها ، وهنا يسهل الحديث عن الأفق والإمتداد ، أوالسرابات حتى التلاشي 
متقصداً غياب الفعل اليومي كأن نرى لوحة توضح إمراة تسدل ستارة ، أو تنشر غسيلاً ، ووو…. إلخ ، إنهن أي أن نسائي أشبه بالملائكة قلما يستطيع المتلقي أن يجد لها وظيفة فالوظيفة لدي هي نوع من الفن يخص الرسوم التوضيحية أو التي تخدم رواية أو نصاً أدبياً ,,, إذن لنعود إلى مبتدأ السؤال ، فالمدى بالنسبة لي هي محطة الخرافة الأزلية والملاحم ، وإلتباس الواقعي بالمتخيل 
والوجودي بالمقدس ,,,إنها مرمى أقواس القزح والحلم والهيام وحتى لا أكتفي بهذا بل أكاد ألغي الفصل بين الأرض والسماء ، ولا أقول إني حققت كل ما أريد ولكنني على الأقل أحاول في هذا المنظور حلماً وإنصباباً ,, أركض خلف كائنات الروح مفارقاً هذا العالم المليئ بالشرور ,,وكأن في ذلك مهربي و سكرتي .
غريب :
كلما أمعنت النظر في أعمالك ، و كلما تأملت فيها أتذكر قول نيتشة : 
” إن أسمى أنواع الجمال ليس ذاك الذي يفتننا على الفور ، بل يتسلل إلينا ببطء ، نحمله معنا و نحن لا نكاد نشعر به ” و كأنه يوخز اللوحة فينا ليعطينا كل الرؤى ، أو كأنها سيروم معلق فوقنا ، يعافينا نقطة نقطة ، و يحمل معه كمّاً من الأسئلة إلى دواخلنا لتترجم إلى رموز لأفعال ستتوالد لاحقاً على شكل دهشة أو تفاصيل متحركة لشوق يقول بعض منا ، و البعض الآخر ينبض في داخلك كفنان و أنت تقف أمام طموحاتك ، بالتأمل الحزين الأقرب إلى الحسرة بل إلى البكاء حيناً ، و حيناً بالوقوف على عوالم تصيغها أنت ، لترميم الروح المتصدع فيك و فينا ، أين عنايت من هذا الكلام ، و من طموحه الذي مازال يمشي إليه ؟
عنايت :
لكن اسمح لي أن أترك هذه المؤثرات فرحاً كان أم حزناً ,,,بهجة كانت أم أسى للمتلقين ,,,,نعم ولوكنت أنا سكين الجرح او بلسم الشفاء ,,فإن الفنان وقد أكون آخرهم وليس أولهم عليه أن يفتضي بما عليه ,, بهواجسه برقصه ، بغنائه ، بعشقه وحتى بالجمر الذي يوقد ناراً ، إذاً وأنت تتكلم عن حلم أو عن رغبة لم تتحقق ، أو كما أسميتها بالحسرة فما هي إلا من سمات الإنسان عادياً كان ، أو شاعراً ، أو عاملاً ، أو مدرساً ، أو فناناً ، ولكن الإختلاف يكون في طريقة الترجمة أو الإيصال ,,,قل كيف ولمن أوجه رسائلي كفنان وكيف أترجم تراكمات الحنين والعشق والقلق والهذيان والنشوة والإنكسار والحزن والفرح ,,,, وكأنني أحس بحمل ثقيل من الإرهاص وكأنه سيمزقني إن بقي ذلك في داخلي فأقوم بطرحه دونما أي حساب لرؤية الآخرين أو تقييمهم لأني لم أكن يوماً أبحث عن ثناء أو تبجيل ، وفي النتيجة ومن خلال تجربتي وتفاعلي مع الناس والمشاهدين والنقاد ودارسي الفنون أن مايسعدني لابد أن يسعد الآخرين ، طبعاً السعادة هنا لا أقصد بها الفرح بقدر ما أعني الرضا عما فعلته سواء ترجمة للحزن او للفرح وكأنني أفتح دعوة عامة لمشاركتي ، أما عن مستوى التقنية واللون والإداء والبناء في عملي فأتركه للمتذوقين والنقاد والمتلقين ، إنها من الصعوبة بمكان أن يتحدث الفنان عن نفسه ، بل ربما لوعرفت كل شئ لما رسمت ، ففي اللوحة المنجزة يا صديقي يكمن ماكنت أريد قوله … 
يتبع


شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ادريس سالم

 

«إلى تلك المرأة،

التي تُلقّبُني بربيع القلب..

إلى الذين رحلوا عني

كيف تمكّنْتُ أنا أيضاً على الهروب

لا أريدُ سوى أن أرحلَ من نفسي…».

يفتتح الشاعر الكوردي، ميران أحمد، كتابه «طابق عُلويّ»، بإهداء مليء بالحميمية، ملطّخ بالفَقد، يفتتحه من قلب الفَقد، لا من عتبة الحبّ، يخاطب فيه امرأة منحته الحبّ والحياة، لقّبته «ربيع القلب». لكن ما يُروى ليس نشوة…

علي شمدين

المقدمة:

لقد تعرفت على الكاتب حليم يوسف أول مرّة في أواخر التسعينات من القرن المنصرم، وذلك خلال مشاركته في الندوات الثقافية الشهرية التي كنا نقيمها في الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي التقدمي الكردي في سوريا، داخل قبو أرضي بحي الآشورية بمدينة القامشلي باسم ندوة (المثقف التقدمي)، والتي كانت تحضره نخبة من مثقفي الجزيرة وكتابها ومن مختلف…

تنكزار ماريني

 

فرانز كافكا، أحد أكثر الكتّاب تأثيرًا في القرن العشرين، وُلِد في 3 يوليو 1883 في براغ وتوفي في 3 يونيو 1924. يُعرف بقصصه السريالية وغالبًا ما تكون كئيبة، التي تسلط الضوء على موضوعات مركزية مثل الاغتراب والهوية وعبثية الوجود. ومن المميز في أعمال كافكا، النظرة المعقدة والمتعددة الأوجه للعلاقات بين الرجال والنساء.

ظروف كافكا الشخصية…

إبراهيم اليوسف

مجموعة “طائر في الجهة الأخرى” للشاعرة فاتن حمودي، الصادرة عن “رياض الريس للكتب والنشر، بيروت”، في طبعتها الأولى، أبريل 2025، في 150 صفحة، ليست مجرّد نصوص شعرية، بل خريطة اضطراب لغويّ تُشكّل الذات من شظايا الغياب. التجربة لدى الشاعرة لا تُقدَّم ضمن صور متماسكة، بل تُقطّع في بنية كولاجية، يُعاد ترتيبها عبر مجازٍ يشبه…